الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النمسا والمجر وأصداء فوز اليمين المتطرف

23 ديسمبر 2017 23:06
هل نشهد الآن عودة الإمبراطورية النمساوية المجرية في أعقاب تشكيل حكومة يشارك فيها اليمين المتطرف في فيينا، الذي يلتقي في أطروحاته مع حكومة بودابست المجاورة في الخطوط الأساسية؟ وحتى لو كان احتمال عودة الإمبراطورية النمساوية المجرية من تحت الرماد مستبعداً إلى حد ما، إلا أن هذه المقاربة التاريخية الاستفزازية، كما وصفتها جريدة «داي فيلت» الألمانية، لقيت بعض الاستحسان والترحيب من بعض السياسيين المؤثرين على المشهد السياسي في ألمانيا ذاتها. وبكل تأكيد، ومن وجهة النظر الألمانية، فقد باتت هذه التجربة تشكل المرجعية السياسية المفضلة للجناح اليميني المتطرف في ألمانيا الذي يشهد فترة من الانتعاش ربما بأكثر مما قد يتضح على العلن. حقاً، لم يعد التاريخ البعيد بعيداً جداً بالنسبة لأوروبا. وتنطوي مسيرة التاريخ الأكثر حداثة في هذه القارة، على نقطة تحول كبرى عندما اتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرارها عام 2015 الذي يقضي بالموافقة على استقبال أكبر حركة تدفق للاجئين شهدتها القارة في تاريخها. وقد أصبحت أصداء هذا القرار تتردد على نحو خاص في آذان سياسيي النمسا التي شهدت الاثنين الماضي تأدية حكومة الائتلاف الجديد الذي يضم المحافظين و«حزب الحرية» اليمين الدستورية. ويحدث هذا بعد شهرين فحسب من تنظيم انتخابات عامة شهدت الانتصار المفاجئ الذي حققه سياسي شاب خالف كل التوقعات يدعى «سيباستيان كورتز»، وهو زعيم «حزب الشعب النمساوي» الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، ولم يحقق انتصاره هذا إلا بسبب مواقفه المتشددة من الهجرة والإسلام، وهي الشعارات التي يتمسك بها أيضاً «حزب الحرية» اليميني المتطرف. ولهذا السبب أصبحت فكرة تشكيل ائتلاف سياسي بين الحزبين أمراً متطابقاً مع أهدافهما المشتركة. ويُعتبر «كورتز» الآن هو أصغر قائد سياسي في أوروبا، كما يُعتبر «حزب الحرية» النمساوي هو الأقوى من بين كل أحزاب اليمين المتطرف في القارة الأوروبية، وهو الذي فاز بالوزارات السيادية في النمسا مثل الداخلية والخارجية والدفاع. ونتيجة لهذا التطور المهم، يتوقع مراقبون مثل هيرند رايجيرت، المحلل السياسي في قناة «دويتشه فيله» الألمانية، أن تكون النمسا قد بدأت تتلمّس إمكانية إنشاء ما يسمى «مجموعة فايسجراد» Visegrad Group التي تمثل تحالفاً سياسياً يضم بولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر تقوده حكومات شعبوية يمينية متطرفة تنتمي لدول أوروبا الوسطى والشرقية، وترفع شعار معاداة سياسات الهجرة وإجراءات استقبال اللاجئين وفق الحصص التي قررتها بروكسل. وقال رايجيرت في تعليقه على هذا التطور: «يمكن لهذين الحزبين أن يلعبا معاً بورقة الانحياز للتوجهات القومية، وأن يعبرا لمراكز القرار في الاتحاد الأوروبي في بروكسل عن عدم اهتمامهما بما تتخذه من قرارات». إلا أن محور الاهتمام يبقى مرتبطاً بمركز القوة التاريخي للقارة الأوروبية. ففي ألمانيا أيضاً أصبح حزب «البديل من أجل ألمانيا» يشكل قوة سياسية لها وزنها وخاصة بعد أن فاز بـ13% من الأصوات في انتخابات سبتمبر الماضي، وهو ما يعادل مستوى التراجع الذي لحق بالاشتراكيين وبحزب المستشارة أنجيلا ميركل «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» CDU الذي أثبت فشله في تشكيل ائتلاف سياسي كافٍ لتشكيل حكومة جديدة. ولقد مضت حتى الآن ثلاثة أشهر على الانتخابات، إلا أن ألمانيا لا تزال من دون حكومة. ومنذ فشل محادثات تشكيل ائتلاف مع «حزب الخضر» والليبراليين من «الحزب الديمقراطي الحر» FDP، لم يبقَ أمام ميركل إلا خيارات محدودة لتشكيل حكومتها من أهمها محاولة إقناع «الحزب الاشتراكي» سيئ السمعة بالبقاء في الائتلاف الذي بقي في حكم ألمانيا منذ عام 2013. وهذا ما يمكن أن يجعل من حزب «البديل من أجل ألمانيا» أقوى حزب معارض في البرلمان «البندستاغ». أو أن تفكر بتشكيل حكومة أقلّية، وهو إجراء دستوري غير مسبوق في تاريخ ألمانيا. ويبدو الآن أن قوة الدفع التي حققتها الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في أوروبا عام 2015 ما زالت متواصلة. فما الذي يحمله التاريخ من صفحات جديدة عام 2018؟ من الواضح أن الانتقادات الموجهة للاتحاد الأوروبي تتفاقم. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال استطلاعات رأي سبقت إجراء الانتخابات الإيطالية العامة، ووصول المحادثات المتعلقة بإجراءات الانسحاب البريطاني من الاتحاد «البريكسيت» إلى طريقها المسدود. إلا أن الأجيال القادمة قد تحكم بأن عام 2017 كان أيضاً هو العام الذي برز فيه رجل ملتزم ذو شخصية كاريزمية اسمه إيمانويل ماكرون وقد تمكن من إلحاق الهزيمة بمارين ابنة السياسي الفاشي جان ماري لوبين. صحيح أن مسيرة تقلبات التاريخ والسياسة في أوروبا لا زالت متواصلة، ولكننا لا نعلم أيضاً في أي اتجاه تسير خلال المقبل من الأيام. * كاتب ومترجم ألماني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©