علم الفلك هو علم الكون، وهو أقدم العلوم التي نشأت قبل التاريخ، عندما احتاج الإنسان إلى تحديد الفصول، ومعرفة طريقه في البحار. وأجداد العرب القدامى، البابليون في العراق والفراعنة في مصر، أول من أسس علم الفلك، وحسبوا معادلة السنة 365 يوماً. وفي القرن الرابع قبل الميلاد، قاس البابليون حركة الشمس والقمر، وقسموها تبعاً لدائرة البروج إلى 12 جزءاً متناظراً، ووضعوا نظام العد الستيني، المستخدم حتى اليوم في تقسيم الساعة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية. 
«والفلك اسم يُطلقُ على الجسم المستدير، وعلى سطح الكرة وسطح الدائرة وعلى محيطها، تشبيهاً بِفلكة المغزل في الأصل، وفي العُرف على السماويات خاصة». ذكر ذلك عالم الفلك مؤيد الدين العرضي، في «كتاب الهيئة»، في القرن الثالث عشر الميلادي. وأورد «فصل في كُريَّة الأرض» الأدلة على كرويتها، وأضاف: «أن المأمون لما رأى هذا المعنى في كتب الأوائل أمر بامتحانه». وكان ذلك أروع عصور العلوم العربية والعالمية، تأسست خلاله «المدرسة البغدادية» في علم الفلك. ويورد العرضي تفاصيل برهنة علماء العرب في القرن التاسع الميلادي على كروية الأرض. والذي سيُنسبُ خطأً إلى عالم عصر النهضة الأوروبية «كوبرنيكوس» بعد سبعة قرون.
وعلم الفلك يذكرنا بأروع علمائنا في التاريخ، وكانوا جميعاً علماء فلك؛ من الخوارزمي، مؤسس علم الجبر ومؤلف أول كتاب في علم الفلك، وابن الهيثم الذي اعتمد الأرصاد العربية الجديدة لتقييم علوم القرنين الميلاديين العاشر والحادي عشر في كتابه «الشكوك على بطليموس». وكانت تلك قرون علماء مبدعين، أسماؤهم ومنجزاتهم «فلكية»، مثل الفرغاني، والبتاني، والصوفي، والقوهي، والطوسي، والفزاري، والبلخي، وثابت بن قرة، والشيرازي، والبيروني، وابن سينا، وابن باجه، وابن طفيل.
وأيام عام 2020 الفلكي أعياد، استهلها «مسبار الأمل» مرفرفاً بلوحيه الشمسيين المشرعين كجناحي طائر أسطوري، يحلقان مسافة تزيد على 60 مليون كيلومتر إلى مدار حول المريخ. وهناك «سينتج المسبار أول خريطة عالمية لجو الكوكب، الذي رصدته مركبات سابقة، إلا أن المدار الإهليلجي الهائل لمسبار الأمل «يتيح له رصد أجزاء ضخمة من الكوكب نهاراً وليلاً». ذكرت ذلك مجلة العلوم العالمية «نيتشر» Nature ونقلت عن سارة الأميري مسؤولة فريق المسبار: «سنكون قادرين على تغطية الكوكب كله طوال اليوم، وعلى مدى عام مريخي». ويتيح مطياف رصد الأشعة ما تحت الحمراء، الذي يحمله المسبار، درس الغيوم، والعواصف الترابية في أجواء المريخ السفلي، فيما يرصد المطياف فوق البنفسجي الغازات في الأجواء العليا للكوكب، والتقلبات الجوية اليومية، وعبر الفصول، ويكشف أسباب تسرب الهيدروجين والأوكسجين من جو الكوكب. ويساعد هذا على فهم مناخ المريخ ولماذا فقد جوه الكثيف. 
وهدف الإماراتيون الأساسي ليس إيصال المركبة إلى المريخ فقط،  بل «الهدف الأساسي إلهام طلاب المدارس، وحفز صناعات العلوم والتكنولوجيا التي ستمكن الإمارات من معالجة مسائل حاسمة، كالغذاء والماء والطاقة واقتصاد ما بعد النفط». ذكر ذلك عمران شرف مدير برنامج «الأمل»، الذي يهيئ للرحلات المأهولة القادمة إلى المريخ، حيث ستنشئ الإمارات «مدينة العلوم في المريخ» عام 2117. 
وتلهم المسافة التاريخية العظمى التي قطعتها علوم العرب، المسافة الجغرافية الكونية التي يقطعها «مسبار الأمل»، وتستعيد به صفتها الأساسية الأممية. 

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا