السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السامقات

السامقات
2 أغسطس 2018 02:39

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعتبر تجربة الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي «فتاة العرب» التجربة الشعرية النسائية الأهم في دولة الإمارات العربية المتحدة من بعد الشاعرة بنت الماجدي بن ظاهر (توفيت في النصف الأول من القرن الثامن عشر)، حيث شكلت قصائدها ظاهرة فريدة في ساحة الشعر النبطي على مدى مرحلتين مهمتين في تاريخ الإمارات، الأولى هي مرحلة ما قبل الاتحاد، والثانية ما بعد الاتحاد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إن الحديث عن الشاعرة «فتاة العرب» التي كانت تعرف قبل هذا اللقب باسم «فتاة الخليج»، يستدعي الحديث عن التجارب الشعرية في دولة الإمارات في المرحلتين، دون النظر إلى مسألة المقارنة بين الشعر النسوي أو الذكوري، إذ إن تجربة الشاعرة عوشة تجاوزت تجارب شعرية ذكورية كثيرة في الساحة. وكان لموهبتها الشعرية واشتغالها على إثراء هذه التجربة وصقلها بالقراءة والاطلاع، وتساجلها مع كبار شعراء عصرها، دور كبير في تبوئها هذه المكانة الرفيعة في المجتمع الإماراتي على وجه الخصوص، والخليجي بشكل عام.
تناقل الرواة قصائد الشاعرة عوشة بنت خليفة منذ السنوات الأولى التي بدأت فيها تنظم الشعر، وهي ظاهرة قلما تحدث لشاعر من الشعراء في تلك السنوات «نتحدث هنا عن النصف الأول من القرن الماضي»، ووجدتُ منذ سنوات لدى أحد الرواة من أهل البادية، قصيدة حفظها في سنوات شبابه ويجهل قائلها، وبعد بحثي عن صاحب تلك القصيدة، تبين أنها للشاعرة «فتاة العرب»، وهو الأمر الذي يدلل على أن قصائدها انتشرت شفاهياً مثلما انتشرت قصائد كبار الشعراء على ألسنة الرواة التي لا تحتفي ذاكرتها إلا بما كان يستحق أن يُحفظ من أشعار.
وعلى مدى العقود التي امتدت فيها تجربة الشاعرة «فتاة العرب»، وتركت لنا فيها إرثاً شعرياً غزيراً ومهماً، لا يمكننا ونحن نتحدث عن هذه التجربة، ألا نتوقف عند جانب مهم فيها، وهو مساجلاتها الشعرية التي تبرز جانباً مهماً من مكانة الشاعر وشخصيته وقوته الشعرية. وهو الأمر الذي كان متجلياً بقوة في قصائد شاعرتنا التي حظيت بإشادة مهمة وكبيرة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ذي التجربة الشعرية المؤثرة في دولة الإمارات.
إن أهم تجربتين شعريتين للشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي في فن المساجلات الشعرية، كانت مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المساجلات مع زايد
دارت بين الشيخ زايد بن سلطان والشاعرة عوشة، مساجلتان شعريتان، بدأت الأولى بمجاراة الشاعرة عوشة بنت خليفة لقصيدة الشيخ زايد التي يقول في مطلعها:
آه يا من صــــــــــــوّب وحـــانِ
صوب ما تتيبّر كسوره
روف بي يا ريم لَاوطانِ
لك مسلّم ما لِيَه دوره
لي شخوصك ما لها ثاني
وقدّك المبروم وخصوره

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقالت الشاعرة عوشة في مطلع مجاراتها:
يا محب الخير لاِنساني
والرئيس اللي برز دوره
المفدَّى زايد الثاني
بوخليفة ماجد عْصوره
مسندي ذخري وسلطاني
لي علينا طالت شْبوره

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أما المساجلة الشعرية الثانية، فجارى فيها الشيخ زايد بن سلطان قصيدة الشاعرة عوشة التي مطلعها:
حدّ مثلي بات مشجنّه
حلم طيفٍ مرّ خطّافي
واغتنم من وجدي الونّه
يوم كلٍّ بالكرى غافي
جرح في جاشي مخفنّه
والخوافي ضربهن خافي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وجارى الشيخ زايد قصيدتها بقصيدته التي مطلعها:
يا ركن عود الهوى وفنّه
شاقني جيلك بالاوصافِ
طيف رويا لي مشجنّه
شَطّ بك والحقك لَاتلافِ
يعــل وِدّك منــــــــّك ومنّـــــــــــه
بالتجاوب بينكم وافي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وردت الشاعرة عوشة على مجاراة الشيخ زايد لقصيدتها بقصيدة مطلعها:
يا رباحةْ من حسن ظنّه
فيك ياللي منكم اشتافِ
مِ النَّصَف والضفّ والمِنّه
والعفو يا ذخري الضافي
جِيد والمعنَى مْحَلِّنَّ
بلْسمه لي روحي يشافي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويتجلى لنا في المساجلتين الشعريتين السابقتين، التقدير والاعتزاز الذي يكنّه الشيخ زايد بن سلطان للشاعرة عوشة وتجربتها الشعرية، كما نجد أن ردود الشاعرة عوشة على قصائد الشيخ زايد جاءت محملة بالامتنان والتبجيل للشيخ زايد، إذ تقول في مساجلتها الثانية معه:
الهوى حمّلْتني سِنّه
وانْت راس الفن يا سنافي
تاخذه والحقّ معْطنّه
يوم غيرك معْطِيِ الجافي
برْفَعه والنفْس مطمنّه
لا تضيع حقوق الاَشرافِ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفي أبيات المجاراة الأولى التي جارت فيها عوشة قصيدة الشيخ زايد، نجدها تصفه بالإنسانية والكرم، موضحة مكانته الدولية كزعيم عربي، ومشيرة أيضاً إلى مكانته الشخصية عندها، فهو سندها وذخرها وقائد وطنها وسيدها. ثم نجدها تشير إلى لقب «زايد الثاني» في التفاتة مهمة وغير مباشرة إلى جده زايد الأول الذي حكم إمارة أبوظبي من «1855-1909» وحظي بمكانة كبيرة ورفيعة في المنطقة في أثناء فترة حكمه.
