لم تكن الصحافية والناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان بين من برزت أسماؤهم في الإعلام باعتبارهم مرشحين رئيسيين لنيل جائزة نوبل للسلام قبل إعلانها. كان بين هؤلاء المرشحين وجوه أخرى لما يسمى "الربيع العربي" في مصر وتونس. لكن الجائزة المرموقة ذهبت إلى كرمان لتكون المرأة العربية الأولى التي تحصل عليها. لذلك أثار اختيارها، ولا يزال، جدلاً في كثير من الأوساط العربية التي تنظر إلى هذا النوع من الجوائز الدولية بعين الشك أحياناً. غير أن هذا الاختيار جاء موفقاً ومنصفاً. فقد ذهبت الجائزة إلى إحدى أكثر من يستحقونها بين وجوه "الربيع العربي" لأسباب عدة. أول تلك الأسباب أن توكل سبقت معظم شباب "الربيع العربي" إلى حمل راية النضال السلمي من أجل التغيير في اليمن. وقد بدأت هذا المسار منذ عام 2006 عبر النشاط السياسي الحزبي باعتبارها عضواً في اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للإصلاح ومن خلال عملها صحافية، بينما ارتبط ظهور أبرز وجوه "الربيع العربي" في مصر بالدعوة إلى الإضراب عام 2008 ثم تأسيس حركة 6 أبريل والاستفادة من ثورة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر "الإنترنت" في توسيع نطاق الاحتجاج السلمي. وامتد نشاطها إلى الفن أيضاً عبر السينما التسجيلية حيث أخرجت أفلاما أبرزت فيها الفساد المنتشر والفقر المتزايد والحقوق المهدرة، مثل فيلم "تهريب الأطفال"، وفيلم "دعوة للحياة" الذي عالج ظاهرة الانتحار في اليمن، وفيلم "المشاركة السياسية" الذي ركز على أهمية دور المرأة. أما نشاطها في الشارع فكان واسعاً ومتنوعاً منذ عام 2006 أيضاً. فقد قادت احتجاجات شتى للدفاع عن حرية الصحافة والصحافيين ورفض المحاكمات الاستثنائية والاعتراض على تعطيل بعض المطبوعات والمطالبة بحرية إصدار الصحف، وإعادة الخدمات الإخبارية للهاتف المحمول عندما قررت الحكومة منعها. وقادت نحو 80 اعتصاماً في العامين الأخيرين للتعبير عن هذه المطالب. وشاركت في تأسيس منظمة "صحافيات بدون قيود". كما أنها ناشطة في عدد من المنظمات والحركات المحلية والدولية العاملة في مجالات حرية التعبير ومكافحة الفساد وحوار الأديان. وبسب نشاطها في إطار منظمات ذات طابع دولي، أصبح اسمها معروفاً في الأوساط العالمية المعنية بقضايا المنطقة العربية. وهذا سبب ثانٍ ربما كان له أثره في ترجيح كفة توكل عندما أراد مانحو نوبل للسلام اختيار وجه من وجوه " الربيع العربي" هذا العام. فليست المرة الأولى التي تحصل فيها على تكريم عالمي. فقد اختارتها مجلة "تايم" الأميركية ضمن النساء الأكثر ثورية في التاريخ. وجاءت في المرتبة الثالثة عشرة في قائمة الشخصيات المائة الأكثر تأثيراً في العالم حسب اختيار قراء هذه المجلة. كما اعتبرتها منظمة "مراسلون بلا حدود" واحدة من سبع نساء يقمن بأدوار بارزة في قيادة التغيير في بلادهن. غير أن السبب الذي قد يكون هو الأكثر أهمية يتعلق بدور بارز تقوم به امرأة في مجتمع تقليدي لا يزال حضور نسائه في العمل العام محدوداً للغاية، فضلاً عن كونها تنتمي إلى تيار إسلامي لأن حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تشغل عضوية لجنته المركزية قريب إلى جماعة "الإخوان المسلمين" ويضم أعضاء منها ومن جماعات سلفية وأخرى عشائرية. وهذا ما يجعل لاختيارها دلالة خاصة جداً. فأن تقوم مصريات وتونسيات مثل إسراء عبد الفتاح وأسماء محفوظ ولينا بن مهني بأدوار مهمة في قيادة حركات الاحتجاج والمطالبة بالتغيير، فهذا أمر طبيعي في بلدين حدث فيهما تغير اجتماعي كبير منذ القرن التاسع وصار حضور المرأة في الحقل العام أحد معالم الحياة الاجتماعية والسياسية فيهما. لكن الوضع يختلف في اليمن حيث تشق المرأة طريقها إلى الحياة العامة بصعوبة في أجواء شديدة المحافظة، وخصوصاً في الريف حيث نشأت توكل بإحدى قرى محافظة تعز قبل أن تنتقل إلى صنعاء وتتخرج من جامعة العلوم والتكنولوجيا عام 1999 وتنطلق لأداء دور وطني عام. وقد فعلت هذا كله وهي زوجة تقوم على شؤون أسرتها وأم لثلاثة أبناء ترعاهم. كما أن انتماءها إلى حزب ذي توجهات إسلامية، وهي التي وضعت قضية دور المرأة في مقدمة اهتماماتها، قد يكون مؤشراً إلى أن الإسلاميين ليسوا كتلة صماَّء أو موحدة، وربما يساهم في تقليل مخاوف من يخشون أن تقع بلاد "الربيع العربي" في قبضة قوى متطرفة. وتمثل توكل تياراً معتدلاً داخل حزب التجمع اليمني للإصلاح. وهي تختلف في هذا أيضاً عن شابات "الربيع العربي" اللاتي يندر بينهن من تنتمي إلى تيار سياسي. كما أنه ليس بينهن إسلاميات. فهن في الأغلب الأعم يحملن "أحلاما" عامة في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. وإلى هذا كله، تعتبر توكل اليمنية الوحيدة التي ساهمت في إطلاق الاحتجاجات في بلادها بعد أن حدث التغيير في تونس. فقد شاركت عدداً من الشباب في الدعوة إلى التظاهر وتنظيم مسيرات منذ منتصف يناير الماضي، مما أدى إلى اعتقالها في 23 من الشهر نفسه قبل يومين على بدء الاحتجاجات في مصر. لكن الاحتجاج الذي حدث في الداخل للمطالبة بالإفراج عنها ورد الفعل الدولي السريع عجلا بإطلاقها لتواصل الدعوة إلى انتفاضة التغيير التي بدأت فعلا في 11 فبراير الماضي ولا تزال مستمرة في ظل حالة من عدم اليقين بشأن مستقبلها. وقد يكون هذا سبباً رابعاً وراء اختيار توكل لمنحها الجائزة. فربما وجدت لجنة نوبل أن منحها الجائزة يمثل رسالة دعم وتشجيع للمطالبين بالتغيير في اليمن. وقد عرفت كرمان نبأ حصولها على الجائزة وهي في ساحة التغيير حيث الموقع الرمزي للانتفاضة، وحيث تقيم منذ أسابيع بين المعتصمين الذين يحلمون بيمن جديد. لذلك يبدو منح الجائزة إلى كرمان تكريما للمرأة العربية ولشباب "الربيع العربي"، سواء الذين كانوا مرشحين معها أو من لم ينالوا الشهرة التي تجعل أسماءهم معروفة أو مشهورة. لكن المهم في النهاية، وبعد هذا كله، أن يكون هذا ربيعاً بحق وأن تنتقل بلاده إلى وضع أفضل بأقل مقدار من الخسائر التي تزداد فيها يوماً بعد يوم.