رسمت الجزائر سياستها لمواجهة الإرهاب على قاعدة أساسية، اكتسبتْها من سنوات الدم والدمار، تقوم على رؤية ساعدتها في الخروج من أزمتها، وهي: ترجيح كفة ميزان (المحلي، الداخلي، الوطني)، على (الدولي، الخارجي، العالمي)، مع أنها تعتبر الإرهاب ظاهرة عامة، تتطلب مواجهة من الدول، كل واحدة حسب ظروفها ومقدراتها، والأكثر من هذا طبيعة شعبها، لكنها ترفض تدويل مواجهة الإرهاب على الصعيد المحلي، لأن ذلك سيفرض علاقات دولية جديدة قائمة على إلغاء السيادة الوطنية، وهو ما نصحت به بعض الدول العربية، التي تواجه الإرهاب اليوم. يبدو أن هذه الرؤية الجزائرية، محل رفض من أطراف دولية عديدة، خاصة تلك التي تريد أن تُلحق الجيش الجزائري بالجيوش العربية الأخرى التي تحارب الجماعات الإرهابية، بعد أن خاض تجربة مأسوية لمدة تجاوزت عشر سنوات، كادت أن تنهي وجودَه بعد اتهامه من المنظمات الدولية ذات الصلة بالمصالح العليا للدول الكبرى بقتل الشعب، وعلى وجه الخصوص المؤيدين للإسلاميين، بل إن تلك الأزمة تمكنت من إغراق الدولة الجزائرية، ولولا مشاريع المصالحة المتتالية والمكلفة لانتهت تلك الدولة، أو على الأقل كانت ستبقى رهينة حرب طويلة الأمد. وعلى خلفية تجربته السابقة، يرفض الجيش الجزائري التدخل في ليبيا، ليس فقط لأنه مهتم بالجبهة الداخلية، ولكن لأن الموقف الجزائري واضح في هذه المسألة، وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة قريبة أو بعيدة حتى لو شكلت الأحداث فيها خطراً على الجزائر نفسها، وأقرب مثال هو رفضها التدخل لحماية الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، مع أن إبعاده من السلطة لم يكن لصالحها، وكذلك الحال بالنسبة لإسقاط نظام الرئيس معمر القذافي، وأيضاً بالنسبة لما يجري في مالي. تُدْرك المؤسسة العسكرية الجزائرية أنها محل متابعة من القوى الفاعلة في المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، آخرها ما ذهب إليه يوم الاثنين الماضي (24 أكتوبر) رافي غريغوريان، مساعد منسق سياسة محاربة الإرهاب بالخارجية الأميركية، في لقاء مع صحافيين جزائريين جرى بمقر السفارة الأميركية: «إن الجزائر تملك جيشاً قادراً على وضع حد لتهديدات الإرهاب في ليبيا، ولكن قدرته على التدخل خارج البلاد محدودة دستورياً»، وهنا نتساءل: هل الجيش الجزائري قادر- فعلاً - على وضع حد للصراع الدائر في ليبيا، أم الهدف جره إلى حرب استنزاف، وعداوة مع الشعب الليبي؟ وعلى فرض أنه ذهب لمحاربة الإرهاب هناك، فلمن يترك جبهته الداخلية؟». من جهة أخرى فإن المسؤول الأميركي يظهر تناقضاً في تصريحاته، فمن جهة يدعو إلى تدخل الجزائر عسكرياً في ليبيا، ومن جهة ثانية يرى أن البحث عن حل سياسي للأزمة في ليبيا يعدُّ مفتاحاً للقضاء على الإرهاب، وهو في نظره نفس المعاينة بالنسبة لسوريا والعراق، حيث تفضّل الولايات المتحدة الأميركية معالجة الأزمة الداخلية في البلدين، سياسياً، وهذه الرؤية تنسجم مع موقف الجزائر من الأزمات الجارية على حدودها، كما هي الحال في مالي وليبيا، كما أنه يتفهم حسب قوله «رفض الجزائر التدخل عسكرياً خارج حدودها، ولكن يرى أنه بإمكانها تقديم نصائح لجيرانها الذين يواجهون الإرهاب»، ولم يوضح ما هي النصائح التي يمكن للجزائر تقديمها، فهل سيكون منها: تحالفها مع ميليشيات ليبية على حساب أخرى كما تفعل بعض الدول العربية، التي أصبحت تشكل عبئاً على ليبيا، وجزءاً من المشكلة، ولم تعد طرفاً في الحل؟ ولماذا تريد الدول الغربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، من الجزائر مخالفة دستورها؟