أما في ردها الثاني على مجاراة الشيخ زايد لقصيدتها، فنجدها تعدد أيضاً صفاته ومناقبه وخصاله النادرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المساجلات مع محمد بن راشد
تعتبر المساجلات الشعرية التي دارت بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الشعر النبطي، ليس في الإمارات فحسب، بل في منطقة الخليج العربي، ولا نجد كذلك في تاريخ الشعر العربي الفصيح، مثل هذه المساجلات الشعرية الممتدة بين شاعر وشاعرة.
لقد تجاوز عدد المساجلات الشعرية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والشاعرة عوشة، الأربعين مساجلة، واشتملت هذه المساجلات على أكثر من ثمانين قصيدة، كان لها أثر كبير في إثراء ساحة الشعر النبطي في دولة الإمارات، بل إنها ساهمت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات في إعادة الوهج إلى هذا الفن الشعري الأصيل. وهو فن المساجلات الشعرية.
وبحسب ما تؤرخه الصحف المحلية، تعود أقدم المساجلات الشعرية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والشاعرة عوشة إلى النصف الأول من عقد الثمانينيات، واستمرت بينهما إلى منتصف عقد التسعينيات، وحظيت بشهرة كبيرة وانتشار واسع في الساحة الشعرية، وتغنى بعدد منها فنانون من داخل الإمارات وخارجها.
وإنه مما يجدر التوقف عنده في هذه التجربة الشعرية الكبيرة بين هاتين القامتين الشعريتين، هو التجديد الذي أحدثتهما قصائدهما في القصيدة النبطية الإماراتية، وهو تجديد ينطلق في أفق فضاءين، الأول هو فضاء الصورة الشعرية، والثاني هو فضاء المفردة المحلية.
على صعيد الصورة الشعرية، اتجهت قصائد الشاعرين إلى المزج بين التجديد والابتكار في بناء الصورة الشعرية دون الانسلاخ من الهوية المحلية وعناصر بيئتها، ودون التخلي عن أصالة المفردة.
ولننظر إلى قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التي يقول في مطلعها:
شوف تأثيرك من الجرح الوثيج
احتباس الدم في وسط العروق
في هذا المطلع نجد خروجاً عن الصورة النمطية المعتادة للقصيدة النبطية التقليدية، حيث يدخل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في مخاطبة المحبوب مباشرة، بشطرين يبدوان متصلين منفصلين في الوقت نفسه. وبدلالات سيميائية مكثفة تتصل بالحالة النفسية للشاعر: «تأثير، الجرح الوثيج، احتباس الدم، وسط العروق». ثم يأتي الرد من الشاعرة «فتاة العرب» بقصيدة تقول في مطلعها:
بارد النسناس بالنفح الأريج
ياب دهن العود بالمسك العبوق
إن هذا المطلع مملوء بدلالات سيميائية مرتبطة بعلامة الروائح بشكل قوي «النفح، الأريج، دهن العود، المسك العبوق»، ما يذهب بنا إلى تذكر تأثير العطور والروائح على النفس البشرية، حتى وإنْ كان الوصف في هذا المطلع متصلاً بذات الشاعرة وإحساسها عند قراءتها القصيدة، إلا أن هذا الشعور الذي حدث عندها، سيصل تأثيره إلى صاحب القصيدة الأولى وإلى القارئ أو المستمع الذي سيتلقى الرد حين قراءتها أو سماعها. فهي إذاً محملة بدلالات حسية ذات تأثير مهم على النفس.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لنتأمل أيضاً قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التي يقول فيها:
تضحك ومن هجرك فوادي مكدّر
وتداري احزاني بضحكه كذوبه
يذهب بنا هذا المطلع إلى دلالات سيميائية ترتبط بالحالة النفسية التي يعيشها الطرفان في المطلع «نقصد هنا الشاعر والمحبوبة»: من «ضحك وشعور بالهجر والكدر والحزن والكذب!». ونجد أن دلالة هذه العلامات ترتبط في جانب منها بالشعور الذاتي الداخلي، وفي جانب منها بالشكل الخارجي، أي أنها تحمل دلالات بصرية. كما أن الشاعر ساغ المطلع ذاته موظفاً فن المقابلة بين المفردات، دون الدخول في الشكل التقليدي المعتاد لمطالع القصائد النبطية. ثم يأتي الرد من الشاعر عوشة على القصيدة السابقة بقصيدة مطلعها:
يا اهلا عدد ما بر مِ الشرق واسفر
فجرٍ وما زال الشفق في غروبه
وتتجلى سيميائية هذا المطلع في ثيمة مختلفة، هي ثيمة النور والإضاءة واللون «برّ، أسفر، فجر، الشفق، غروبه». وهي دلالات بصرية ذات تأثير كبير على نفس المتلقي ومشاعره.
