السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تحور الفيروسات» خطر يهدد البشرية ويعرقل جهود مكافحة الأوبئة

«تحور الفيروسات» خطر يهدد البشرية ويعرقل جهود مكافحة الأوبئة
23 أغسطس 2014 22:40
تعتبر الفيروسات إحدى أهم المعضلات التي تواجه التصنيف الحيوي، فهي لا تمثل كائنات حية لذا توصف غالبا بـ «الجسيمات المعدية» لكنها بالمقابل تبدي بعض خصائص الحياة مثل القدرة على التكاثر. وتقوم الفيروسات بالاستعانة بآليات الخلايا الحيوية عن طريق دس الدنا أو الرنا الفيروسي ضمن المادة الوراثية للخلايا الحية. لكن بالمقابل الفيروسات لا تتحرك ولا تقوم بعمليات استقلاب أو تحلل من تلقاء نفسها، إنها في منطقة وسطى بين الحياة واللاحياة. ولعل تحور الفيروسات من جيل لآخر أحد أهم المخاطر الكبيرة التي تهدد البشرية، وتستطيع أن تقتل أعداداً كبيرة في كل مرة، ولا يسقط من ذاكرة البشرية الأنفلونزا التي قتلت أعداداً كبيرة عام 1918 تفوق أعدادهم ضحايا الحرب العالمية الأولى. ولا يمكن السيطرة على الفيروسات، والأبحاث قائمة الآن لتجديد الأمصال ضدها وضد كل الأوبئة الموجودة، ويتوقع ظهور أحد الأوبئة التي ستقضي على سكان الأرض قبل أن يجدوا علاجاً. إن السلالات الجديدة من الفيروسات التي هاجمت البشرية خلال العقدين الأخيرين تحتاج بالطبع لدراسات جادة لتقييم مدى خطورتها، وهل يمكن تفادى هذه الأخطار باستعمال اللقاحات المتاحة أم أنها تحتاج لاستنباط أنواع جديدة من اللقاح؟. يعرف أن فيروسات الإنفلونزا التي تصيب الجهاز التنفسي للإنسان تتحور دائما وبصورة سريعة متلاحقة لذا يجب دائما الاستعانة بلقاحات حديثة تحضر خصيصا وفقا لأنواع السلالات الجديدة المتحورة. لقد ظهرت إنفلونزا الطيور بشكل معدي جدا، للمرة الأولى في إيطاليا قبل أكثر من مئة سنة، وكانت تعرف بطاعون الطيور، حيث يكمن الفيروس في دماء الطيور ولعابها وأمعائها وأنوفها ويخرج في برازها الذي يجف ليتحول إلى ذرات غبار متطايرة يستنشقها الدجاج والإنسان. أما فيروسات إنفلونزا الخنازير فحتى عام 2009 تم التعرف على ستة فيروسات لإنفلونزا الخنازير وهي فيروس الإنفلونزا وH1N1وH1N2وH3N1 وH3N2وH2N3. ويبدو أن فيروس الإنفلونزاH1N1 يأبى الإعلان عن هزيمته، وتواترت أنباء عن رصد سلالة جديدة من الفيروس ناشئة عن تحور في تركيبه بدأ في سنغافورة ثم استراليا ونيوزيلاندا. السلالة الجديدة تحتاج بالطبع لدراسات جادة لتقييم مدى خطورتها وهل هي قادرة على التسبب في وفاة المصاب بها أم لا. أيضاً هل يمكن تفادي خطرها باستعمال اللقاحات المتاحة حاليا التي تم إعداد بكميات وافرة أم أنها تحتاج لاستنباط أنواع جديدة من اللقاح؟. تهديد عالمي كذلك ظهر فيروس «سارس» كتهديد عالمي في آذار من عام 2003م وسجلت أولى إصابة في شمال الصين، وتوفى بسببه الطبيب الإيطالي كارلو أورباني «أول من اكتشفه»، وهو مرض يصيب ضحاياه بصعوبة التنفس والتهاب رئوي غامض عُرف لاحقاً بمتلازمة الالتهاب الرئوي، وأصبح يمثل هلعاً وتهديداً عالمياً لخطورته. وفي سبتمبر 2012 عرف العالم متلازمة الشرق الأوسط التنفسية لأول مرة فيروس «كورونا الشرق الأوسط» المعروف باسم ‎ MERS-CoVفي مدينة جدة السعودية عن طريق الطبيب المصري محمد علي زكريا، المتخصص في علم الفيروسات بعدما نجح في عزل فيروس من رجل توفي في أعقاب ضيق حاد في التنفس وفشل كلوي. وأخيراً هرع العالم من انتشار فيروس «إيبولا» القاتل، أو ما يعرف بـ «الحمى النزفية» وهو مرض فيروسي معدي يصيب الإنسان وبعض أنواع القردة. واكتشف لأول مرة سنة 1976، ومن حينها ظهرت أنواع مختلفة منه مسببة أوبئة في كل من زائير، الغابون، أوغندا، والسودان وحصد وفيات تصل إلى نسبة 95 % من المصابين. فبعد أن تفشى الفيروس في غينيا قبل ستة أشهر ثم انتقل إلى كل من سيراليون وليبيريا المجاورتين. وقالت منظمة الصحة العالمية إن إجمالي الوفيات جراء تفشي فيروس «الإيبولا» على نحو غير مسبوق ارتفع إلى حد الآن إلى 1145 شخصاً. وأضافت منظمة الصحة العالمية أنه تم تسجيل 152 حالة إصابة جديدة خلال يومين في غينيا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون ليصل إجمالي المصابين إلى 2127 شخصاً. ولا يزال العلم والعلماء يترصدون الفيروس في شكله الجديد في التحور، فهل ينفجر في وجه العالم قنبلة موقوتة، وإن فيروس «إيبولا» أصبح «خطراً صحياً عالميا». التطور يقول مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة أنتوني فوسي: « إن جميع الفيروسات لها القدرة على التمحور أو التطور والتنقل بين الأنواع المختلفة داخل العائلة الواحدة، مما أكسبها القدرة الفتاكة على قتل المصاب إذا كان يتمتع بمناعة ضعيفة، لذلك من المفيد أخذ فكرة عن السلالات الأخرى التابعة لـ(الكرونا) والتي تصيب الحيوانات، حيث كنا في السابق نؤمن بتخصصية الفيروس، إلا أنه مع ظهور الحالات الجديدة وتغير السلالات، فإن هذه الظاهرة بدأت في الاضمحلال تدريجيا إلى أن أصبح الفيروس الحيواني والبشري لهما القدرة على الاتحاد لتكوين سلالات جديد أشد فتكا وإصابة من السلالات الأمية كما هو الحال في فيروسات الأنفلونزا التي رأينا تعددها وتشكلها مؤخرا. ويضيف: «إن منظمة الصحة العالمية بينت عقب تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد «سارس» وانتشاره في آسيا، بالإضافة على حالات ثانوية في أماكن متفرقة من العالم، أن الفيروس التاجي «كرونا» التي حددها عدد من المختبرات، وكانت العامل المسبب لمرض السارس، وأدى وباء «السارس» إلى إصابة أكثر من 8000 بالالتهابات، ونحو 10 في المائة منها أسفرت عن وفيات، وبعد ذلك أصبح هناك اهتمام بـ«الكرونا» في مجال علم الفيروسات لسنوات عديدة حيث صنفها العلماء وعرف من الـ «كرونات البشرية». تحليل جيني لعلنا نتذكر ما أعلنته السلطات الصحية في الصين بوفاة امراة صينية «73 عاماً» بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور لم تكن معروفة من قبل بين البشر تذكر بالخطر الوبائي المحتمل للفيروسات الحيوانية المتحورة، وأنها إحدى امرأتين أصيبتا بالسلالة الجديدة المسماة «اتش. 10. ان. 8» وتعالج الأخرى في المستشفى وحالتها حرجة. وأن حقيقة انتقال الفيروس من الطيور إلى البشر تعطي إنذاراً مهماً بسبب اجتياز الفيروسات حاجز الأنواع لتنتقل من الحيوانات أو الطيور إلى البشر لأنه من غير المرجح جدا أن تكون لديهم مناعة مسبقة تحميهم خصوصاً عندما تظهر هذه الفيروسات خصائص توضح أن لديها القدرة أن تتحور بسهولة أو تكون مقاومة للعقاقير. فالسلالة الجديدة ظهرت بعدما أصابت سلالة أخرى مميتة لإنفلونزا الطيور 286 شخصاً على الأقل في الصين وتايوان وهونج كونج وأدى إلى وفاة قرابة 60 شخصاً. وقد تم عمل تحليل جيني على عينات أخذت من المرأة التي توفيت بسلالة «اتش.10.