السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الطفلان المتصارعان».. كل تأويل محتمل

«الطفلان المتصارعان».. كل تأويل محتمل
18 نوفمبر 2017 22:26
أبوظبي (الاتحاد) هذه اللوحة التي تحضر في متحف اللوفر أبوظبي بتوقيع الرسام الفرنسي بول غوغان، هي في حقيقتها تنتسب إلى بول غوغان الأول. أي إلى الرسام الذي نشأ في أحضان المدرسة الانطباعية قبل أن يهجرها إلى عالم آخر، إلى مدارس اصطرعت في داخله فكريا ونفسيا، لتفرج عن مكنونها في لوحات تنتمي إلى بول غوغان الثاني. أي إلى الرسام الذي غادر مسقط رأسه فرنسا متقصّيا نزعاته ما وراء المحيط. لوحة بول غوغان في اللوفر أبوظبي تحمل عنوان «الطفلان المتصارعان» وهي ألوان زيتية على قماش (الكانفاس)، بقياسات 93.0 x 73.0 سم، 121.0 x 101.2 x 9.5 سم، وأنجزها في يوليو عام 1888. اللوحة تنهض بحركتها وألوانها فوق مساحة عشبية خضراء. لون داكن الخضرة، ربما نسخه الرسام من طبيعة باريسية تعود إلى فصل الربيع. وفي الوسط تماما ينتصب الطفلان المتصارعان. يبدوان في اللوحة وكأنهما يتحاضنان. فالرسم لا يشي بنزعة عنفية، حتى إن جسدي الطفلين العاريين لا يوحيان بأي انقباض أو توتر عضلي. الطفل الظاهر جزء من وجهه في اللوحة، يمنح الناظر المتمعن ملامح حزينة. عيناه تبدوان وكأنهما تنظران إلى نقطة معينة، شخص أو شيء أو مجرد فراغ، تستمدان منها التشجيع أو التعزية. مشهد طفولي بامتياز، يجري في حضن طبيعة تستخرج من الإنسان، الطفل تحديدا، كل ما يستبطنه من عناصر طفولته. فيخرج من ثيابه الملقاة فوق العشب في الزواية السفلية اليمنة من اللوحة ليمارس لعبة ما توحي بها اللوحة ولا يوحي بها العنوان الذي اختاره الرسام لها. أما في أعماق اللوحة فتكتمل أبعاد الطبيعة. هناك يجري نهر كما يبدو، أو مجرد منحدر أو منخسف أرضي، ومنه يحاول طفل آخر الصعود إلى المساحة العشبية دون أن يعير اهتماما للطفلين المتصارعين. هذا التأويل للوحة غوغان «الطفلان المتصارعان» قد يكون حقيقيا أو لا يكون. قد يوافق عليه الرسام نفسه أو يناقضه. فهو التقط مشهدا من محيطه، ونقله إلى لوحته بكل التأويلات التي تفترضها أو تقترحها المدرسة الانطباعية. هكذا حام غوغان حول موضوعه، مترصدا الحركة دون أن تعنيه أبدا خفاياها. وهو ما سيدعو غوغان لاحقا إلى أن يتخلى عن نفسه، عن غوغان الأول، مسيّرا بالاختيار أو بالتلبية لنداء خفي، بحثا عن غوغان الثاني. هكذا، إذن فارق بول غوغان أحضان المدرسة الانطباعية، مصرحا: «إنهم (أي الانطباعيين) يحومون حول العين دون ترصد المركز الخفي للفكر». وقد استكشف آفاقا أخرى للابداع بعدما انتقل إلى بريطانيا (الحركة التركيبية)، ثم استفاد من صداقته مع فان غوخ، ولينتقل أخيرا إلى تاهيتي، ليصبح في أحضان المدرسة الوحوشية. ويمكن القول، إن انتقالات غوغان كوّنت شخصيته الفكرية والأسلوبية، التي باتت تتجاوز حدود المكان والزمان إلى محاولة التوليف بين الحضارات المتباعدة، منتقلا من التخيّل المحض إلى محاولة التجسيد. ويؤكد العديد من النقّاد أن أجمل لوحات الرسام الفرنسي تعود إلى الفترة التي قضاها في جزر المارتينيك، قبل أن يستقر في جزيرة تاهيتي لمدة عشر سنوات من 1891 وحتى 1900.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©