د. رضوان السيد*
 
العلاّمة ابن بيه يمضي بالقوة الاقتراحية التي امتلكها بالتوصيف والتشخيص إلى مقاربةٍ أخلاقيةٍ كبرى هي: حلف الفضول أو الفضائل
----------------------------
يُقْدم الجميع على التفكير في الفعل والترك بعد أن تُزيل اللقاحات وباء كورونا أو تخفّف من فتكاته. ويتجه التفكير المتبصر باتجاهين: إعادة تنشيط الاقتصاد وقطاعات الأعمال وبخاصةٍ في المؤسسات الخاصة والجهات الحرة لاستعادة فُرَص العمل، واستعادة الإنتاجية والنمو.. والاتجاه الآخر: الاهتمام بالقطاعات الصحية والتعليمية، وقد كانت (خاصة القطاع الصحي) الأكثر تأثراً وخسائر. وهذان التوجهان بالذات يستدعيان إنفاقاً كثيفاً وإدارات رشيقة وعالية الكفاءة. وفي معظم دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، فإنّ الأمرين غير متوافرين. ومن هنا تأتي ضرورات الإصلاح الداخلي للتأهل للقيام بهذه المهمات المصيرية لكل دولة، ومن جهةٍ أُخرى: التعاوُن الدولي الضروري بحيث يساعد القادرون غير القادرين لجهات إعادة بناء أو تقوية قطاعات الصحة والتعليم ومجالات الإصلاح. إنها قطاعاتٌ منتجة، لكنْ في الأمدين المتوسط والبعيد، وهي تتطلب استثمارات كثيفة الآن وليس غداً، ولا تتوافر هذه الاستثمارات إلاّ بالتعاون الدولي، وبعمل المؤسسات الدولية التي تسيطر فيها الدول الكبرى القادرة ذاتها.
المؤتمر السابع لمنتدى تعزيز السلم بدولة الإمارات العربية، فكّر في هذا الأمر بالذات، وإنما من وجهة نظر دينية وإنسانية. فعنوان المؤتمر: «القيم في عالم ما بعد كورونا، التضامن وروح رُكّاب السفينة». يستنهض العلاّمة عبد الله بن بيّه رئيس منتدى تعزيز السلم في الكلمة التأطيرية للمؤتمر، كما في العهد الذي أصدره عام 2019 بعنوان «ميثاق حلف الفضول الجديد»، قيَّمَ واعتبارات الأخوة والعدالة والتضامن والتراحم في الديانات الإبراهيمية، والتي يريد لها أن تشترك بفعاليةٍ انطلاقاً من هذه القيم، وعملاً عليها في الخروج من روح المغالبة والصراع باتجاه صنع سلام العالم. 
العلاّمة ابن بيه لا يكتفي بتشخيص الأوضاع التي خلّفها الوباء القاتل، وخلّفتْها الحداثة والعولمة والنزعات النفعية الأداتية، بل يمضي من وصف الواقع إلى التشبيه التأويلي الذي ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح المعروف بحديث السفينة: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَنْ فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقْنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَنْ فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً». فالناس في عالم اليوم، في ترابط مصالحهم ومصائرهم، مثل رُكاّب السفينة الواحدة، إذا تضرر فريقٌ منهم تضرروا جميعاً. أما إذا استفاد فريقٌ واحدٌ مستأثراً فإنّ الآخرين يتضررون. فيحدث الاضطراب أو يستمر. لذلك لا بد من الوعي بالمسؤولية المشتركة شأن ركاّب السفينة المهدَّدين بالغرق، إن لم يعملوا معاً متضامنين في السراء والضراء على إنقاذ أنفسهم وعالم سفينتهم فسيهلكون جميعاً. 
العلاّمة ابن بيه بعد التوصيف والتشخيص وإثبات ضرورات التضامن بروح المسؤولية المشتركة، يمضي بالقوة الاقتراحية التي امتلكها بالتوصيف والتشخيص إلى مقاربةٍ أخلاقيةٍ كبرى هي: حلف الفضول أو الفضائل. وهو مبادرةٌ من شبان مكة قبل الإسلام لحماية الضعيف والغريب وزائر «أُمّ القرى»، وتأمين حقوق وواجبات الضيافة والجوار. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حضر هذا الحلف الأول في شبابه، يتذكره ويُقرُّهُ ويريد أن يكون روح التضامن الذي ظهر فيه، سائداً في العلاقات بين المسلمين ومع العالم. فحلف الفضول الجديد، مثل القديم، يستصرخ أولي البقية في عالم اليوم، ممن يريدون إحقاق السلام، أن يبادروا إلى إقامة حلف القيم والفضائل والمسؤوليات المشتركة لمواجهة المشكلات المتفاقمة، وصنع مستقبلٍ للتعاون ومكارم الأخلاق والسلام.

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية