حرب المياه هي الحرب الكبرى التي ستهيمن على العالم في المستقبل، فالماء هو أهم موارد الحياة الطبيعية في الأرض، وبدون المياه ليس لكوكب الأرض ميزةٌ عن بقية الكواكب التي تملأ الكون الفسيح، فلا حياة بدون ماء، وحرب المياه هي حرب وجود وعدم، الخيارات فيها هي أكون أو لا أكون.
الصراع الدائر في الجنوب الشرقي لأفريقيا والممتد لشمالها في مصر، مروراً بالسودان، حول «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا هو صراعٌ حقيقيٌ قد يؤدي إلى اضطرابات ستكون لها تبعاتٌ على المنطقة والعالم، وبغض النظر عن كل الصراعات التي شهدتها منطقة القرن الأفريقي وأفريقيا، فإن الصراع على مياه النيل وحقوق دول حوض النيل هو صراع سيفوق كل ما سبق وستمتد آثاره طويلاً في المستقبل.
تمّ الإعلان قبل أيامٍ قليلةٍ عن توقيع اتفاقية استخباراتية عسكرية بين مصر وأوغندا، وهي خطوةٌ عمليةٌ في التحضير للأسوأ في ظل الفشل السياسي والدبلوماسي لإيجاد حلولٍ عادلة ومقنعة تضمن الحقوق المشروعة وفق القوانين الدولية لدولتي المصب في السودان ومصر، والعاقل يأمل بالأفضل ويستعد للأسوأ.
التأييد العربي لمصر والسودان قويٌ والجميع لا يرغب في أي تصعيد للصراع، بل اللجوء إلى المفاوضات والمباحثات والتفتيش الصادق عن حلولٍ دبلوماسية وسياسية تنهي الأزمة وتضمن حقوق جميع الأطراف، وقد جاء في بيان الخارجية الإماراتية ما نصه: «أكدت دولة الإمارات على اهتمامها البالغ وحرصها الشديد على استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث»، وعبرت السعودية والكويت والأردن وتونس وغيرها عن ذات الموقف.
الذاكرة العربية تكتنز تجربة العراق وسوريا وحقوقهما في مياه نهري دجلة والفرات التي تعرضت لاعتداءات من دولة المنبع تركيا، وهي تجربة سلبية وقصةٌ نموذجية للفشل السياسي في إدارة ملفات الصراع الإقليمي وتحديداً في ملفّ المياه، وتبعات ذلك الفشل حاضرةٌ بقوةٍ في حاضر البلدين ومستقبلهما.
ما تقوله تلك التجربة هو أن تبعات أي حرب خشنة قد تضطر لها مصر والسودان-مهما كانت مكلفة- ستكون أقل تكلفة من السكوت عن انتهاك حقوقهما الشرعية في مياه النيل.
هل تسعى إثيوبيا لمعاداة السودان ومصر وبالتالي الدول العربية؟ التصريحات الإثيوبية لا تقول هذا، ولكن من المهم تفهم بعض الدوافع التي تجبر إثيوبيا على التمسك بقوةٍ بموقفها، ومن أهمها أن الخلافات الداخلية في إثيوبيا تشكل ضغوطاً هائلة على صانع القرار هناك، وهي خلافات تصل أحياناً لحربٍ أهليةٍ واضطراباتٍ تقودها تناقضات في المكونات الاجتماعية والدينية والقبلية، وهو أمرٌ مفهومٌ ويمكن تقديم مساعداتٍ عربيةٍ لإثيوبيا لتجاوز تلك الاختلافات وترسيخ السلم الأهلي ودعم التنمية في إثيوبيا.
ومع تفهم هذا الدافع وغيره، إلا أنه لا يمكن أن يكون مبرراً لتصدير المشكلات للخارج والاعتداء على حقوق الدول والشعوب، وتصدير المشكلات للخارج هو أحد أكثر السياسات فشلاً، وهي لا تأتي إلا بمزيد من المشكلات الحقيقية للدول التي تتبناها، واعتماد هذه السياسة في هذا الصراع له تبعات قد لا تستطيع إثيوبيا مواجهتها، وبخاصة إذا اتجهت الأمور لسياساتٍ خشنةٍ لا يتمناها أحدٌ، والحقوق السودانية المصرية في مياه النيل هي حقوق تاريخية وقانونية وإنسانية أبدت غالبية دول العالم، ومنها أميركا في عهد الإدارة السابقة، تفهمها لها وللمواقف والسياسات التي تعتمدها مصر والسودان في المحافظة عليها وحمايتها.
أخيراً، فالحكمة ضالة يفتش عنها العقلاء، والسلم خيرٌ من الحرب، والمتنبي يقول: 
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا/ مضرٌ، كوضع السيف في موضع الندى


* كاتب سعودي