ليست الإشكالية في تتالي الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، أو قراءة مؤشراتها، ولكن الإشكالية الحقيقية في الحكومة الجديدة التي يمكن أن تشكل في ظل خريطة حزبية معقدة وأحزاب يمينية معروف توجهاتها، ومواقفها الداخلية والإقليمي، ومن ثم فإن المسار الراهن سيمضي في خمس سياقات الأول: أنه لا تغيير جوهرياً في السياسات العامة لإسرائيل تجاه الملف الفلسطيني تحديدا، وهو مربط الفرس للوصول إلى استقرار منشود، وإمكانية التلاقي في نقطة محددة يمكن أن يتم فيها الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية، والأمر يتجاوز عودة نتنياهو بالتأكيد لسياسة أكثر واقعية تتحدث عن عدم وجود شريك على الجانب الآخر، وأن استمرار الوضع منقسما في القطاع والضفة يعلي بقوة من هذا التوجه. 

اللافت الثاني: أن الحديث عن برنامج حكومي متماسك سيتطلب العمل على مسارات متعددة ليس فقط في إطار الحرص على استمرار شراكة إسرائيل في الإقليم بل كطرف رئيسي، ومهم في معادلة البناء السياسي والاقتصادي لهذا ليس غريبا أن تضع إسرائيل في أولوياتها تنمية، وتطوير حضورها الإقليمي، استناداً لقاعدة المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة، حيث سيتجدد الحديث عن إتمام صفقة تبادل الأسرى والعمل بجدية في شراكة مصرية فلسطينية في مجال غاز القطاع، والانتقال لتحقيق مكاسب من إتمام هذا الاتفاق، فمثل هذه التوجهات ستعكس بالفعل حضورا إسرائيليا يتجاوز أي إشكاليات حقيقية قائمة، ومن ثم فإن إسرائيل ستعمل على إحياء فكرة السلام الاقتصادي.
الثالث: أن الداخل الإسرائيلي المرتبك والمتردد حزبياً سيحتاج بعد قليل إلى مزيد من التماسك في مواجهة ما يجري، وهو ما يدفع رئيس الدولة - الذي لا يتمتع بصلاحيات رسمية وفقا للمتعارف عليه - بالقيام بدور دبلوماسي واضح، والانتقال من رمزية موقعه إلى لعب دور في الخارج، ولعل زيارته الأخيرة لواشنطن كشفت بعمق عما يجري، ويمكن أن تلعبه مؤسسة الرئاسة الإسرائيلية خاصة مع وجود بعض المقترحات لإعادة صياغة جديدة لأطر النظام السياسي الإسرائيلي بأكمله، خاصة بعد التباينات الراهنة وحالة الركود السياسي والحزبي وعدم وجود نخبة سياسية حقيقية قادرة على أن تطرح نفسها وتخرج إسرائيل من الأجواء الراهنة، وهو ما سيدفع بمزيد من التغيرات في الفترة المقبلة، وليس بمستبعد أن تعلن بعض مراكز القوى عن نفسها في الساحة السياسية بعد أن ظلت لسنوات طويلة تعمل من وراء الستار.
الرابع: المسألة إذن ترتبط بالعمل من أجل التوصل لائتلاف سياسي وحزبي قادر على الاستمرار في إطار بنية جيدة قادرة على العمل بصرف النظر عن شكل الائتلاف، خاصة وأن الأحزاب التي خاضت الانتخابات ما تزال تتعامل من منطلق شخصي، ولا تعمل وفق منظومة سياسات حقيقية قادرة على طرح إجراءات وتدابير تتجاوز ما هو قائم، فالمشكلة ليست في وجود نتنياهو أو بيني جانتس أو يائير لابيد، وإنما الأمر مرتبط بغياب النخبة الحقيقية داخل الأحزاب، فأغلب الشخصيات الموجودة في ليكود باعتباره الحزب المؤسس لا تحظى بحضور شعبي، وغير معلومة للجمهور، كما أن الشخصيات التي طرحت في الخريطة الحزبية للكتل اليمينية ما تزال تحتاج إلى خبرات حقيقية.
الخامس: إسرائيل بالفعل في حالة من الارتباك ليس سياسياً، وحزبياً فقط بل يمتد الأمر إلى الوضع الأمني في ظل استمرار المواجهات في الضفة، وفي ظل تصعيد لحدود القوة واستخدامها الأمر الذي قد يؤدي إلى تفجر الموقف بأكمله في أي توقيت، وفي ظل حديث الجنرالات الكبار عن احتمالات اندلاع موجة غير مسبوقة من العنف والمواجهات في الضفة الغربية، وقد تنفتح الجبهات سواء في غزة أو القدس أو ونابلس معا، وهو ما قد يمثل مخاطر كبرى تتطلب الاستعداد إلى ما هو قادم من توترات حقيقية، وتتطلب مزيداً من التفاهمات الحزبية، وتحتاج إستراتيجية مسبقة في التعامل.
* أكاديمي