لا يحتاج العمل لإنهاء الأزمة الليبية تعيين مبعوث أممي جديد سيكون السابع منذ عام 2011. لن يختلف الأمر في شيء عند تعيين هذا المبعوث. وليس متصوراً أن يفعل ما لم يستطعه ستة مبعوثين سبقوه، واستقال آخرهم (غسان سلامة) في مطلع مارس الماضي دون أن يعلن الأسباب التي دفعته إلى التخلي عن مهمته قبل انتهاء الفترة المحددة لها. لجأ سلامة إلى العُذر المعتاد في حالة عدم الرغبة في الإفصاح عن دوافع الاستقالة، وربما عدم القدرة على ذلك، وهو أنه استقال لأسباب صحية. وعلى مدى أكثر من أربعة أشهر، تعذَّر تعيين مبعوث جديد بسبب عدم اتفاق الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بعد أن طالبت الولايات المتحدة بتقسيم دور المبعوث الأممي ليقوم به اثنان يدير أحدهما بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ويتولى الثاني العمل من أجل حل أزمتها وتحقيق السلام فيها.. وكأن مشكلة المبعوثين السابقين تكمن في ضخامة المهام الملقاة على عاتقهم، وهم الذين أمضى كل منهم الوقت بلا عمل حقيقي يقوم به في غياب دعم ضروري من الأمانة العامة.
وهذا هو حال الدبلوماسية الأميركية وسفيرة بلادها سابقاً لدى ليبيا ستيفاني ويليامز، التي كلفها السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بتسيير أعمال البعثة الأممية التابعة للمنظمة الدولية حتى تعيين مبعوث جديد، دون أن يحدد هذه الأعمال التي تقوم بتسييرها. ولو أن هناك أعمالاً لا تتحمل الانتظار، ما كان سلامة استقال. فقد اعتاد السكرتير العام الحالي، وبعض سابقيه، أن يتركوا مبعوثيهم إلى مناطق الأزمات من دون دعم أو مساندة. وكأن لسان حال السكرتير العام يقول للمبعوث الأممي عند تعيينه: اذهب وحدك وافعل أي شيء تقدر عليه، فإنا ها هنا قاعدون.
لكن أي مبعوث أممي لا يستطيع أن يحقق تقدماً في حل أزمة مكلف بمعالجتها من دون دعم كاف من الأمانة العامة للأمم المتحدة. ولا يمكن أن يتوافر مثل هذا الدعم من دون رؤية واضحة لدى السكرتير العام. وفي غياب مثل هذه الرؤية، يستحيل وضع خطة يتحرك على أساسها، وفي ضوئها، المبعوث الأممي، ويحولها إلى برنامج عمل يتضمن خطوات يُفترض أن تقود إحداها إلى ما يليها.
وفي بعض الحالات، وربما في كثير منها، يتطلب وجود هذه الرؤية شجاعةً يتحلى بها السكرتير العام ومساعدوه في أمانة الأمم المتحدة، لكي يتمكن من مصارحة دول كبرى بضرورة مراجعة مواقفها حين يجد أنها تعوق حل الأزمة، أو لا تساعد في إحراز تقدم باتجاه مثل هذا الحل.
ولا يخفى أن الدول الكبرى كلها، ربما باستثناء فرنسا وروسيا، تتبع سياسة إمساك العصا من منتصفها في ليبيا، وتتعامل مع الجيش الوطني الذي لا تقوم قائمة لدولة في غيابه، ومع ميليشيات مسلحة أكثرها متطرفة وإرهابية، وكأنهما طرفان متساويان. كما تتهرب من الإقرار بحقائق موضوعية من نوع أن حكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس لم يعد لها ما يبرر وجودها بعد انتهاء مرحلة الانتقال التي نص عليها اتفاق الصخيرات 2015، وهي 18 شهراً يمكن تمديدها لمدة ستة أشهر إضافية. فقد انتهى العامان في آخر عام 2017، وتقادم اتفاق الصخيرات أيضاً. ورغم ذلك تتعامل قوى كبرى مع الحكومة التي أنشأها وتتجاهل أنها صارت والعدم سواء وفق صحيح القانون الدولي.
ورغم ذلك، لا تقوم الأمانة العامة للأمم المتحدة بدورها المفترض في تبصير هذه الدول بأن مواقفها تؤدي إلى إطالة أمد الأزمة الليبية، وأن حل هذه الأزمة يبدأ برفع الغطاء غير القانوني عن سلطة الأمر الواقع القائمة في طرابلس، وفرض عقوبات دولية صارمة عليها، وإدانة أية دولة تدعمها سياسياً وليس عسكرياً فقط، ومساندة الجيش الوطني الليبي والتعامل مع البرلمان الذي يوجد مقره المؤقت في طبرق بوصفه الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي.
إن الأمانة العامة للأمم المتحدة ليست حامل رسائل، وليس من بين وظائفها المحددة في ميثاق المنظمة الدولية إبداء القلق ناهيك عن أن تكون هذه وظيفتها الأساسية. وفي إمكان هذه الأمانة أن تقوم بأدوار فاعلة في حل الأزمات الإقليمية والدولية إذا كان السكرتير العام ومساعدوه مستعدين لذلك، كما كان الحال في عهد داج همرشولد (1953-1961)، وبطرس غالي (1992-1996) على سبيل المثال.