ان.8» وتبين إنها اندماج جيني جديد لسلالات أخرى من فيروسات إنفلونزا الطيور ومنها فيروس «اتش.9.ان.2» المعروف بانتشاره بين الدواجن في الصين. السبب الرئيسي إن السبب الرئيسي في تحور الفيروسات بشكل أسرع من البعوض أو غيرها هو أنها تتضاعف بشكل أسرع من بقية الكائنات. ويعني ذلك أن كل فرد جديد من الفيروسات لديه فرصة أكبر لأن يتعرض لتحورات جديدة بينما يقوم بنسخ حمضه الريبو النووي عند الانقسام. وعلى الرغم من أن معظم هذه التحورات والطفرات ليس لها آثار ملحوظة، إلا أنه بين فينة وأخرى قد تساعد إحدى هذه الطفرات الفيروس على النجاة بالسماح له بإصابة البشر وليس الاقتصار على الطيور مثلا، مما يعزز من قدرته على الاستمرار. ولكن حتى ضمن الفيروسات المختلفة هناك تنوع واسع في معدلات الطفرات وحدوثها. فعلى سبيل المثال لدى فيروس نقص المناعة البشري الإيدز معدل طفرات سريع جدا، وذلك لأنه ينقسم ويتضاعف بشكل سريع جدا، فجزيء الفيروس الواحد ينتج حوالي 10 ملايين فيروس آخر خلال 24 ساعة. وأيضا المادة الجينية لفيروس نقص المناعة هي RNA، أي أنه من المرجح أن يطور طفرات عدة أثناء عملية نسخ المعلومات الجينية والانقسام. ويعد فيروس MERSوسارس من ضمن الفيروسات سريعة التحور والطفرات، وهذا يختلف من فيروس لآخر، ولكن هناك عددا من الفيروسات المستقرة كفيروس الحصبة، ولذا فحقنة لقاح ضد الفيروس في مرحلة الطفولة تحمي الشخص من الإصابة به لعقود. سلالات جديدة تناقلت وكالات الأنباء في الفترة الأخيرة نبأ نجاح عالم من جامعة ويسكونسين ماديسون بالولايات المتحدة الأميركية في تخليق سلالة جديدة من فيروس الإنفلونزا، تستطيع أن تقضي تماما على النظام المناعي لجسم الإنسان. والفيروس الجديد معدل وراثيا من فيروس إنفلونزا الطيور، الذي كان من الممكن أن يقضي على أكثر من 500 ألف إنسان في السنوات الخمس السابقة. ويقول البروفيسور يوشيهيرو كاواوكا، إن الفيروس يمكنه التلاعب بأجسام المناعة المضادة داخل جسم الإنسان و«تحييد» عملها، بحيث تمتنع عن مهاجمته تماما، مما يمكنه من الفتك بجميع خلايا الجسم للعالم بأسره. وبخلاف المحاولات الأميركية المستمرة لاستخدام الفيروسات كأسلحة بيولوجية فتاكة، هناك رحلة طويلة من الصراع بين الإنسان والفيروسات المختلفة، فلكل تحور فيروسي لقاح أو مضاد ينتجه الإنسان، ولكل لقاح تحور فيروسي جديد. وتتطور الفيروسات وتتحور بسرعة، مما يجعل السيطرة عليها وإنتاج اللقاح المناسب لها أمراً صعباً، فلقاح الإنفلونزا الموسمية لهذا العام قد لا يجدي نفعا للعام المقبل. والتطور السريع لفيروس نقص المناعة البشرية جعله متقدما بخطوة على جميع العلاجات المحتملة منذ اكتشافه. وهناك أيضاً فيروسات الحيوانات التي طورت قابلية انتقالها من الحيوان إلى الإنسان كإنفلونزا الطيور والخنازير وفيروس كورونا. دور الإنسان عندما يحوم الفيروس حول البشر لمدة من الزمن، يجعل ذلك من جسم الإنسان بيئة له. ويعني هذا أن كل طفرة عشوائية يقوم بها الفيروس ما هي إلا فرصة أخرى ليتكيف على بيئة جسم الإنسان، وبالتالي فإن الفيروس صاحب الخصال الأكثر تكيفا لديه فرصة أكبر في النجاة والتكاثر. وهذا يفسر لماذا أصبحت بعض الفيروسات كإنفلونزا الخنازير أكثر خطورة بمرور الزمن وتمكنت من تطوير القدرة على الانتقال من شخص لآخر، ولكن لا يحدث هذا دائما، فالأمر محض صدفة. وبعض الفيروسات التي راقبها البشر بشكل