تتضارب الأنباء عن حيوية الاتصالات المصرية والإثيوبية في محاولة لعلاج مشكلة «سد النهضة»، وتوفير المياه المناسبة لمصر، فترة التخزين لملء بحيرة السد، وينتج التضارب هنا من تأرجح الموقف السوداني من جهة، وهم في وضع الوسيط أو الوسط، ووضع أطراف أخرى في جنوب الوادي ممن يتطلعون لدور ما في إدارة شؤون الحوض، أي حوض النيل، بمعنى تحديد مكانتهم في الإقليم، دون تجاهل الكبار فيه. وما زال الكبار عملياً هماً إثيوبياً ومصر. من هنا تأتي تحركات كينيا من جهة، وأوغندا من جهة أخرى. بل ودخلت على الخط الكونغو الديمقراطية (كنشاسا) رغم أزمة الرئاسة هناك. المشكلة الجديدة هي مدى القدرة على تفعيل العمل في إطار منظمة جاذبة لأهل شرقي أفريقيا، مثل «الإيجاد» منظمة دول تنمية شرقي أفريقيا IGAD، أم التحرك في الإطار ذي الصلة المباشرة وهو مبادرة دول حوض النيل NBI، وهو ما تحاول دولة مثل مصر العودة لتفعيلها باعتبارها طرفاً قوياً فيها، بينما لا علاقة لها بمنظمة «الإيجاد» إلا بتقديم بعض الخدمات للدول الأعضاء فيها بشكل ثنائي. الاجتماعات الأخيرة في دول حوض النيل قد تثبت فاعلية المحاولة المصرية لكن، ما نقرأه عن تحركات إثيوبية نشطة في «الإيجاد» مؤخراً، تٌلمح إلى عملية إحتواء للموقف من كافة جوانبه، رغم أن أزمة إثيوبيا في القوات المسماه دولية في الصومال، ومنافستها مع كينيا على أرض الصومال نفسه، قد تشل محاولتها للاحتواء. ومع ذلك فالزيارات والبرامج داخل إطار «الإيجاد» لابد أن تجعل مصر قلقة ما لم تتحرك جيداً في القرن الأفريقي من جهة، وفي جنوب حوض النيل من جهة أخرى. وقد تطور الموقف الكونغولي أيضاً في اتجاه مصر، وقد يعرف البعض أن الكونغو تنافس في سوق الطاقة الكهربائية الناتج عن سدود «إنجا» الأربعة، وقد ترى أن مصر «مسوِّق» أو مشترٍ جيد فضلًا عن مشروعات مصرية يُقال إنها تمتد لزراعة 20 مليون فدان في الكونغو من مياه النهر العظيم، وفق تصريح لخبير مصري بالأمم المتحدة، وفي هذه الحالة فإن مصر إذ تلعب مع طرف قوي في حوض آخر هو حوض الكونغو مع مجموعة دول البحيرات العظمى بقيادة كونغولية، فإنها تكسب بذلك نقاطاً مهمة في حوض النيل والمبادرة في الوقت نفسه. ولذا ننبه دائماً الأخوة السودانيين إلى المحافظة على مواقف مبدئية مع مصر بشأن المياه وغيرها. وأتصور أن تراجع السودان موقفها من مصر لسبب آخر هو موقف جنوب السودان، الذي يحكم موقفه الآن، واقترابه – مع مصر – من أوغندا، وقربه من حوض الكونغو، وذكريات «الإيجاد» معه، مما يجعله قوة مستقبلية لبعض الأطراف. التنافسات الجارية واضحة للعيان، خاصة إذا انتبهت مصر إلى مواصلة دورها بهدوء هناك، ولا أدرى بالضبط، كيف يحلل الأصدقاء في الخليج مثلاً كل هذه الأبعاد. وأتصور أن تخطط مصادر السياسة والمال في الخليج، مع المشروعات المستقبلية بهجوم دبلوماسي مناسب، ومشترك بالضرورة، استفادةً من تجارب ناجحة الآن من قبل المغرب وجنوب أفريقيا، ومن العيب ألا تخطط المجموعة العربية تخطيطاً مشتركاً في مثل هذه المناطق الحيوية من القارة بل والعالم، حيث الاستراتيجيات الدولية، وخاصة الأميركية بدأت تدرك أهمية ثروات دول البحيرات العظمى وغرب أفريقيا الصحراوية، ورغم الصمت الإعلامي الآن لانشغالهم بالمشرق والخليج واضطراباته، لكن التحرك في المنطقة الأفريقية التعدينية قائم دائماً مهدداً لدول البترول، وليس دول الكفاءة التكنوقراطية، وحتى السكانية، ولتعاود قراءة سمير أمين عن خيبات الرأسماليات المالية أو ما يسميه «سقوط العولمة في بئر الأمولة». حلمي شعراوي* رئيس مركز الدراسات العربية والأفريقية- القاهرة