بعد أن قام ملايين المصريين والنخبة العسكرية بنسف حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، تعتبر حكومة الإمارات العربية المتحدة ثاني أشد خصم عربي لـ«الإخوان». ففي الثاني من يوليو، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات حكماً بالسجن على 69 ناشطاً من «الإخوان المسلمين» بتهم التآمر لإسقاط نظام الحكم. أعضاء كبار في فرع «الإخوان المسلمين» الإماراتي سبق لهم أن قاتلوا إلى جانب تنظيم «القاعدة» في سوريا وساهموا في إنشاء ميليشيا جديدة خاصة بهم. ثم إن أحد زعماء الحزب المنظم أعلن صراحة أنه لا يهدف إلى قتال النظام السوري فحسب، وإنما العودة إلى الوطن وخوض حرب في الخليج أيضاً. وقد يبدو هذا التأكيد الأخير مفاجئاً في ضوء الرأي الشائع الذي يرى أن «الإخوان» يسعون وراء التغيير من دون عنف؛ إلا أنه يدل على نوع جديد متزايد من الحركة، يبدو مستعداً ليطل برأسه في أكثر من بلد- وخاصة، في مصر نفسها. معظم تغطيات وسائل الإعلام الغربية للمحاكمة في الإمارات، ركزت على الفرع المحلي لـ«الإخوان» المعروف باسم «الإصلاح»، الذي أُسس بشكل رسمي في دبي عام 1974 وكان قانونياً في البلاد على مدى عقود قبل أن يصطدم مع النظام. غير أن تنظيماً جديداً يعرف باسم «حزب الأمة»، أُنشئ بعد الثورة المصرية على يد أحد من ساهموا في تأسيس «الإصلاح»، يُظهر بشكل أكثر جلاءاً لماذا كانت الحكومة جد حازمة في محاكمة الحركة بشكل عام. فالحركة، التي تعتبر محظورة في الإمارات العربية المتحدة، تنتسب علناً إلى حزبين آخرين يحملان الاسم نفسَه – واحد في السعودية، حيث يعتبر محظوراً أيضاً، والآخر - الحزب الرائد - في الكويت، حيث يشتغل بشكل علني. الكتابات الإيديولوجية للمجموعة توفِّق بين كفاح سلفي لا يعترف بالحدود من أجل أسلمة عالمية، ومقاربة «الإخوان» المتمثلة في تغيير البلدان بشكل تدريجي، الواحد تلو الآخر. والحال أن هذه بشكل أساسي هي الرؤية المؤسسة لـ«القاعدة» مثلما أكدها أيمن الظواهري، وبيَّنها المقاتلون العرب في أفغانستان، الذين راحوا يهاجمون أوطانهم والغرب بعد ذلك. واليوم، يبدو أن ساحة معركة جديدة قد أخذت تغذي مزاوجة مشابهة. ففي الخامس من مارس الماضي، أصبحت مدينة الرقة السورية الواقعة في الشمال أولَ عاصمة محافظة تسقط تحت سيطرة الثوار في النزاع المتواصل. وقد سقطت عموماً في يد «جبهة النصرة» المنتمية لـ«القاعدة»، والتي تصفها الولايات المتحدة والأمم المتحدة بأنها تنظيم إرهابي. ومن بين أشهر «الشهداء» الذين سقطوا على جانب الثوار من المعركة، عقيد سابق في الجيش الإماراتي وأحد المساهمين في تأسيس «حزب الأمة»، محمد العبدولي، الذي قُتل في الثالث من مارس الماضي على يد قناص حكومي سوري. وكان قد سبق لـ«العبدولي» أن سُجن في بلده بتهمة تجنيد جنود للانضمام إلى «الإخوان». وتفيد مجموعة كبيرة من المطبوعات الإسلامية بأنه كان قد وصل إلى تركيا برفقة مواطنين إماراتيين آخرين، قبل بضعة أشهر على موته، وأقام معسكراً تدريبياً هناك. وبينما انتشر خبر «شهادته»، افتخر عدد من مواطنيه بعلاقتهم