أطلقت قمة الاتحاد الأفريقي– التي عقدت في كيجالي – رواندا- في الأسبوع الثاني من يوليو 2016 قرارها بـ«إرسال قوات إقليمية» إلى جنوب السودان، تضم قوات من أوغندا وكينيا والسودان ورواندا وإثيوبيا، وبـ«سلطات أقوى»، مما يتوفر حالياً لما يعرف بـ«القوات الدولية»، والتي تكونت تدريجياً في جنوب السودان مع كل اقتتال عنيف يحدث به، مما وصل بها إلى نحو 12000 جندي لـ«حفظ السلام» والفصل بين المتحاربين. وقد أعلن الرئيس «سلفا كير» معارضته ورفضه للقرار بشدة واضحة، حيث لا داعي – في نظره – لوجود قوات إضافية بالبلاد، والإشارة على ما يبدو لعدم جدوى الموجود أصلاً ، حيث يتكرر الاقتتال بين فترة وأخرى وفي نفس المنطقة (جوبا – بور)، وآخرها خلال الأسبوعين الأخيرين. لكن الأهم بالنسبة له أيضاً هو الحد من الانقسامات التي يقودها الدكتور «رياك مشار»، المثقف الجاذب للشماليين أيضاً في وقت ستجرى فيه انتخابات خلال عام 2018. ولا نريد أن نرجع لتفاصيل النزاع وأسباب الاقتتال التي قُتلت هي نفسها بحثاً. ولكن لنأخذ ما يلفت النظر في تطور الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة مما يجعلها تحت مطرقة الخاص والعام فيها بشكل مؤسف...فالقرار يتحدث عن «القوات الإقليمية» وليس قوات الأمم المتحدة التقليدية لحفظ السلام كالمعتاد. وكأنها ستكون – في نية الاتحاد قوات «مقاتلة»، وليست لحفظ الأمن، أي أننا أمام مرحلة من العنف المتبادل بين حكومة وقوات «سلفا كير»، وبين قوات منافسه «رياك مشار» وغيرها من دول الإقليم المحيط بجنوب السودان. لتحقق كل منها الهدف الذي تنشده من الوجود في هذه المنطقة. وأظن أنه كان من غير المألوف أن تُستحضر دول الجوار مجتمعة بهذا الشكل لـ«احتلال» دولة تحدث فيها بعض الاضطرابات التي تُسمى أحياناً «صراعاً» وأحياناً أخرى انقلاباً! نحن هنا إذن أمام نفوذ إثيوبيا العسكري المباشر والمتصاعد من بلاد الصومال إلى جنوب السودان، فضلاً عن نفوذها السياسي البارز في السودان بسبب الموقف المشترك حول «سد النهضة»، وهي التي أكدت تحديها للقانون الدولي في مسألة الحدود مع إريتريا، والتي ترفض الانسحاب منها رغم قرار محكمة العدل الدولية، بل وما زالت تشل حركة العرب نحو إريتريا بسبب مشروع السد! ومن بين الدول الصاعدة على حساب جنوب السودان، نجد أوغندا أيضاً في الكونغو والسودان على السواء. وحيث هي وبوروندي في الصومال، فقد أتاحوا الفرصة لرواندا لتدخل إلى جنوب السودان ليمتد نفوذها القوي من شرق الكونغو إلى السودان في مكافآت مستدامة للرئيس الصاعد «بول كاجامي»، وبدخول السودان مع الدول المشاركة عسكرياً ورسمياً، أصبح له وجود رسمي جديد في الجنوب ليدعم من يراه لمصلحته. اللافت هنا هو تحفظ جنوب أفريقيا على القرار، ورؤيتها مثل «سلفا كير» أنه لا جدوى من تلك القوات، حيث يقوم رئيسها السابق «ثابو مبيكي» بدور الوسيط منذ عدة سنوات، وخاصة بين السودان الجنوبي والشمالي أيضاً بشأن المصالح البترولية العالمية في المنطقة التي بات مستشاراً لها بعد تركه رئاسة جنوب أفريقيا...ستشغل جنوب السودان، وأشكال القتال التي تتكرر فيها بعنف لافت والقتلى دائماً بالمئات والمهجرين بالآلاف – ستشغل الرأي العام الأفريقي كثيراً في الفترة المقبلة، لأنها تجمع مجموعة من الدول ذات تأثير في مسألة اختيار رئيس المفوضية التي كانت معركتها مقررة وتأجلت قليلاً. كما ستؤثر في دور القوات الدولية في أفريقيا، ومتى تكون «دولية» ومتى تكون «إقليمية»، وأي نفوذ يرتبط بذلك، بل إن أطرافاً مثل جنوب أفريقيا باتت تبدي تحديها في مسألة حساسة مثل جنوب السودان، مثل تحديها السابق بالوقوف بقوة لفترة بجوار تمثيل الصحراء الغربية وحركة «البوليساريو»، وسوف تكون مضطرة الآن لإعادة صياغة موقفها أو تشددها إزاء عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، في وقت ستختل فيه موازين كثيرة وموقع الأصوات إزاء الترشح لكرسي مجلس الأمن الدائم الذي سيهتز الاختيار فيه بقدر اهتزاز الموازين السائدة في القارة الأفريقية بل والعالم كله. لم تتوفر تفاصيل أكثر عن المواقف الفعلية لبلدان ذات وزن في الاتحاد مثل الجزائر ومصر، ولكل منها مصالح بارزة تثير أسئلة مهمة: فالجزائر مرشحة لمنصب رئيس المفوضية القادم، ولا ندري مدى تأثير موقف جنوب أفريقيا في هذا الصدد. ومصر ذات مصلحة بالنسبة لترشيحاتها الدولية أيضاً! ثم في التعبئة للحظة طرح موضوع «سد النهضة» على مستوى الاتحاد (ويبدو أنها تقترب من ذلك). وبينما تبني إثيوبيا قوتها بهذا الشكل المتنامي في القارة، فإن منطقة حوض النيل كلها تبدو في اتساق لمصلحة هذا النفوذ مما يحتاج لاختراقات مصرية قوية مع جنوب السودان، ومع الكونغو الديمقراطية وكينيا مثلاً...بل ومع المغرب صاحبة النفوذ المتنامي أيضاً في القارة. وأخيراً هل سيظل بترول الجنوب السوداني ومعادن وسط القارة، أمراً جاذباً للتحركات «العسكرية»، حتى يتحول الاقتتال الدولي من المشرق العربي والخليج مثلاً إلى منطقة مثل هذه مؤهلة بوجود فعلي لنحو 50 ألف جندي «لحفظ السلام» في السودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية، مثلما جاء الأميركان يوماً للعراق لـ«حفظ السلام» من القنابل النووية! وهل في مصر والجامعة العربية إدارة ديناميكية تعي حالياً ولاحقاً أهمية التحرك المبكر على هذه الجبهات المتنوعة؟