«آه، يا دياميل، أريت ما فعلتم أيضاً، لقد تواتر طرح هذا السؤال عليَّ يوم 14 نوفمبر 2015، إثر وقوع مأساة الهجوم على مسرح باتلكان في باريس. وقد تكرر هذا السؤال المستفز مراراً قبل ذلك، حيث ما فتئ بعض أصدقائي يسألونني، من حين لآخر، عن رأيي، كمسلم، في أية مجزرة تقترف باسم ديني. ولكن في يوم 14 نوفمبر ذاك، تجاوز أحد الأشخاص المحيطين بي بالسؤال من عبارة «ما رأيك»؟ إلى «ما الذي فعلتم من جديد؟»، ولذلك لم أطق أن يتم الخلط بيني وبين من اقترفوا تلك المجزرة. ولهذا فإن ما ستقرؤه هنا، عزيزي القارئ، لم أدبّجه على الورق إلا من أجل عدم الاضطرار للإجابة مرة أخرى على ذلك النوع من الأسئلة»، بهذه العبارات بدأ الكاتب الفرنسي، من أصول سنغالية، سيْدي دياميل نيان كتابه الصادر في آخر شهر سبتمبر المنصرم تحت عنوان: «أنا، مسلم، وليس عليّ تقديم مبررات»، ولعل «المبررات» المقصودة في هذه الصياغة الملتبسة بعض الشيء إن ترجمت في حرفيتها، تعني أن الكاتب، كمسلم، ليس محل شبهة أصلاً، ولا ينبغي مطالبته بتقديم مبررات لأفعال يقترفها آخرون لا يمثلونه، ولا يمثلون الدين الحنيف أيضاً. ولعل مما يزيد من قيمة هذا الكتاب الرائج الآن، كونه جاء في وقته تماماً، لأن مؤلفه واحد من الشباب الفرنسيين المسلمين، الذين وجدوا أنفسهم فجأة خلال السنتين الماضيتين في عين العاصفة الإعلامية بعد تكرار وقوه هجمات إرهابية في فرنسا، وضلوع شبان مسلمين فيها، وكذلك كثرة الحديث عن وجود أعداد محسوسة من الشباب المسلمين الفرنسيين من الجيل الثاني، والثالث، ممن جرفهم تيار التطرف، أو راحوا ينخرطون في أعمال العنف في بؤر النزاعات والصراعات البعيدة كسوريا وغيرها. كما يزيد من قيمة الكتاب أيضاً كون مؤلفه يُعد الآن أطروحة دكتوراه، ومتحصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية، وأخرى في دراسات اللغة العربية، وهو من مواليد سنة 1991 في شمال غرب جمهورية السنغال، وقد انتقل مع ذويه إلى فرنسا حيث نشأ فيها وترعرع وتلقى تعليمه. كما أنه أيضاً ناشط في العديد من الجمعيات العاملة على ترويج روح وقيم العيش المشترك، والحوار بين الثقافات والحضارات، ونشر قيم السلام الاجتماعي والتضامن الوطني والاندماج بين جميع المكونات والشرائح السكانية في فرنسا الآن. ومنذ البداية يقول الكاتب سيدي نيان إنه قد تربى في أجواء أسرية مسلمة محافظة، ولذلك فقد ظل طيلة فترات نشأته ودراسته، وحتى الآن، وهو متعلق بروح الدين، ويعرف أن الإسلام بريء من كل صور العنف والغلو والتطرف، وأن من يقترفون تلك الأعمال البشعة في الغرب، وفي الدول الإسلامية أيضاً، لا يفهمون روح الإسلام، ولا يتحدثون باسمه، بل إنهم في حالة تعارض عقدي وسلوكي مع كل ما له صلة بهذا الدين الكريم. ومن هنا فلا معنى لأن يحاول البعض في الغرب إلصاق صفة العنف، وتعميم أفعال شرذمة من الأفراد غير الأسوياء والجاهلين بقيم وأحكام الدين، وجعلها صوراً نمطية وأحكام قيمة متحيزة يوصم بها أي مسلم. ومن خلال عملية تفنيد محاولات إلباس الإسلام والمسلمين ثوباً لا يخصهما والسعي لجعل العنف والتطرف ماركة مسجلة باسمهما، يكشف الكاتب من خلال النصوص الدينية الأم، وبعرض نماذج من أقوال علماء وحكماء وفلاسفة الحضارة الإسلامية، تعارض روح الإسلام مع كل تلك الصور النمطية السلبية، وعدم تمثيل أفراد لا يزيدون أحياناً على عدد أصابع اليد الواحدة لدين يعتنقه أكثر من مليار من البشر، وتمتد جذوره وحضارته عبر القرون. وفي الحالة الفرنسية تحديداً، لا يغفل الكاتب أيضاً الحديث عن خصوصيات الجالية المسلمة الفرنسية المتجذرة هناك، وذات التاريخ العريق العميق في الولاء لبلادها والتعلق بقيمها الجمهورية والديمقراطية. وعلى رغم وجود احتقانات أحياناً في الضواحي، وإخفاقات ما يسمى سياسات المدينة في بعض الحالات، وتحديات الاندماج والعلمانية، فإن كل ذلك يظهر أن المجتمع المسلم الفرنسي ظل منذ عدة عقود مكوناً أصيلاً من مكونات النسيج السكاني الفرنسي، ولذلك فإن مشكلاته تندرج ضمن مشكلات السياق الاجتماعي العام، مع خصوصيات ثقافية يوجد مثلها أيضاً في المكونات السكانية الأخرى. وفي المجمل يمثل كتاب سيدي نيان ما يشبه البيان «المانيفستو» المعبر عن موقف الشباب الفرنسي المسلم المستنير، المطلع على ثقافته المسلمة الأصيلة من جهة، والمقبل على قيم العيش المشترك مع بقية مكونات بلاده السكانية والقادر على الاندماج معها دون انعزالية أو عُقد من جهة أخرى. وفي هذا المقام لا تخلو من دلالة أيضاً دعوته لمواطنيه من الشباب المسلمين الفرنسيين لتحصين أنفسهم عن التطرف بالإقبال على تلقي العلم والمعرفة، وتوسيع مداركهم لرؤية عظمة الدين الذين يعتنقونه ودوره الأساسي في ترسيخ قيم السلام الاجتماعي والانفتاح والتعايش والتعارف بين الناس ليس في فرنسا الآن فقط، بل في كل زمان ومكان آخر عبر العالم. حسن ولد المختار الكتاب: أنا، مسلم، وليس عليّ تقديم مبررات المؤلف: سيْدي دياميل نيان الناشر: أورغانيزاسيون تاريخ النشر: 2017