به، وخاصة، الرئيس الحالي لـ«حزب الأمة» الإماراتي، حسن الدقي، الهارب من الإمارات، والذي يُقال إنه يعيش في تركيا. قيادة الحزب أشارت إلى أن أجندتها بخصوص العنف تتعدى سوريا. ففي الحادي والثلاثين من مارس الماضي، وبعد إعلانه عن لقائه مع قائد «جبهة النصرة» في سوريا، أرسل رئيس «حزب الأمة» السعودي محمد بن سعد المفرح تغريدة عبر «تويتر» جاء فيها: «اسعدي يا جزيرة العرب، لأن أكثر من 12 ألف من أبنائك المجاهدين موجودون في سوريا، وجميعهم أقسموا بالعلي القدير على تحريرك" (و20 ألفاً لا يمكن هزمهم). والمقصود بـ«جزيرة العرب» حسب السياق هو السعودية والدول الخليجية. أما العبارة في نهاية التغريدة، فهي جزء من حديث للرسول صلى الله عليه وسلم توقع فيه جيشاً قوامه 12 ألف رجل يقوم في شبه الجزيرة العربية، ليقود العالم الإسلامي في إعادة تأسيس الخلافة. والواقع أن التقديرات الخاصة بعدد المقاتلين الأجانب في سوريا تشير إلى أنهم 12 ألفاً تقديرات مبالغ فيه. ولكن كلمات "المفرح"، وإنْ كانت تعبيراً عن الطموح، تكتسي أهمية في ضوء إنجازات الحزب على الميدان. ذلك أنه حتى الآن، ساهمت قيادة الحزب في تأسيس وتمويل لواءين إسلاميين في سوريا - حيث قامت بجلب مقاتلين من الخليج وليبيا ومصر وفلسطين وغيرها- حيث تم إنشاء "أحرار الشام" الإسلامي و"لواء الأمة" من خلال منح من قبل المؤسس الكويتي للحزب، حكيم المطيري. كما يشار إلى العقيد الإماراتي العبدولي باعتباره صاحب الفضل في تدريب أعضاء من "أحرار الشام". وتظهر العلاقة بين "لواء الأمة" و"حزب الأمة" واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى شبكة الإنترنت، يقوم "اللواء" عموماً بإعادة إرسال بيانات صادرة عن زعماء الحزب، وصفحتهم على "فيسبوك" تحفل بالمدح والثناء لهم. باختصار، إن مجرد المواد المتاحة للعموم تبرر القلق من أن تكون العناصر "الإخوانية" الإماراتية والسعودية والكويتية بصدد استعمال سوريا للإعداد لحملة عنف في الخليج. ولئن كان حزب الأمة يدعو أيضاً في أدبياته إلى التداول السلمي للسلطة، فإنه يبدو في ضوء تصريحاته وأفعاله الأخرى أن هذه المزاعم مخادعة ومضللة. بعد عامين على «الربيع العربي»، يبدو المشهد الإقليمي الآن عبارة عن خليط من أنظمة أوتوقراطية ثابتة ومستمرة، وساحات معارك، ودول تعيش تحولا - وتواجه فيها حركة إسلامية تقوت مؤخراً فقط (الإخوان المسلمين) رد فعل شعبياً قوياً. ولكن من الصعب بالنسبة لعناصر«الإخوان» الملتزمين حقاً بالتعددية والمجتمع المدني أن يدافعوا عن موقفهم بين زملائهم الإسلاميين. وفي هذه الظروف، يستعد أشباه «حزب الأمة» لاكتساب القوة والنفوذ في دول الخليج وعلى صعيد المنطقة، وخاصة في مصر. ففي وقت سابق من هذا الشهر، ظهر أحد أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، على قناة «اليقين» الإسلامية، وقال كلاماً يشي بالكثير: "أقول لقائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي، عليه أن يدرك أنه خلق طالبان جديدة وقاعدة جديدة في مصر...وسيدمرونك وسيدمرون مصر!". ــــــــــــــ عن "ذي أتلانتك"