الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعد التابوت الأخير والرواية المزيفة.. الإسكندر الأكبر لا يزال لغز البشرية الأكبر

بعد التابوت الأخير والرواية المزيفة.. الإسكندر الأكبر لا يزال لغز البشرية الأكبر
15 أغسطس 2018 20:22

طوال عدة أسابيع انشغلت مصر والعالم كله من ورائها بعد اكتشاف تابوت مصنوع من الجرانيت أسفل عقار في مدينة الإسكندرية بطول 2.75 متر وبعرض 1.65 متر، وبارتفاع 1.85 متر، ويعود الى العصر البطلمي (القرن الرابع قبل الميلاد)، وقدر وزن التابوت بنحو 30 طناً تقريباً.

شكل التابوت المغلق منذ 2000 عام حالة من الجدل الشديد، ورفع سقف التوقعات الى مستوى غير مسبوق، اعتقاداً بأنه يحوي جثمان الإسكندر الأكبر، ولكي يزداد المشهد غموضا، ذهبت بعض المواقع الأجنبية الى إطلاق تحذير من فتح التابوت، انطلاقا من أن من سيقوم بفتحه سيجر على العالم عقابا شديدا يتمثل في 1000 عام من الظلام يمكن أن تحل على كل البشرية، في تحوير غير منطقي وغير عقلاني لقصة لعنة الفراعنة التي لم تحسم علميا حتى الساعة. بيد أن فتح التابوت لم يجلب لعنات الطبيعة، كما روج المرجفون، وفي الوقت ذاته لم يكشف عن جثمان الإسكندر الأكبر، بل اسفر عن ثلاث رفات غير سليمة ومياه حمراء اللون قال الآثاريون إنها مياه الصرف الصحي التي تسربت الى داخل التابوت، والذي اعتقد البعض انه الزئبق الأحمر، ذلك السائل الخرافي الذي كثرت من حوله الأساطير، لما له من قدرات عجائبيّة خارقة، وهذا، أيضاً، أمر لم يثبت علمياً لأنه، وببساطة، لم توجد منه عينة حتى الساعة على وجه الأرض، أو في مومياوات المصريين القدماء.
على أن التابوت في حد ذاته لا يهمنا إلا كمدخل لتلك القصة التي تجمع ما بين الحقيقة والأسطورة، قصة الإسكندر الأكبر المدفون بالفعل في المدينة التي أسسها، مدينة الإسكندرية، عروس البحر الأبيض المتوسط، تلك المدينة الساحرة بعبقها التاريخي، وبما عرف عنها من كونها مدينة كوزموبولتية، وبوابة مصر لملاقاة الآخر وربما لهجماته، كما أنها منشأ ومقر مكتبة الإسكندرية التاريخية التي كانت مع منارة الإسكندرية إحدى عجائب الدنيا في القديم.
ولعله من مصادفات القدر أن تخرج قصة التابوت هذه في توقيت مواكب لصدور كتاب حياة الإسكندر المترجم عن رواية للمؤرخ المزيف «كالليثينيس»، الصادر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة من ترجمة وتقديم وتعليق الدكتور محمود ابراهيم السعدني.

ماذا عن المؤلِّف؟
كالليثينيس.. هو الاسم الأصلي لأحد فلاسفة وعلماء زمان الإسكندرية، وهو المؤرخ الوحيد الذي رافق الإسكندر الأكبر في حملته على آسيا، وهو ينحدر الى مدينة «اولينثوس» وتربطه علاقة نسب أو قرابة بالفيلسوف الأشهر آنذاك أرسطو.
بينما مؤلفنا هنا «كالليسثينس المزيف» كما اطلق عليه النقاد فيما بعد (تمييزا عن سابقه الأصلي) هو احد الكهنة اليونان، السكندري الاصل، والذي كتب مادته الاسطورية نحو عام 300 ميلادية باللغة اليونانية القديمة، قاصدا بذلك الجمهور اليوناني، والناطقين بتلك اللغة.
لا يهمنا في القصة سيرة الإسكندر، فهذه كتبت حولها مئات الكتب واخرجت السينما العالمية عنها عشرات الافلام، وانما ما يهمنا هو الساعات الأخيرة التي سبقت موت الإسكندر، وهل تم دفنه في الإسكندرية ولهذا يظل العالم مشغولا بمعرفة أين وكيف سيكون شكل مقبرته التي لابد لها أن تتناسب مع مكانته الأسطورية التي سطرها عبر التاريخ.
والشاهد انه لما كانت الشذرات الباقية الأصلية للمؤرخ الذي عاصر حملة الإسكندر تؤرخ بنحو عام 325 ق.م، وكان قد مر عليها نحو ستة قرون، وأضافت الأجيال عليها من عندها تفاصيل كثيرة من خيالاتها وطموحاتها وبعض أمجادها، فإن النسخة المزيفة التي بين ايدينا والتي اسماها صاحبها الماكر المجهول باسم «حياة الإسكندر» هي إضافة اخرى تنقل إلينا بعضا من روح مطلع القرن الرابع الميلادي، وقبل اعتماد الديانة المسيحية بوصفها ديانة رسمية في الامبراطورية الرومانية، عام 313 م، على يد الإمبراطور قسطنطين.