مقرب لبعض الوقت لم تطور هذه القدرة بعد ويقع فيروس إتش 5 إن 1 «إنفلونزا الطيور» ضمن هذه الفئة. إن قدرة الفيروسات على التكيف هي أحد الأسباب التي تجعل من السيطرة على تفشي فيروسات ككورونا وإنفلونزا الخنازير أمراً في غاية الأهمية. فكلما أطالت هذه الفيروسات البقاء حول البشر، زاد ذلك من فرص حدوث تكيفات تمكنها من النجاة وتجعلها أكثر خطورة على البشر. مقاومة البكتيريا يقول مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة أنتوني فوسي، في تصريحات لموقع فوكس: كلما زاد عدد البشر المصابين بالفيروس ارتفعت معه احتمالات حدوث تغيرات على الفيروس ليصبح أكثر تكيفاً للانتقال بين البشر. والبكتيريا تتضاعف بسرعة ولكن ليس بنفس معدل الفيروسات. فعندما نبدأ باستخدام المضادات الحيوية لقتل البكتيريا من الممكن أن يسرع هذا من عملية التطور. وتميل البكتيريا لأن تكون أكثر مقاومة متى ما قمت بالتشويش عليها، على عكس ما يحدث في الطبيعة، وذلك لأن البكتيريا لا تنسخ نفسها بنفس سرعة الفيروسات. وعندما يسيء الأشخاص استخدام المضادات الحيوية يقتل ذلك البكتيريا الضعيفة ويترك القوية لتنجو. وبعد فترة تتكاثر هذه البكتيريا القوية وتتضاعف. أي بمعنى آخر نحن نجعل البكتيريا تتطور لتصبح مميتة بشكل أكبر من خلال سوء التعامل معها. ويشكل هذا معضلة حقيقية. ففي الولايات المتحدة تقتل العدوى الناتجة عن مقاومة المضادات الحيوية 23,000 أميركي سنوياً. ولا يتم إنتاج المضادات البديلة كما كان يحدث في السابق. وتحذر منظمة الصحة العالمية من أننا قد نكون نتجه إلى عصر ما قبل المضادات الحيوية من جديد إلا إذ حدث تغير للأفضل. آفاق جديدة واكتشافات مبشرة لعل من الآفاق المبشرة أن يتوصل العلماء إلى عدة تقنيات جديدة في عالم الطب، أولها تقنية لتعديل الجينات، وتعتمد التقنية على بروتين يدعى (cas9)، ويستخدم البكتيريا كأداة أو سلاح لتقطيع الحمض النووي إلى شرائح من الفيروسات العدوانية، وأظهر الباحثون عام 2012 أنهم يستطيعون تحويل بروتين (cas9) إلى سكين صغيرة للجراحات المجهرية على الجينات. وتمثل الاكتشاف الثاني بتقنية جديدة لتصوير الدماغ، تعمل على جعل أنسجة الدماغ مرئية، مما يزيل أكبر عقبة أمام الطريقة التقليدية لتصوير الدماغ، إذ تتسبب جزيئات الدهون التي تشكل الأغشية الخلوية ببعثرة الضوء، مما يجعل أنسجة المخ مبهمة، بينما تعمل التقنية الجديدة على استبدال الدهون بجزئيات مكونة من مادة هلامية واضحة، وهو ما يجعل أنسجة الدماغ شفافة ومرئية. وأعلن باحثون أن الاكتشاف الثالث يتمثل باشتقاق خلايا جذعية من الأجنة البشرية المستنسخة، وهذه الخلايا الجذعية يمكن أن تتطور إلى أي نوع من أنواع خلايا الجسم، وهو ما يجعلها مفيدة للدراسات وعلاج الأمراض، وجرى استنساخ عدة أنواع من الحيوانات، ولكن ثبت أن التعامل مع الخلايا البشرية أصعب بكثير من خلايا الحيوانات. وتمحور الاكتشاف الرابع حول تسخير العلماء خلايا تدعى الخلايا الجذعية المحفزة لتؤدي دور كل الأعضاء الحية بالغة الصغر، وتبين عند تحليل أدمغة الناس البدائيين أن أنسجتها وبنيتها متشابهة بشكل مدهش على الرغم من أنها لا تحوي شرايين للدم، ولا تنمو أكبر من بذور التفاح، واستخدمها الباحثون لاكتساب رؤى جديدة عن صغر الرأس، وهو الشرط الذي يمنع نمو الدماغ لحجمه الكامل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©