يعود هيكل العلاقات الدولية لأفريقيا - في تقديري – إلى ما يشبه السنوات الأولى للبحث عن الاستقلال عقب الحرب الثانية، ومع مطلع الستينيات من القرن الماضي، حيث تعددت أمام شعوبها ودولها الجديدة، خيارات أساسية للمستقبل، وأنماط من العلاقات الحادة والرخوة على السواء. لكن ذلك كان في ظل استقطابات عميقة بين شرق وغرب، أو بين رأسمالية واشتراكية، بما جعل المسألة صعبة، ومصائرها أكثر جذرية...وحصاراً. الآن تجد البلدان الأفريقية نفسها أمام تفكك عملية الاستقطاب، لتصير أكثر تنوعاً عن كونها اختياراً حاداً، وأن البحث عن بدائل لهذا القطب أو ذاك بات ممكناً نسبياً، لو توفرت جدية النظم وإخلاصها لشعوبها، أو أن يتوفر الحضور الأكبر لشعوب هذه النظم فى اتخاذ القرار. وهذا ما يعالجه الكتاب بحثاً عن أنماط الديمقراطية..الخ موضوعنا هنا عن الحضور الأفريقي مع تعدد الخيارات الاستقطابية من جهة، والبحث عن بدائل أو البديل الأفريقي إنْ أمكن ذلك لبناء استقلالية حقيقية من جهة أخرى، وكأننا أمام نفس الدور القديم عن بناء الاستقلال الوطني، رغم الفارق بين عولمة الاستعمار القديم، وعولمة «الرأسمالية الإمبريالية المتوحشة» كما يرى البعض. يقدم د. حمدي عبد الرحمن أستاذ العلوم السياسية المخضرم، مساهمة جامعة في موضوعنا في كتاب حديث أصدره في القاهرة بعنوان:«أفريقيا وتحولات النظام الدولي»، لا أملك أن أتعرض لكامل محتوياته هنا، لأنه أكثر غنى عما يمكن أن تقدمه بعض السطور، لكني أضع معالم تفكير جديد لجيل في العلوم السياسية في وطننا وخارجه يحاول تغيير المدركات القديمة عن «منهجيات» دراسة العلاقات الدولية، ودفع مدركات جديدة يتعامل معها الآن العجوز منا والشباب، إن كان يبتغي التجديد الحقيقي في المدركات السائدة. هذا ما يبدأ به مشكوراً حمدي عبد الرحمن، لينقلنا من العالم القائل «بأن العلاقات الدولية علم أميركي» منذ اخترع المقولة «ستانلي هوفمان» 1977. فالأخيرة كانت لمدرك تصور العالم، وفي القلب منه دولة عظمى خطيرة –هي أميركا طبعاً - تحيط بها بعض الدول – حتى الكبرى – لكن أضعف من أن تشكل محوراً مركزياً...الخ هنا يضعنا حمدي عبد الرحمن في نقطة انطلاقه الثانية، في تقديم من يقف هو في صفهم من الباحثين عن نظرية «غير غربية» للعلاقات الدولية، وإذ بحمدي عبد الرحمن يقفز من العربة «الأفريقانية» التقليدية لينتقل بالمدركات الكبرى إلى «العامل الآسيوي»، الذي يقيم اشتباكه بعالم العولمة عن طريق علاقة الآسيويين المتطورة أو المتعددة، والمزعجة أحياناً، مع الساحة الأفريقية، وهذه القفزة جديرة بالانتباه لدى كل الباحثين عن المكانة الدولية الآن. وحتى «كبار الأوروبيين» يدركون ذلك من مدة، لكن بسبب تركيزهم على الصين كمنافس رأسمالي بالأساس، لم تأخذ قيمة المعالجة للسياسة الدولية مكانتها. نحن هنا أمام فصل كبير يقترب من المائة صفحة عن «القوة الناعمة الآسيوية». والهيمنة الجديدة في أفريقيا، مستعرضاً العلاقات الأفريقية مع الهند والصين واليابان، وهو دائماً حذر وينبه لإمكانيات "الهيمنة البديلة"! وهذا يحتاج لنظرة موضوعية لمنهجه في مضمون العلاقات الدولية ومسارها، ولا نحتاج أن ننبه لإضافة حمدي عبد الرحمن، لفصول أكثر ريبة وتشككاً بالطبع حول الحضور التركي والإيراني والإسرائيلي في أفريقيا. وهنا يرجع حمدي عبد الرحمن إلى ما صنفه من نظرات التشاؤم والفوضى، وأزمة الدول الأفريقية والإقليمية الجديدة في مواجهة الحروب الأهلية، ومحاولات التهميش المستمرة على المستوى الغربي أو الإمبريالي دفاعاً عن مصالحهم، أو استغلالًا لضعف الكثير من الدول الأفريقية. هنا يبرز العنوان الفرعي لكتاب حمدي عبد الرحمن: حلم الطريق البديل من "الكاب إلى القاهرة" ليجعله مسعى داخل الكتاب للإجابة عن سؤال حالم بحق:"هل يمكن أفرقة النظام الدولي؟". وهنا احتاج الأمر من د. حمدي عبد الرحمن أن يعرض لحالة الهيمنة في حركة البعض نحو أفريقيا، كما يعرض في المقابل إمكانيات محتملة لمجموعة "بريكس" أو التعاون العربي الأفريقي الذي نأمل في تحوله إلى تكامل حقيقي من الكاب للقاهرة أو لينجز حلم "علي مزروعي" عن "أفرابيا" ككتلة عربية- أفريقية ذات مستقبل. وينبه هنا حمدي عبد الرحمن لمسعى بالغ الأهمية لا نلتفت إليه كثيراً، وهو أهمية المساهمة المعرفية الأفريقية العربية حول أفريقيا وإمكانياتها الإقليمية والدولية، لأننا قلما نجد اهتماماً بهذه الزاوية، وكأنها خارج الاحتياج البراجماتي المباشر الذي يشغل البعض، وهو يسهم في هذا الصدد ببيان ما يجب دراسته عن طريق الكاب / كايرو –‏? ?والتكتل? ?الإقليمي? ?المصاحب? ?من? ?جنوب? ?أفريقيا? ?حتى? ?حدود? ?كوميسا? ?الشمالية?،? إضافة? ?للتعاون? ?في? ?مجال? ?الأمن? ?والتجارة? ،?وتسخين? ?أدوار? ?دول? ?مثل? ?السودان? ?وشرقي? ?أفريقيا? ?والجنوب? ?الأفريقي? ?ليصل? ?إلى? ?خلاصة? ?متفائلة? ?تتجاوز? ?التشاؤم? ?أو? ?المخاوف? ?المحتملة? ?أيضاً.