إذا كان أحد تعريفات العولمة هو أنها تقليص للزمان والمكان، فيمكن القول، إن أزمة «كوفيد 19» هي التجسيد المثالي لذلك. فقد غيّرت الأزمة ملامح الكوكب بشكل كلي، فوضعت اليقينيات المسلّم بها بخصوص العولمة موضع شك في غضون أشهرٍ قليلة، وأوقفت بشكل مفاجئ عالماً كان حتى ذلك الحين في حركة دؤوبة، ووجّهت للاقتصاد العالمي ضربةً أشد وأقوى من الأزمة المالية الكبيرة لعام 2008. 
هذا الوباء باغتَ العالم بأسره، وإن كان البعض قد تنبأ بحدوثه من قبل. غير أن أي زعيم لم يتخذ الإجراءات الضرورية من أجل مواجهة هذه الأزمة الصحية، وذلك بدعوى أن سيناريوهات الأزمات التي تثيرها هذه الأخيرة مبالغ فيها. 
حالات الإصابة الأولى بوباء «كوفيد 19» ظهرت في ديسمبر 2019 في مدينة ووهان، في إقليم هوباي وسط الصين في البداية، وفي الثالث والعشرين من يناير 2020 فُرض الحجر الصحي على عشرات الملايين من الأشخاص في ووهان والمناطق المجاورة لها. 
في البداية، لم تستوعب الحكومات الغربية أن الخطر وشيك، معتبرة أن هذا النوع من الأوبئة لا يمكن أن يحدث إلا في آسيا أو أفريقيا. فاكتفت بمراقبة الوباء من بعيد، وسعت إلى طمأنة شعوبها بأن تفشي وباء من هذا القبيل على أراضيها لا يمكن أن يحدث. 
ونظراً لسهولة انتشار الفيروس ولمعدل القتل المرتفع نسبياً الذي يتسبب فيه، تعرضت قدرات المستشفيات لضغط شديد، بما في ذلك مستشفيات البلدان الغنية. فاتُّخذت تدابير صارمة جداً للحد من تفشي الوباء. وظهرت الحدود من جديد في حين أن العولمة بالنسبة للبعض كانت تعني اختفاءها. وفي الأثناء، كادت حركة المرور الجوي تتوقف. والحال أن عدد المسافرين الجويين، الذي كان يزداد باستمرار، كان قد انتقل من مليار في 1990 إلى 4.2 مليار في 2018. وفجأة انخفض العدد إلى الصفر تقريباً.
وبشكل تدريجي عُمّم الحجر الصحي في أوروبا أولاً، قبل أن يمتد إلى بقية العالم لاحقا. وفي الثاني من أبريل 2020، كان 4 مليارات شخص قيد الحجر الصحي في بيوتهم عبر العالم. وهكذا، توقفت معظم الأنشطة الاقتصادية، فأُغلقت المطاعم والحانات، وعُلّقت المنافسات الرياضية الوطنية والدولية أو أُجلت. وتوقف الكوكب برمته. 
أزمة «كوفيد 19» تكشف، إذن، تأثيراً آخر للعولمة: فلأول مرة، تقاسمت الإنسانية كلها الخوف نفسه. وفي ما يتعلق بالعواقب الاستراتيجية، جاءت هذه الأزمة لتشدّد نزعات كانت موجودة، ولكنها لم تخلق نزعات جديدة. 
وفي هذا السياق، أكدت الولايات المتحدة بزعامة دونالد ترامب مسارها أحادي الجانب، ومن أبرز تجلياته قرارها قطع مساهمتها المالية في ميزانية منظمة الصحة العالمية في ذروة الأزمة الوبائية. وإذا كان تدبير المنظمة الدولية لهذه الأزمة قابلا للانتقاد، فإن هجمات دونالد ترامب عليها كان يحرّكها في المقام الأول عداؤه لكل مؤسسة دولية. 
وفي غضون ذلك، أكدت الصين صعودها وتعاظم قوتها، مع أنها كانت أول بلد يعاني الجائحة. فبعدما تمكنت من السيطرة على الأزمة داخلياً، أنشأت الصين نظاماً كبيراً للمساعدات الصحية الدولية، مدعوماً بإخراج قوي موجّه للبلدان الأفريقية بشكل رئيسي، ولكن ليس بشكل حصري. هذا التواصل سمح للصين بتسجيل نقاط على الصعيد الدبلوماسي، إلا أنه كان يُنظر إليه أيضاً على أنه دعاية مبالغ فيها. بيد أنه خلافاً لما كان يتوقعه خصوم بكين في بداية الأزمة، لم تحُل هذه الأخيرة دون تنامي قوة الصين. 
وإلى ذلك، أبرز وباء «كوفيد 19» أزمة تعددية الأطراف والتعاون الدولي بشكل دراماتيكي، حيث ينخرط الصينيون والأميركيون في نزاع بدلاً من أن يتعاونوا في وقت يواجه فيه العالم الخطر، ومنظمة الصحة العالمية باتت موضع شك، وميل الجهد الفردي لكل بلد للحلول محل الجهد الجماعي، وضرورة إيجاد جواب جماعي للأزمة. والحال أن الوباء لا يعترف بحدود ولا بجنسية، ولهذا ينبغي أن يستدعي انتشاره السريع جواباً جماعياً.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس