إذا تواصلت الاتجاهات الحالية لانتشار فيروس كوفيد-19 في البرازيل فإنها ستتجاوز الولايات المتحدة على الأرجح باعتبارها البلد صاحب المستوى الأعلى من الإصابات والوفيات في العالم بحلول نهاية يوليو المقبل. إذ تُظهر أحدث الإحصائيات من البرازيل تسجيل قرابة 900 ألف حالة إصابة بالفيروس وأكثر من 44 ألف وفاة. هذه التفاصيل وردت ضمن تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 16 يونيو 2020.
ووفق التقرير، فإن مدينة «ريو دي جانيرو» العملاقة كانت قد حذّرت في مايو الماضي من تعرضها لكارثة وشيكة في حال لم تُتخذ تدابير صارمة من أجل احتواء الفيروس، من قبيل الإغلاقات وإجراءات الأمان، مثل ارتداء الكمامات الواقية، واتباع قواعد التباعد الجسدي، غير أن نصيحة المجتمع الطبي أُهملت ولم يُعمل بها، فلم يُفرض أي إغلاق صحي، وتواصلت التجمعات والأنشطة الاجتماعية، وخاصة في الشواطئ، من دون مراعاة لإجراءات الحماية والوقاية. وحسب جل التقارير، فإن البرازيل ما زالت تواجه الموجة الأولى من الوباء، في وقت لا يلوح في الأفق أي مؤشر على نهاية وشيكة للوباء. وتشهد البلاد في الوقت الحالي 30 ألف حالة إصابة جديدة كل يوم، وقد أخذت تقترب من حاجز 4 آلاف وفاة يومياً.
البرازيل والولايات المتحدة كلاهما بلدان كبيران ومتنوعان بحجم سكاني يناهز 210 ملايين نسمة بالنسبة للأول، و327 مليون نسمة بالنسبة للثاني. جائير بولسونارو ودونالد ترامب، الرئيسان المنتخَبان للبلدين، حليفان قريبان أحدهما من الآخر، وقد سبق لكليهما أن قللا من مخاطر وباء كوفيد-19، غير أن ترامب، وعلى الرغم من أخطائه العديدة وتصريحاته البعيدة عن الصواب بشأن الفيروس وإخفاقات جهود إدارته في كبحه، واجه إكراهات وقيوداً أكبر بكثير فيما يتعلق بأفعاله مقارنة مع بولسونارو.
ولعل ذلك يُبرز أحد الاختلافات الكثيرة بين البلدين وبين مؤسساتهما على التوالي. فعلى الرغم من ميوله الأولى إلى التقليل من شأن الوباء، إلا أن ترامب اضطر في نهاية المطاف إلى تشكيل فريق أنيطت به مهمة مراقبة الأزمة، وعلى مدى عدة أيام دأب على ترأس إحاطات إعلامية ومؤتمرات صحافية يومية في البيت الأبيض استدعت خبراء طبيين، يحظون بقدر كبير من التقدير والاحترام، من أجل الحديث عن الأدلة العلمية حول الفيروس للشعب الأميركي. وإذا كان هؤلاء الخبراء قد هُمشوا منذئذ من قبل ترامب، الذي يريد الآن التركيز على المواضيع الاقتصادية، فإنهم ما زالوا يتحدثون بشكل يومي تقريباً في وسائل الإعلام عن وضع الوباء عبر الولايات المتحدة. وفضلاً عن ذلك، فإن قدرة ترامب على تجاوز سلطات حكام الولايات الرئيسة، مثل نيويورك وكاليفورنيا، تظل محدودة.
وبالمثل، فإن معظم المنشآت الصحية الممتازة والمتاحة على نطاق واسع عبر الولايات المتحدة، تشتغل بموارد جيدة وإدارة مستقلة جداً، رغم بعض المشاكل في الأيام الأولى فيما يتعلق بتوفير معدات الطوارئ من أجل التعاطي مع ارتفاع الحالات. صحيح أن بولسونارو واجه مشاكل كبيرة مع حكام وعمد الولايات والمدن الكبرى، إلا أنه يواجه مشكلة إضافية تتمثل في قيادة بلد يمتلك بنية تحتية صحية ضعيفة جداً وغير قادرة بكل بساطة عن تحمل عبء الحالات المتزايدة في مثل هذا الحيز الزمني الضيق.
ولئن كان ترامب قد تعرّض لانتقادات قوية بسبب طريقة تعاطيه مع الأزمة، فإنه سيحاسَب على ذلك في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر 2020. وفي حال خسر بفارق كبير من الأصوات على صعيد البلد ككل، وفي الولايات المحورية التي من المنتظر أن تشكّل ساحات معارك انتخابية مهمة، فلا شك أنه سيغادر منصب الرئاسة في العشرين من يناير 2021. أما إذا كانت نتيجة الانتخابات متقاربة، فإنه قد تكون هناك تحديات قانونية، إلا أن الولايات المتحدة تتوافر بشكل عام على المؤسسات الكافية لضمان نتيجة منصفة.
أما بالنسبة لبولسونارو، فإن مستقبله غير أكيد أيضاً، لكنه لن يواجه انتخابات رئاسية حتى أكتوبر 2022. ولهذا السبب، فإن تراجع شعبيته الحالي والانتشار الواسع للفيروس ما فتئا يغذّيان الإشاعات بشأن إمكانية تدخل الجيش  في حال واصلت الأمور التدهور في البلاد.