تتأرجح قوارب الجندول في مراسيها على القناة الكبيرة في البندقية، أما شوارع التسوق في برشلونة، فصامتة ومهجورة.
لقد مُنيت الوُجَهات السياحية الأوروبية بخسائر فادحة بسبب فيروس كورونا. لكن بعضها، وكانت ذات يوم تتأوه تحت وطأة الزوار، تستغل الجائحة كفرصة لإعادة اكتشاف نفسها، وتغيير عاداتها مع السياحة الجماعية المربحة.
تقول «باولا مار»، المسؤولة عن التخطيط والإدارة السياحية في مجلس مدينة فينيسيا: «لقد تسبب فيروس كورونا في تغيير العالم. إنها فرصة بالنسبة لنا وعامل مسرّع للتغيير».
وعادة ما تستضيف مدينة البندقية الإيطالية يومياً أكثر من سكانها (والذين يزيد عددهم قليلاً على ربع مليون نسمة)، والعديد منهم يتنقلون في رحلات بحرية. وقد أدى الإغلاق المفروض على مستوى البلاد، في 9 مارس الماضي، إلى خفض عدد الزوار إلى الصفر.
ويبدأ السياح الآن في العودة على استحياء، لكن المسؤولين يقولون إنهم لا يريدون أن تتضخم الحشود، كما كانت في السابق. وتأمل البندقية في جذب عدد أقل من السياح الذين سيَبقون لفترة أطول، وفقاً لما ذكرته «مار». ويجري العمل على فرض «ضريبة دخول» لتثبيط المتنزهين اليوميين، والتي قد تصل إلى 12 دولاراً في موسم الذروة.
وفي ذات الوقت، هناك جهود جارية لتشجيع سكان البندقية على البقاء في مدينتهم، بدلاً من الفرار إلى سكن أرخص في البر الرئيسي. وهذا يعني زيادة عدد الوظائف، كما تقول «كارولين سميث»، الباحثة في مؤسسة «نحن هنا يا فينيسيا» غير الربحية، والتي تريد أن ترى المدينة وقد أصبحت مركزاً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وموطناً للحِرف التقليدية، مثل بناء الزوارق. وأضافت سميث، التي تعيش في البندقية وشاركت في كتابة تقرير حديث عن مستقبل المدينة بعد «كوفيد-19»، أن «الناس بحاجة إلى العمل، لذا فنحن نحتاج إلى بدائل اقتصادية قابلة للتطبيق» للسياحة الجماعية. وقالت: «لدي أصدقاء هنا يحملون شهادات، لكن لا توجد وظائف، لذا فهم يكسبون لقمة العيش من تأجير شققهم للسياح من خلال إحدى الشركات».
لقد أصبحت المدينة «مرتبطة بأسوأ تجاوزات للسياحة»، لذا فثمة «تدقيق مكثف حول كيفية استجابة البندقية للانخفاض العالمي في السياحة». وتقترح سميث إمكانية البدء بتنظيم استئجار شقق الشركات، على النهج الذي تتبعه برشلونة، حيث إن كلتا المدينتين قامت بتقييد عدد هذه الشقق.
ويقول «موريتسيو أوجوليني»، الذي يدير استئجار سبع شقق في المدينة، إن مثل هذه الأفكار رائعة في الأوقات العادية، لكن يجب أن يكون التركيز الآن على التعافي، حيث يعتمد عدد كبير من العائلات على تأجير العقارات للحصول على دخل، لذا لن يكون من المنصف الحد فجأةً من عدد الليالي التي يمكنهم استئجارها، أو تجريدهم من التراخيص. وأوضح أن البندقية بحاجة إلى السياح المقيمين، ولو لأيام، لشراء مواد البقالة وللتكامل مع السياح المحليين، لكنها لا تحتاج إلى الأعداد الغفيرة من السياح الذين يجعلون السير في الشوارع مستحيلاً. غير أنه أشار إلى أن عائدات السياحة التي بلغت 3.5 مليار دولار تم ضخها في اقتصاد البندقية العام الماضي، كانت مفيدةً جداً لمدينة في حاجة مستمرة إلى الأموال من أجل الصيانة.
وقد حذّرت وكالة السياحة الوطنية الإيطالية من أن القطاع السياحي لن يتعافى قبل 2023، لذا فثمة وقت لإعادة التفكير في المرحلة التالية.
وتشهد برشلونة عمليات مماثلة للبحث عن الذات. فالمتاجر على طول «باسيج دي جراسيا» (طريق في برشلونة)، والتي كانت وفقاً لبعض التقديرات تمثل نحو ثلث جميع المشتريات السياحية في إسبانيا، مغلقة أو يتم فتحها لفترة وجيزة فقط. وأصبح الشاطئ الذي كان في العادة مكتظاً، شبه فارغ اليوم.
ويقول «باتريك تورينت»، المدير التنفيذي في مجلس السياحة الكتالوني: «لم نتخيل أبداً أننا سنصل إلى هذا المستوى من الشلل. هذا الوضع جعل من الممكن توفير مساحة للتفكير في نموذج السياحة الذي نريده». وهو يتوقع أن السياحة المستدامة، أي التي تحترم البيئة، كما تحترم مجتمع برشلونة وثقافتها، ستحقق مكانة في مدينته. ويشير إلى أن الاستدامة ركيزة أساسية لخطط التعافي الأوروبية، بدءاً من تعهد المفوضية الأوروبية بتعزيز «التحول إلى الأخضر» في السياحة الأوروبية، إلى حزمة التعافي التي تقدمها الحكومة الإسبانية للقطاع، وخرائط الطريق الخاصة بالحكومة الكتالونية الإقليمية بالنسبة للمستقبل.
وأوضح تورينت أن «القطاع يدرك بأنه لن يكون هناك وقت أفضل لتغيير أوضاعه أفضل من الوقت الحالي». 
غير أن البعض الآخر أقل تفاؤلاً؛ إذ يشعرون بالقلق من أن حزم الإنقاذ ستمول ببساطة العودة إلى العمل، كالمعتاد، في مدينة حيث تمثل السياحة 12% من الناتج المحلي الإجمالي و9% من عدد الوظائف، أكثر منها في الأحياء التاريخية التي تفتخر بالإرث المعماري أو التطويرات على شاطئ البحر، مثل «فيلا أوليمبيكا».
يقول «كلاوديو ميلانو»، عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في كلية أوستيليا لإدارة السياحة، إن جزءاً من المشكلة هو أن مدناً، مثل برشلونة، خرجت من أزمة 2008 من خلال تركيز اقتصادها على «سوق العمل المستقل»، مثل «إير بي إن بي» و«أوبر»، بدلاً من احتياجات السكان المحليين.
لقد سلط الوباء الضوء على مخاطر الاعتماد الاقتصادي لبرشلونة على السياحة الدولية الأجنبية. ويعتقد الخبراء، على المدى القصير، أن المدينة يمكن أن تعوض خسائرها من خلال تعزيز السياحة الداخلية، لكن المطلوب على المدى الطويل، هو التنويع الاقتصادي.

دومنيك سوجيل

كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»