منذ أكثر من ستين عاماً، والشعب العربي في فلسطين يواجه عدواناً سافراً، ساهراً على التدمير والتوسع، جغرافياً وديموغرافياً. والمثل يقول “من أمرك.. قال من نهاك”.. فإسرائيل التي تتمتع بأكبر قوة عسكرية في المنطقة لا تجد من يردعها، بل إن الذين يدعون مواجهتها، إنما هم يقومون بتأليبها ضد الشعب الأعزل في غزة، فالصواريخ التي تنطلق في الفضاء الرحب كالطائرات الورقية، ثم تقف على أرض يباب، ومن دون أن تضرب أي هدف، هذه الصواريخ تعود بالشر المستطير على الشعب الفلسطيني عندما تغير الطائرات الإسرائيلية على المنازل والمنشآت فتحطم وتهشم، وتحسم أمرها، وتعود أدراجها من دون أن يصيبها أي مكروه، هذا يعني أن صواريخ حماس مصممة فقط للأعراس الثورية، ولإثارة الأدخنة في الأجواء الإسرائيلية، ومن دون نتائج تذكر. فعندما يكون الصراع بين قوتين غير متكافئتين، فلابد أن تعرف أن هناك خللاً في أحد الطرفين، وهو الأضعف، والخلل الذي تعانيه المقاومة الفلسطينية هو هذا الاتكاء على اللون الحاد.. والحاد جداً، وعدم الاعتراف بالآخر، وعدم القدرة على صناعة القاسم المشترك بين أبناء الدم الواحد، ما يجعل المهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة. فـ”حماس” عندما قرر محمود عباس الذهاب إلى غزة لعقد ما يشبه التصالح، أطلقت صواريخها الفضائية، ما جعل إسرائيل ترد بعنف، والأمر الآخر الذي أرغم عباس على إلغاء الزيارة، لأنه اعتبر هذه الصواريخ موجهة إلى رام الله، كونها تستفز إسرائيل الذي يحاول هو الاقتراب من الحل معها سياسياً وليس عسكرياً. قد يخطئ عباس وقد يصيب، لا يهم، المهم أن تضع حماس الاقتراب من جماعة عباس المهمة الأعظم التي يجب إنجازها، لأنه ما من تحرير للشعب الفلسطيني من عدوان إسرائيل قبل تحريره من سطوة لعبة الكراسي، ما يجلبه التعنت والتزمت وحب الذات.
فلسطين اليوم بحاجة إلى تصالح أهلها قبل التحرك باتجاه التحرير، فالعالم لايحترم الضعفاء، ولا يلتفت إلى صرخات التهويل التي لا تحل ولا تربط.. فليظل الاختلاف وتنوع الألوان بين جميع الفصائل، ولكن يجب ألا يطغى على القضية الجوهرية، فلابد من تنازل ولابد من تعقل يشمل الأشقاء، وجميعهم يعرف أن القاسم المشترك واحد، ولكن دوي الصواريخ البائسة التي لا ترهب عدواً، ولا تفيد شقيقاً، هو هذا الذي يذر الغبار في العيون، فلايدع فرصة لرؤية الحقيقة.
ستون عاماً جديرة بأن تنضج العقل الفلسطيني، وتضعه أمام مسؤولياته التاريخية، لحماية العزل، ومن تهدم بيوتهم يومياً، وأسطورة “العيار اللي ما يصيب يدوش” لم تعد ذات قيمة في عالم لايؤمن إلا بمنطق القوة والتأثير المادي.



marafea@emi.ae