عندما تلقيت في 6 يوليو خبر اغتيال الخبير الأمني ومستشار الحكومة العراقية هشام الهاشمي أصبت بصدمة، وكنت أود أن أسمع تكذيباً للخبر، لكنه لم يأتِ وتأكد الخبر المفجع. في هذه اللحظات المؤلمة يتوارد للذهن عدة هواجس ما إذا كان هناك أي بارقة أمل في العراق لتأسيس دولة قوية ذات سيادة تطبق القانون لتحمي المواطن، تحصر السلاح بيدها، وتحارب الميليشيات المسلحة التابعة لأنظمة إقليمية ولاءها ليس للدولة بل لمن يمولها. 
لقد اختصر هشام الهاشمي الوضع في العراق في تغريدته التي كتبها قبل ساعة فقط من اغتياله أمام منزله، والتي وضح فيها إشكالية المحاصصة الطائفية، الأحزاب المسيطرة التي تريد التأكيد على مكاسبها عبر الانقسام، والأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي. هذه التغريدة تؤكد أن المنظومة السياسية في العراق تأسست بشكل فاسد وعلى أساس طائفي، إضافة إلى وجود الميليشيات بأعداد كبيرة ودمجها مع المنظومة السياسية أدى إلى انهيار مفهوم الدولة قبل أن يكتمل تأسيسها، ومن المؤكد أن هذه الميليشيات والأحزاب التابعة لها لن تفرط في مكاسبها الشخصية، وستهدد وتغتال أي شخص يتعارض مع مصالحها. 
اغتيال الهاشمي أعنف رسالة موجهة لمصطفى الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الوزراء بسبب تحركه ضد «كتائب حزب الله» وضد الميليشيات لوضع حد للخروقات الأمنية والاستهتار بسيادة القانون والدولة. فبعد خروج هؤلاء من المعتقل بدأت أصواتهم تتعالى ضد الكاظمي والسلطة وهددوا الهاشمي بالقتل، وقد أكد ذلك زعيم تيار «مواطنيون» العراقي، غيث التميمي، عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، المحادثة التي جرت بينه وبين الهاشمي والتي كشفت هذه التهديدات. 
فمن الواضح أن هناك تحديات كبيرة أمام حكومة مصطفى الكاظمي تحتاج إلى دعم كبير من المجتمع الدولي. فبرنامج الكاظمي الطموح، والذي يسعى به إلى إعادة بناء المنظومة السياسية ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى قوى دولية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، لأنها هي التي أطاحت بنظام صدام حسين ليكون العراق الدولة النموذج للديموقراطية في الشرق الأوسط، لكنه أصبح ملجأ للإرهابيين ومركزاً للميليشيات يغتال فيه كل صوت وطني. كما على المحللين السياسيين الأميركيين ألا يطالبوا دول الخليج بأي شراكة اقتصادية في العراق دون السعي جدياً لتأسيس دولة عراقية ذات مؤسسات قوية تُجرّم أي سلاح خارج سيطرة الدولة، وأن تكون كل الفصائل المسلحة والميليشيات تحت سيطرتها. فما يحتاجه العراق الآن الشراكة الأمنية وليس الاقتصادية. 
وإلى أن يتم ذلك لابد من توفير حماية أمنية مشددة للناشطين الوطنيين والصحفيين ومعاقبة مرتكبي جرائم الاغتيالات بأشد عقوبة حتى لا تنتهي حياة كفاءات وطنية بمجرد ضغطة على زناد السلاح. فهؤلاء المجرمين يجب أن يكونوا على يقين أن المطالبة بتكملة مسيرة الهاشمي مستمرة، لأنه لا يوجد خيار، إما تكملة مشروع الدولة أو استمرار إرهاب«اللادولة».
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي