السلام الإماراتي قرارٌ تاريخي حقيقي، يؤثر على مستقبل الإمارات وأجيالها القادمة، كما يؤثر على دول المنطقة وشعوبها، وهو يمثل رفضاً للأوضاع العبثية القائمة منذ عقودٍ، كما يمثل أملاً حقيقياً لمستقبل أفضل للمنطقة كلها، وهو يعيد كبير توازنٍ لمعادلات القوة الاستراتيجية في المنطقة.
التأييد للقرار الإماراتي يحظى بدعمٍ كبيرٍ من الدول العربية، ومن الشعوب نفسها، وبخاصة لدى فئة الشباب، التي هي الفئة الأكبر في الشعوب العربية، بعدما تكشفت الشعارات السابقة الفاشلة عن خسارٍ كبيرٍ وهزيمةٍ بيّنة.
الإمارات تصر منذ سنواتٍ طويلةٍ جداً على المستقبل والتنمية وبناء الإنسان، وتحقيق الاختراقات الحضاري الكبرى في الأرض وفي الفضاء على حدٍ سواء، ومن «مفاعل براكة» النووي السلمي إلى «مسبار الأمل» المتجه إلى كوكب المريخ، وأخيراً وليس آخراً صنع سلامٍ شجاعٍ مع دولة إسرائيل، الدولة التي كانت عدواً قديماً، وها هم الأعداء الحاليون الأخطر يلغون خطرها بخطرٍ أكبر، وتلغيه من قبل ومن بعد المصالح المشتركة والأخطار المحدقة.
بعض القيادات الفلسطينية فقدت بوصلتها، وطاشت سهامها لا لأجل الشعب الفلسطيني وقضيته، بل لأجل جيوبهم ومصالحهم الشخصية، والهرم الذي يعميهم عن المصالح الحقيقية للقضية الفلسطينية التي أفشلوها عبر عقودٍ من الانتهازية، والعجز عن اختراق المشكلات وبناء السلام.
ينبغي على إخواننا الفلسطينيين، وهم كثيرٌ في دول الخليج، أن يركزوا على حياتهم ونجاحاتهم والرصيد الإيجابي الذي بنوه بجدهم واجتهادهم، وألا ينساقوا خلف الفاسدين الذين يتاجرون بقضيتهم، ويملأون بنوك العالم بالأرصدة المتضخمة والأملاك المتطاولة التي سيورثونها لأبنائهم لا لفلسطين ولا لشعبها، وكم سيكون خاسراً وبلا نصير من يخسر مستقبله ومستقبل أبنائه، لا لشيء إلا لتضخيم أرصدة قلة لا يعنيها هو ولا أسرته بأي شكلٍ.
التناقضات الصارخة لم تعد محل قبول، أن تكون كل ميزانياتك من دول الخليج عبر عقودٍ، ثم تنحاز لأعدائها الجدد في المنطقة، والمحتلين البشعين للدول العربية، فهذا تناقض صارخ لم يعد محل احتمالٍ، أن تكون إرهابياً إخوانياً، وتصرّ على ذلك في غزة، وتشق الصف الفلسطيني، وتتحالف مع أعداء الخليج في المشروع الطائفي أو المشروع التركي الأصولي، فإن قداسة القضية الفلسطينية لن تحميك، وسيكون عليك أن تعرف أن لكل موقفٍ سياسيٍ ثمناً.
ثمة دول معادية في المنطقة تحتل أجزاء من دول خليجية، ولم نسمع يوماً موقفاً فلسطينياً يرفض هذا الاحتلال ويرفض المحتلّ، وأرض فلسطين ليست أقدس من أي شبرٍ يحتله أجنبي في الدول العربية، والآلام التي يعانيها الشعب العراقي، من احتلال أرضه ووطنه ليست أقل شأناً من الآلام التي يعانيها الشعب السوري، فضلاً عن آلام الشعب الليبي الجديدة، التي يتهافت قادة «حماس» لأخذ جنسيات ذلك المحتل الأجنبي.
الحملة البشعة التي شنها البعض من دون حسابٍ، سيندم عليها قريباً حين يصبح تيار السلام جارفاً في دول الخليج، وفي العالم العربي بأسره، وستصبح التناقضات السابقة تحت المجهر، وسيخسر المزايدون والفاسدون، وما يظنونه حملة ترهيب لرفض السلام سيصبح عبئاً ثقيلاً على هؤلاء المتناقضين، وسيخرجهم الشعب الفلسطيني من الصورة بالكامل، ويحيلهم إلى التقاعد، ويستلم قضيته بنفسه وبشبابه.
التعنت في رفض الحلول، والإصرار على الابتزاز لا يؤديان إلا حل، والمطلوب دعم القضية الفلسطينية بشكل مباشر، وتحقيق الإنجازات للشعب الفلسطيني، مثل ما صنعت الإمارات بالمحافظة على أراضي فلسطين.
حققت الإمارات معجزةً واختراقاً حقيقياً في خدمة القضية الفلسطينية، وخدمة أولوياتها الوطنية والعربية في الوقت نفسه، وكانت رائدةً، والرائد لا يكذب أهله، وسيتبعها دول وشعوب عربية في ذات الاتجاه الصحيح.