المؤامرة
تقول رواية المؤلف إنه عندما وقعت خلافات بين اوليمباس، والدة الإسكندر والقائد العام للجيش ونائب الإسكندر في مقدونيا، والمسمى «انتيباتروس، كانت الأم تكتب خطابات كثيرة الى ابنها تشكوه بسبب تعنته معها وتضييق حركتها، ولذلك قرر الإسكندر أن يرسل القائد كراتيروس الى عاصمة ملكه في مقدونيا، ليحكم الى جانب انتيباتروس، وبالتالي يحد من سلطاته، ولما فطن انتيباتروس لخطة الإسكندر بوصول كراتيروس، كما نما الى علمه بأن الإسكندر يقود بعض القوات المقدونية نفسها ارتعد خوفاً على نفسه، ومن هنا بدأ التفكير في قتل الإسكندر.
اعد انتيباتروس سما ناقعا وضعه في إناء فخاري وأعطاه لابنه ليعطيه الى «ايولاس»، الذي كان حتى وقت قريب سائق الإسكندر الخاص ثم جرت بينهما مشادة ضربه خلالها الإسكندر على رأسه، مما سبب له جرحاً غائراً في رأسه وفي نفسه معاً، لذلك، رحب بفكرة التآمر على الإسكندر وانضم الى ابن انتيباتروس، ثم جنّدا معهما رجلا ثالثا من الفرس كان يكره الإسكندر كذلك، وقرروا جميعا ان يدسوا له السم عندما تسنح لهم الفرصة.
ذات عشاء فاخر، كان الإسكندر قد اعده لرفاقه، كان المتآمرون حوله يودون موته طمعا في الحصول على ثروته، ومن سوء حظه أن «ايولاس» ليلتها كان قد عاد لخدمته، فقدم له الكأس الأولى وكانت خالية من السم، أما الكأس الثانية فقد أفرغ فيها كل ما لديه من سم قاتل، وما هي الا لحظات حتى كان الإسكندر يعوي ويصرخ من الالم، وكأنه اصيب بسهم.
صباح اليوم التالي أمر أن يأتيه قائداه بطليموس وبرديكاس، وأن لا يدخل عليه احد غيرهما، حتى اشعار آخر، وفجأة حدث هرج ومرج انتشر في المكان كله، عندما اعلن الجنود المقدونيون انهم سيثأرون لموت ملكهم، وهددوا بقتل حرس القصور، اذا لم يدخلوا الى حيث الإسكندر، واذا لم يروه، وعندما سمع الإسكندر وهو في النزع الأخير الضوضاء الخارجية أخبره برديكاس بما يطلبون.
عندئذ أمر الإسكندر بأن يرفعوا سريره ويضعوه فوق منصة عالية، حتى يتمكن كل الجيش من رؤيته، ولكن سمح للمقدونيين فقط، أن يروه مباشرة عن طريق الدخول من باب والخروج من باب آخر. ولم يبق بينهم واحد لم يبكه حال الإسكندر الملك الذي كان وقتها يموت ببطء وهو ممدد على سريره. وكان بينهم رجل سيئ المظهر، ولم يكن من الجند، خرج عن الطابور، واقترب كثيرا من سرير الإسكندر، وقال له:
«أيها الملك الإسكندر انت وأبوك فيليب حكمتما حكما طيبا وأنت الذي أحضرتنا إلى هنا، ولذا يجب ان نموت معك انت، لأنك جعلت مقدونيا حرة».
هنا دمعت عينا الإسكندر، ومد يده اليمنى مشيرا لرغبته في ان يصلي ويتضرع الى الآلهة، ومع تداعيات الأحداث بإيقاع سريع يأمر الإسكندر بأن يحضروا كاتب العقود والمواثيق وقال له: «اذا ولدت زوجتي روكساني ولدا ذكرا فليصبح ملك مقدونيا، اما اذا وضعت أنثى فليختاروا من يشاؤون».

الطبيعة حزنت عليه
ومن مظاهر تجاوب الدنيا مع الحدث الجلل ومع ما قاله الإسكندر عندئذ من كلمات اخرى كثيرة، يرصد المؤلف انتشار الضباب في الهواء، وظهور نجم كبير، نزل من السماء، متوجها صوب البحر، هذا فضلا عن رؤية نسر مصاحب للنجم الذي هوى في البحر، كما سمع الناس عن تحرك تمثال زيوس الموجود في بابل، وما ان اختفى النجم في السماء، حتى راح الإسكندر، ونام نومته الأبدية الخالدة.
في هذه الأوقات حاول الفرس ان يكسبوا صداقة المقدونيين وان يوافقوا على دفن الإسكندر في بلدهم، حتى يستطيعوا تكريم المتوفى بما يليق به، وانهم سيعلنونه «الاله ميثراس» ولكن المقدونيين كانوا يرون ضرورة نقل جثمانه الى مقدونيا، وعندئذ تدخل الجنرال بطليموس وقال بالحرف: «ان هناك وحيا ونبوءة في بابل، للإله زيوس، ومنه سنتسلم نبوءة تقرر أين سندفن جثمان الإسكندر، وكان الوحي قد سئل وأجاب في معبد زيوس بتلك الكلمات التالية:
= سأقول لكم ما هو في الصالح العام في ثلاثة سطور.
= توجد مدينة، في مصر، تسمى منف.
= هناك يجب أن يدفن ويعتلي عرشه.
وعندما تم إعطاء الوحي السابق، لم يتكلم أحد قط، ووافق الجمع على ان يحمل بطليموس الجثمان المضمخ بالعطور وبكل انواع الطيب الى منف، وهو موضوعا داخل تابوت من الرصاص، وكان بطليموس قد وضع خيمة الإسكندر فوق عربته الملكية وتحرك الركب وموكب الجثمان الملكي من بابل الى مصر، وعندما علم سكان منف بقرب الموكب من مدينتهم خرجوا لاستقباله، حتى داخل منف.
لكن مفاجأة ما جرت بها المقادير في ذلك الوقت، مفاجأة مضادة لوحي الإله زيوس في بابل، إذ أعلن كبير كهنة منف، في الصمت المطبق على الجميع، رفضه دفن الإسكندر في تلك المدينة قائلا: «لا تدفنوه هنا، ولكن في المدينة التي أسسها هو بنفسه، في ضاحية رافودة (بالقرب من احد موانئ الإسكندرية المعروف باسم ميناء رافودة القديم)، وذلك لأن المدينة التي ستبتلى بذلك (أي بدفن الإسكندر فيها) ستكون دائما عرضة لاضطرابات وتهزها المعارك والحروب.
ويضيف المؤلف انه بعد ذلك مباشرة، قاد بطليموس الموكب الى الإسكندرية، وأنشأ قبراً في المعبد الرئيسي الذي كان يسمى «سوما الإسكندر» وهناك تم قبر الجثمان اي الرفات الخاصة بالملك الإسكندر.

أين رفات الإسكندر؟
لكن يبقى السؤال: أين هو المكان، الذي وضعت فيه تلك الرفات، الآن؟
تقص علينا دوائر المعارف المختلفة تقريبا نفس الرواية وهي انه في وقت لاحق وضع بطليموس جسد الإسكندر في ضريح شعبي في المدينة، وكان ذلك سنة 323 قبل الميلاد، وبعد فترة وجيزة من وفاة كليوباتره، وقد زار اوغسطس قيصر مثوى الإسكندر ويقال انه وضع عليه الزهور، غير انه بحلول القرن الرابع الميلادي لم يكن احد يدري اين هو، وإن كان بعض المؤرخين مثل ابن عبد الحكم المسعودي، وليون الإفريقي ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، قد قالا بأنهما رأيا قبر الإسكندر، وهناك روايات اخرى قديمة تشير الى انه مدفون في سرداب تحت كنيسة مسيحية قديمة.
في كل الأحوار، يبقى الإسكندر ومقبرته أحد أكبر الألغاز التاريخية التي ينتظر العالم أجمع اكتشافها، لأنها وفق المتوقع، ستكون بفخامة وضخامة واحد من اشهر زعماء التاريخ وإمبراطور لم يهزم في اي معركة خاضها طوال حياته، وربما ستكون المقبرة قد زودت بسيرة خالصة لحياة ومغامرات الإسكندر أو بوصايا جديدة للذين سيفتحون مقبرته.

أين يرقد الإسكندر؟
تذكر الرواية أن الآلهة أصدرت أهلها بدفن جثمان الإسكندر في مدينة منف، ومدينة منف او ممفيس تأسست عام 3200 قبل الميلاد، وكانت تسود فيها عبادة الإله نارمر، وهي تقع الآن محل قرية ميت رهينة، في مدينة تسمى البدرشين، بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة.
وكانت منف معروفة باسم «الجدار الأبيض» حتى القرن السادس والعشرين قبل الميلاد إلى أن أطلق عليها المصريون اسم «من نفر»، وهو الاسم الذي حرفه الإغريق فصار «ممفيس» ثم أطلق عليه العرب اسم منف.
وأثناء سير موكب الدفن إلى منف، فاجأ كاهنها الجميع برفضه أن يدفن الجثمان فيها، وقال إنه ينبغي أن يدفن في مدينته التي أسسها «الإسكندرية»... وما يزال المكان الذي يرقد فيه الجثمان لغزاً ينتظر الحل.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©