إذا أرَّخنا للعالَم الراهن بحضارة الصين التي ولدت في القرن الثلاثين قبل الميلاد، فنحن الآن في القرن الـ51. و«إذا لم يبق لديك في العالم سوى درهمين، اشْتر رغيف خبز بدرهم، وباقة ورد بالدرهم الآخر»، تقول أقدم الحكم الصينية «الطاوية»، التي تنفع في متابعة الوضع الاقتصادي العالمي الراهن، الموشك على الانهيار، بسبب تعثّر الاقتصاد الصيني. وستكون باقة ورد للصين، لأني أحب أن أعتقد، كعالم الاقتصاد الأميركي «بول كروغمان»، بأن وضع الاقتصاد الصيني «ليس بالسوء الذي يمكن أن يؤثر فيه على الاقتصاد العالمي»، وأشتري لنفسي رغيف خبز الحكمة الصينية التي تريني علاقة الاقتصاد الصيني بالعالمي «ما هو، وما ليس هو، يبدعُ أحدُهما الآخر». والصين الآن تملك أكبر احتياطيات مالية بالنقد الأجنبي تبلغ أربعة تريليونات دولار، حسب «نيويورك تايمز» التي عرضت في سبعة تقارير مسهبة كيف تبدع الصين والعالم أحدُهما الآخر. في «الإكوادور» حيث تحيط غابة «الأمازون» بخُصر جبال «الإنديز»، يصب نحو ألف مهندس وتقني صيني الإسمنت لبناء سد ونفق أرضي طولهما 24 كيلومتراً. سيغذي المشروع، الذي يكلف مليارين و200 مليون دولار، مياه النهر، تضخها ثمانية توربينات عملاقة صمّمها الصينيون تنتج ما يكفي من قوة كهربائية لإضاءة أكثر من ثلث «الإكوادور». وستقرضُ المصارفُ الصينية «الإكوادور» 7 مليارات دولار، لإنشاء مصفاة نفط قرب ميناء «مانتا» على المحيط الهادئ، ما قد يجعل البلد الذي يبلغ عدد سكانه 16 مليون نسمة لاعباً عالمياً في منتجات البترول. وعلى امتداد قرى ومدن «الإكوادور»، وظّفت الصين 11 مليار دولار لإنشاء شوارع، وطرق مرور خارجية، وجسور، ومستشفيات، وحتى شبكات كاميرات المراقبة. وفي «الإكوادور»، كما في باقي البلدان، «تزيح بكين واشنطن أينما حلَّت»، حسب «نيويورك تايمز». وتعيد الصين رسم خريطة العالم، فتجعل القارات السبع ستاً، حيث آسيا وأوروبا قارة واحدة. و«دع العالم يكُن، فلا أحد ينجح في قهر العالم وتغييره»، تقول الحكمة الصينية، وهي فلسفة «ورقة السياسة العربية للصين» الصادرة عن وزارة الخارجية الصينية الأسبوع الماضي، وفيها يُبعث «طريق الحرير» الذي كان يربط الصين والعالم العربي عبر أكثر من ألفي عام. و«لا أعرف الاسم، أنا أسميه الطريق، وبسبب عدم وجود كلمات أفضل أسميه العظيم». وطريق الحكمة «الطاوية» مثل «طريق الحرير» الذي يربط أعظم كتلة برية قارية آسيوية أوروبية، تمتد بين سواحل المحيطات «الهادئ» و«الهندي» و«الأطلسي»، عبر شبكة هياكل ارتكازية، زراعية، وصناعية، وتجارية، وتكنولوجية، وعلمية، وثقافية. و«الجسر القاري العربي الآسيوي: القلب المحرك لطريق الحرير الجديد» عنوان تقريري الذي نشرته في صحيفة لندنية في نوفمبر عام 1997، ولم يخطر ببالي آنذاك أن المشروع الذي أعَدّه معهد «شيلر» الألماني ستتبناه الصين، وقد يحمله الرئيس الصيني في زيارته هذا الأسبوع للمنطقة العربية. وفي سبتمبر الماضي تم الاحتفال في بكين بصدور الطبعة الإنجليزية والصينية من كتاب «طريق الحرير الجديد أصبح الجسر البري العالمي». وفي الشهر المقبل تصدر طبعته العربية، التي أعدَّها حسين العسكري، الباحث العراقي في معهد «شيلر»، الذي أسسته الأكاديمية الألمانية «هيلغا لاروش»، ويسميها الصينيون «سيدة طريق الحرير»، فهي التي شقّت «طريق الحرير» عبر مئات المؤتمرات والندوات العلمية والسياسية، و«وضعت مفهوم الجسر البري الأوروآسيوي كحائل دون الحرب»، حسب الأكاديمي الصيني «دينغ يفان». و«هيلغا لاروش» والصين كالمرأة التي تقول عنها الحكمة الصينية: «الأنثى تتفوق دائماً على الرجل بسكونها، وفي سكونها هي تُثمِر»، و«البلد العظيم كالمصب الواطئ للنهر، إنه حيث تلتقي أرض العالم، أنثى العالم». ------------------------------ *مستشار في العلوم والتكنولوجيا