عرفنا الكثير عن «الدولة الوطنية التحررية»، أو الوطنية التنموية، لكن قد ندهش للمعرفة بـ«الدولة الوطنية الأميركية»، بعد أن سميت إمبراطورية الفوضى أو الدولة الوطنية الإمبريالية. ويمثل الرئيس ترامب الآن «حالة وطنية» فعلاً حتى بالكاريزما «الترامبية»، وهو يقود العولمة في نفس الوقت في إطارها التقليدي للهيمنة والعسكرة، ومحاولة التسلط على مستوى عالمي بوسائل أخرى! فهو يتحدث عن «مصالح تجارتنا»، و«فرص عمالنا» و«حدود بلدنا» (مع المكسيك).. و«انفراد قوتنا» أمام الأطلنطي، و«تحييد أعدائنا»، أو قهرهم في روسيا والصين. وإقرار ورفض «اتفاقية المناخ» الدولية، كما يتحدث عن دائرة سيطرته الممكنة على أوسع دائرة من الضعفاء (مهاجرين ومسلمين ودول أفريقيا)، أو ما يسميهم سمير أمين بـ«العالم الرابع»! وقبل أن آتى لمقولات سمير أمين، تساءلت: هل يستحضر ترامب «مبدأ مونرو» مثلاً؟ ووجدت ذلك ممكناً، لأن ذاك المبدا منذ 1823، وهو يدور حول إمكان العزلة الأميركية عن أوروبا للسيطرة على أرض أخرى مثل أميركا اللاتينية...الخ. بل تساءلت: هل يراجع مشروع «أجوا» ‏? ?AGOA هو ?مشروع «?هنري ?كيسنجر» ?منذ ?عام ?2000 ?باسم (?قانون ?النمو ?والفرص ?لأفريقيا)، ?الذي ?تجدد ?عام ?2015، ?ويمتد ?حتى ?عام ?2025، ?ويريد ترامب الآن ?إلغاءه ?لوقف ?التيسيرات ?المعطاة ?للدول ?الأفريقية، ?لأنها ?تحقق ?الفائدة ?لحكام ?تسعة ?وثلاثين ?دولة «من ?الفاسدين»!? ويلعب ?ترامب ?مع ?الروس، ?بل ?ويحتفظ ?بهدوئه ?مع ?الصين، ?كأي «دولة ?وطنية» تنظم ?التوازن ?مع (الدول ?الوطنية) الأخرى، ?وليس ?من ?موقع ?قيادة ?للعولمة ?التي ?تحتكر ?السلطة، ?وتضغط ?على ?أي ?منافس، ?بما ?لديها ?من ?أساليب ?الهيمنة ?والعسكرة، ?ويظهر ?ترامب ?الآن بكاريزما ?تبدو «غريبة»، ?وما ?هي ?كذلك ?لأنني ?لم ?أعرف ?أي ?حاكم ?قادر ?على ?إدارة ?وقهر ?ملايين ?ولمدد ?طويلة ?حتى ?مثل «عيدي ?أمين» أو بوكاسا أو ?تسيرانانا ?أو ?حتى القذافي، ?ثم ?نصفه ?بالغرابة، بينما ?يستعمل ?هو ?ذلك ?عادة ?لتأكيد ?عدم ?قدرتنا ?نحن ?على ?التنبؤ ?بسلوكه ?لاعتبارات «?كاريزمية» ?Unpredictable. ومع ?ذلك، ?فإن ?ثمة ?أزمة ?أميركية ?يحاول «?ترامب» ?تخطيها، ?ليست ?هي ?الأزمة ?المالية (?2008 ?/ ?2015)، ?ولكن ?سمير ?أمين ?يقول ?إنها «أزمة ?الرأسمالية ?العالمية ?نفسها»، ?وتحاول ?أميركا ?أن ?تبقى ?على ?رأس ?النظام ?العالمي، ?رغم ?ذلك ?بطريق «سلوك ?وطني ?محلي»، ?وهو ?ما ?نراه ?في ?مخزون «الدولة ?الوطنية» الأميركية. وفى إطار فكرة سمير أمين عن «العالم الرابع»، وهو زعيم فكرة «العالم الثالث» سابقاً، فإنه الآن باختصار شديد – يبقى الولايات المتحدة وثالوث (أميركا/ أوروبا/ اليابان) كعالم أول، ثم تأتي الدول «البازغة» الأحدث الآن، والقابلة لتحدي العالم الأول كعالم ثان، تندرج فيه الصين والهند والبرازيل وبدرجة ما روسيا بميراثها العولمي أيضاً، وهو يضع صيغة لإمكان وضع دول وسطى أو متوسطة لتشكل العالم الثالث مثل فنزويلا وماليزيا وجنوب أفريقيا بسبب تقدمها الصناعي والإنتاجي عموماً، ويمكن أن تضم دائرة العالم الثالث دولاً مثل إيران وتركيا ومصر لو أتيحت لها فرص النهوض بالصناعة وتنمية الإنتاج والتجارة الدولية. والأهم هنا أيضاً مدى احترام الطبقة الوسطى لدورها بعدم التدهور في «الكمبرادورية»، والاندماج في آليات سوق العولمة خدمة للآخرين، ثم يذهب سمير أمين في تحليله إلى وضع بقية دول الجنوب في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي، في حالة من التهميش إزاء قوى العولمة المعسكرة والمهيمنة – ليجعلها ذلك تشكل العالم الرابع، بسبب رضاها كدول وكطبقات حاكمة في إنحاء أفريقيا وآسيا بالأدوار الكمبرادورية التابعة والسكوت عليها مثلما كان الحال في بداية عصر الاستعمار، ومن ثم يمكن استغلال ثرواتها وأموالها ومواقعها الاستراتيجية، بل وتعاون فئات معينة بين ظهرانيها (الأسر – والعسكريين...) بقدرتها الإمبراطورية على استغلالهم وخداعهم، وبسبب اتساع وثراء هذا العالم الرابع. هنا تواصل الولايات المتحدة منافساتها مع العالم الأول، أو الثاني بقدر ما تتيحه قدراتها التنافسية، لكنها تذهب مباشرة للتغول في العالم الرابع، وتغازل «الدولة الوطنية» الأميركية.. هذه القوى للانفراد بولائها رغم إشارات من بعضهم حول القدرة على التحدي لهذا التغول الأميركي ببناء كتلة الجنوب مثلما نرى من الصين البازغة بقوة، أو مجموعة «بريكس»، وحتى بلاد في العالم العربي والإسلامي نفسه ممن يراهم سمير أمين ممثلين في عدد من دول وسط آسيا والشمال الأفريقي.