خلال السنوات الأربع الماضية، كان رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا موي» يعد بتحقيق نمو اقتصادي وتوفير ملايين فرص العمل في البلاد. لكنه بدأ الآن يواجه اضطرابات مع انخفاض قيمة الروبية الهندية يومياً، وهو ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط والسلع الأساسية اليومية الأخرى.
ودشّن أكثر من 20 حزباً معارضاً يقودها حزب «المؤتمر» إضراباً في أنحاء البلاد استباقاً للمعارك الانتخابية مع اقتراب الانتخابات العامة خلال العام المقبل. وقد كان ذلك أكبر إجراء سياسي ضد حكومة «مودي» خلال الأعوام الأربعة الماضية، إذ خرجت الأحزاب السياسية في مسيرات في أجزاء مختلفة من البلاد في محاولة لتعزيز فكرة أن حكومة «مودي» لم تتمكن من كبح أسعار الوقود، وهو ما أثر على جميع جوانب الاقتصاد الهندي.
وفي الهند تتشكل أكثر من نصف أسعار الوقود من ضرائب فيدرالية ومحلية. وتختلف من ولاية إلى أخرى باختلاف الضرائب المحلية. وانخفاض قيمة الروبية أمام الدولار في الدولة الواقعة في جنوب آسيا خلال الأسابيع القليلة الماضية أفضى إلى جعل الواردات أغلى ثمناً بزيادة تقدر بنحو 14 في المئة إجمالاً. ولم تكن الروبية الهندية بهذا الضعف خلال الأعوام السبعين الماضية، وتطالب المعارضة الحكومة بضرورة تخفيض الضرائب الهائلة المفروضة على أسعار النفط بهدف تقليص التكاليف عن كاهل أفراد الشعب، إضافة إلى فرض سعر نموذجي لأسعار الوقود في أنحاء البلاد، وذلك بإدراجه ضمن قوائم ضريبة السلع والخدمات. لكن الحكومة، التي تستخدم الضرائب من أجل الإنفاق الحكومي، اتهمت أحزاب المعارضة في المقابل بالانتهازية السياسية.
ومن المتوقع أن يؤثر ضعف الروبية على رئيس الوزراء الهندي في وقت شديد الحساسية، على رغم من أنه يحاول بذل قصارى جهده من أجل حل المشكلات قبيل الانتخابات العامة التي ستجري قبل شهر مايو 2019. وقبل هذا التاريخ ستشهد عدد من الولايات التي يحكمها حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي ينتمي إليه «مودي»، انتخابات عاملة محلية، ومن بينها ولاية «راجاستان» و«مادهيا براديش».
وقد أعلنت ولاية «راجاستان»، التي يسعى كبير وزرائها الحالي «فاسوندرا راجي» إلى إعادة انتخابه، عن تخفيضات ضريبية بالفعل على الوقود بنسبة أربعة في المئة بهدف خفض التكاليف، في محاولة لتقليص الأضرار الناجمة عن ارتفاع أسعار الوقود والتي أثرت على جميع الأسعار الأخرى في الولاية. لذا، خوفاً من خسارة الانتخابات في هذه الولايات بسبب الاضطراب الناتج عن ارتفاع تكاليف الحياة اليومية نتيجة الضرائب الباهظة، تم الإعلان عن عدد من الحوافز المغرية من قبل بهاراتيا جاناتا» بهدف خطب ودّ الناخبين. ويدرك الحزب الحاكم أن الانتخابات في هذه الولايات تمثل تمهيداً مهماً للانتخابات العامة خلال العام المقبل، وخسارة الانتخابات المحلية يمكن أن تؤثر على نتيجة الانتخابات العامة.
ومن القضايا الأخرى المتوقع أن تُثار أثناء الانتخابات مسألة إلغاء الأوراق النقدية ذات القيمة المرتفعة وسحبها من الأسواق، التي قررها رئيس الوزراء مودي في عام 2016، والتي أثارت جولة من المعارك السياسية بين المعارضة والحزب الحاكم. فقبل عامين، قررت حكومة مودي سحب الأوراق النقدية من فئتي 500 وألف روبية في محاولة لكبح جماح اقتصاد الأموال السوداء، التي يجنيها البعض من السوق السوداء ولا يدفعون عنها أية ضرائب. وتُقدر هذه الأموال في الهند بأنها مساوية أو تزيد على حجم الاقتصاد. وتحاول نيودلهي التشجيع على استخدام المعاملات الرقمية.
وكشف تقرير أصدره البنك المركزي الهندي الأسبوع الماضي أن 99.3 في المئة من الأوراق النقدية عالية القيمة عادت مرة أخرى للتداول بعد سحبها، في إشارة واضحة على أن الهنود لا يزالون يفضلون استخدام النقود، وأن أصحاب تلك الأموال تمكنوا من إيداع أموالهم وسحبها. ويتهم حزب «المؤتمر»، الذي يقود المعارضة الرئيسية في الهند، الحكومة بالإخفاق في تحقيق أهدافها، ومن ثم يثير عملية سحب الأوراق النقدية في حملاته الانتخابية المرتقبة على مستوى الولايات، وسيثيرها أيضاً في الانتخابات العامة المقبلة.
وأدى التطبيق السيئ لعملية سحب العملات النقدية في 2016 إلى أزمة نقدية أسفرت عن انخفاض الإنفاق ومن ثم تراجع اقتصادي. وأضرّ ذلك بالاقتصاد غير الرسمي، مع خسارة مئات من العمال لوظائفهم في الاقتصاد غير الرسمي الذي يهيمن على السيولة النقدية. ويزعم منتقدو الحكومة أن عملية سحب الأموال لم تحقق أي من أهدافها، بينما لم تتحول الهند بعد إلى مجتمع لا تتداول فيه النقود وتجري المعاملات رقمياً. ورغم ذلك يزعم أنصار الحكومة أن المعاملات الرقمية زادت وأن الحكومة وجهت ضربة قوية لاقتصاد السوق السوداء مع زيادة الإيرادات الضريبية بشكل كبير.
وعلى أية حال من الواضح أنه مع اقتراب موسم الانتخابات، سيتعرض رئيس الوزراء «مودي» إلى ضغوط شديدة بشأن القضايا الاقتصادية من ارتفاع أسعار المحروقات إلى سحب العملات، وبلا شك سيكون لذلك تأثير كبير. ويواجه حزب «بهاراتيا جاناتا» بالفعل ضغوطاً، وإذا لم تنخفض الأسعار، وخصوصاً أسعار الوقود، فقد يواجه صعوبات أكبر.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي