يكثر الخلط بين مفهومي الشرعية والمشروعية. يحدث هذا الخلط في منتديات سياسية ووسائل إعلام، وحتى في بعض الكتابات الأكاديمية. المشروعية مفهوم قانوني. فعندما نصف مؤسسة ما بأنها مشروعة، فهذا يعني أن وضعها القانوني صحيح ومستقر وفق القوانين المعمول بها. وقل مثل ذلك عن قرارات وإجراءات سياسية وإدارية مشروعة.
أما الشرعية، بمستوييها الداخلي والدولي، فهي مفهوم سياسي يعني القبول أو الرضا العام بحكومة دولة معينة. فتكون الحكومة شرعية داخلياً عندما تحظى برضا شعبها، ودولياً حين تنال اعتراف الدول الأخرى، وبالتالي تمثيل دولتها في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية.
وبهذا المعنى، وذاك، لا تُعد السلطة القائمة في طرابلس، والتي يُطلق عليها حكومة الوفاق، مشروعة أو شرعية. إنها مجرد سلطة أمر واقع، بعد أن انتهت الشرعية الدولية المؤقتة التي حصلت عليها عند تشكيلها، عقب مفاوضات أسفرت عن اتفاق وُقع في مدينة الصخيرات عام 2015، بينما لم تنل شرعية داخلية، ولم تتوفر لها مشروعية قانونية في أي وقت.
لم تحظ هذه السلطة بشرعية داخلية، لعدم رضا معظم الشعب الليبي عن تشكيل الهيئات التي نص اتفاق الصخيرات على إقامتها، وأهمها المجلس الأعلى للدولة، والحكومة، ولهيمنة جماعات وميليشيات «الإخوان» والإسلام السياسي عليها. كما افتقدت المشروعيةَ منذ البداية؛ لأن البرلمان الليبي المنتخب لم يوافق عليها، ولم يمنحها الثقة، بسبب عدم الاستجابة للملاحظات التي أبداها على تشكيلها، علماً بأن الاتفاق الذي نص على إنشائها أكد أن هذا المجلس هو السلطة التشريعية الوحيدة، بما يعني أنه مصدر المشروعية لأية حكومة أو مؤسسة تنفيذية.
ورغم أن مجلس النواب لم يمنح الثقة للهيئات التي شُكلت بموجب اتفاق الصخيرات، فقد راهن المجتمع الدولي على إمكان تجسير الفجوة بينهما تدريجياً، وتعامل مع هذه الهيئات بوصفها شرعية، في مخالفة للفقرة الرابعة في المادة الأولى في هذا الاتفاق، وتنص هذه الفقرة على أن تكون مدة ما أطلق عليها حكومة الوفاق عاماً واحداً يبدأ من تاريخ موافقة مجلس النواب على تشكيلها، أو عامين على الأكثر في حالة عدم إصدار الدستور.
وقد انتهى العامان في ديسمبر 2017. ومنذ ذلك الوقت، أصبح مؤكداً بما لا يترك مجالاً للشك، أن سلطة طرابلس فقدت الشرعية الدولية، بافتراض أنها تمكنت من الوفاء بشروط اكتسابها في ظل عدم مرافقة مجلس النواب عليها. وقد يقال هنا، إن هذا المجلس انتهت مدته أيضاً، وهذا صحيح، لكن المجلس النيابي يواصل عمله إذا انتهت مدته، ولم ينتخب مجلس جديد، وهذه قاعدة عامة في نظم الحكم في أنحاء العالم.
وفي غياب شرعية دولية، وكذلك الشرعية الداخلية الأكثر أهمية، فضلاً عن المشروعية، تصبح حكومة طرابلس سلطة أمر واقع، تستغل الوضع المضطرب في ليبيا منذ عام 2011، وتؤدي ممارساتها إلى تفاقمه. 
ورغم ذلك، لم تتوفر على مدى نحو عامين ونصف العام، إرادة دولية لإنهاء هذا الوضع الشاذ في طرابلس وبعض المناطق الليبية الأخرى، وتُرك المبعوث الدولي غسان سلامة الذي وقع اتفاق الصخيرات في عهده، من دون دعم، حتى اضطر إلى الاستقالة في أول مارس الماضي، ليلحق بخمسة مبعوثين سبقوه إلى ترك مهماتهم. فقد حالت خلافات بشأن المصالح دون حدوث تفاهم دولي على إنقاذ ليبيا من سلطة قوامها ميليشيات مسلحة متطرفة تسيطر على جزء من أرضها، ومرتزقة أرسلتهم تركيا، ومازالت، في إطار تدخلها العسكري المباشر الذي لم يقابله رد فعل دولي مناسب، رغم انتفاء المبرر الذي يستند إليه، وهو التعاون مع حكومة تتمتع بشرعية دولية حقيقية، كما سبق توضيحه.
وهكذا، وصلت الأزمة في ليبيا إلى منعطف يفترض أن يبدأ حلها بتفاهم دولي على تعرية سلطة الأمر الواقع في طرابلس، وتأكيد افتقادها أية شرعية، لتقويض الذريعة التي تستخدمها أنقرة للتدخل العسكري الذي يهدد بإعادة إنتاج حالة احتلال تركيا لبعض مناطق شمال سوريا، في الوقت الذي تتواصل انتهاكاتها في شمال العراق. وربما يكون لبنان بدوره مستهدفاً من تركيا، بعد أن ظهرت مؤشرات في الأيام الأخيرة إلى بداية دخولها على خط أزمته الآخذة في التفاقم بمعدلات كبيرة وسريعة، تحت ستار تقديم مساعدات غذائية وطبية، تفيد تجارب سابقة أنها تُمهد لتدخل يزداد تدريجياً.