وهكذا نجد أن كل مطلع من مطالع المساجلتين الماضيتين اعتمد فيهما الشاعران على ثيمة خاصة ومؤثرة، بعيداً عن التكرار والتقليدية.
أما على صعيد المفردة الشعرية، فنجد أن المساجلات الشعرية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والشاعرة عوشة مزجت بين المحافظة على أصالة المفردة الشعرية المحلية، وتوظيف مفردات تنتمي إلى قاموس اللغة الفصحى، وأخرى إلى عناصر ترتبط بالحضارة في عصرنا الحديث، كل ذلك بشكل سلس ومستحسن، دون مغالاة أو حشو. بل إن المستمع إلى أبيات هذه القصائد بالمفردات التي تم توظيفها، لا يجد فيها إقحاماً لمفردات مستهجنة أو غريبة. كما لا يجد فيها انفصالاً عن الهوية المحلية.
ولننظر إلى المساجلة الشعرية التي بدأتها الشاعرة عوشة في قصيدتها التي أرسلتها إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ومطلعها:
محبي هكذا رمز التحيّه
تعبّرها النفوس الأرْيِحِيَّه
حيث نجد أن كلمة «الأريِحيّة» لا تنتمي إلى مفردات اللهجة المحلية بقدر انتمائها إلى مفردات اللغة الفصحى. وهنا انعكاس واضح للثقافة التي يمتلكها الشاعران في لغة التخاطب الأدبي بينهما.
وفي مطلع ردها الثاني على رد صاحب السمو الشيخ محمد في المساجلة نفسها، نجد الشاعرة عوشة توظف أيضاً مفردة تنتمي إلى عناصر التواصل الحديثة، حيث قالت:
هلا بالجيل لي ياني هديّه
موجّه في الخطوط الأسْلِكِيَّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كما نجد في مطلع قصيدتين أرسلهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى الشاعرة عوشة، نماذج على مثل هذا التحديث في توظيف مثل هذه المفردات التي تعكس أيضاً ثقافة الشاعر. يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في مطلع قصيدته الأولى:
الليل يا بيت العنا والعجايب
كم فيك من جد وهموم ومواويل
وتبرز لنا عبارة «بيت العنا والعجايب» في سبك شعري جميل ذي ظلال كثيرة في المعاني والدلالات.
وفي مطلع القصيدة الثانية التي أرسلها سموه إلى الشاعرة «فتاة العرب» يقول:
اسمعت في الهاتف ولا ريت
صوتٍ يصحّي عوق واسقام
ونجد فيها توظيفاً مهماً لمفردة «الهاتف» التي ارتكزت عليها الصورة الشعرية وتداعيتها في نفس الشاعر في البيت كاملاً، وفي بقية أبيات القصيدة.
إن تجربة المساجلات الشعرية التي دارت بين هاتين القامتين الكبيرتين في دولة الإمارات، تركت أثراً بالغاً في مسيرة الشعر النبطي في دولة الإمارات، وفي ساحتها الشعرية أيضاً، كما وصلت أصداؤها وتأثيراتها إلى خارج حدود دولة الإمارات. وساهمت أيضاً في دخول الأغنية الإماراتية بشكل خاص، والعربية بشكل عام، إلى آفاق جديدة من حيث الموضوع والفكرة. ونجحت القصائد التي تم غناؤها من هذه المساجلات نجاحاً كبيراً، بأصوات إماراتية وأخرى غير إماراتية، نذكر منها من قصائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «يا داعج العينين والحيات مقرونه» و«أنا بالعين خصّيته»، و«يا حلاة اللي نظرته يا حلا» و«إنته لو تبغي على وعدك وفيت»، و«تضحك ومن هجرك فوادي مكدّر» و«الليل يا بيت العنا والعجايب». كما نذكر من قصائد المساجلات الخاصة بالشاعرة «فتاة العرب»، والتي حظيت بانتشار كبير عند غنائها: «هب شرتا لافحٍ ترسا»، و«أنا احمد الله لي الحمد سبحان».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©