الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ديفيد ثورو: علينا أن نقرأ ونحن نقف على رؤوس الأصابع

ديفيد ثورو: علينا أن نقرأ ونحن نقف على رؤوس الأصابع
22 يوليو 2018 19:36
محمود إسماعيل بدر (عمّان) هنري ديفيد ثورو (12 يوليو 1817 ـ 6 مايو 1862)، شاعر وأديب أميركي، وضوء بارز في حركة الفلسفة المتعالية، عرف بحبّه الشديد للحياة البسيطة الخالية من تعقيدات التّقدّم والنهضة، كتب الشعر والتاريخ، ومال تجاه الفلسفة المثالية والطبيعية، وهذا الكاتب الذي عرف بجرأته في معارضة العبودية والعنصرية، وحلّت ذكرى ميلاده في 12 يوليو الجاري، كان يرى أنّ الشعر دائما ما يقرأ بطريقة خطأ، فهو يجد أن الشعر دعوة إنسانية للفكر والتأمل، وتنشيطاً دائماً لملكات العقل، ومصدر تعب وشقاء للقراء بوجه عام. وقد عبّر عن رأيه في قراءة الشعر بقوله: «إنّ الجنس البشري لم يقرأ بعد أعمال الشعراء العظام، ذلك لأن الشعراء العظام وحدهم يستطيعون قراءتها، إنّها مقروءة فحسب كما تقرأ العامة النجوم على نحو تنجيمي في الغالب وليس على نحو فلكي». أضاف: «القراءة بالمعنى السّامي ليست تلك التي تهدهدنا كوسيلة ترفيه، وتدع الملكات العقلية تهجع فترة، لكن تلك التي يتعين علينا أن تقف على رؤوس الأصابع لقراءتها، ونكرّس لها ساعات من اليقظة والسهر». تفاصيل حياتية ولد ثورو في كونكورد بولاية ماساتشوستش، ودرس في كلية هارفارد في الفترة من 1833 إلى 1837، درس خلالها العلوم والفلسفة، وبعد تخرّجه رفض التعيين في وظيفة تقليدية، وقرر العودة إلى كونكورد، وأنشأ فيها أكاديمية مع أخيه جون روجت، المدرسة للمثل التقدمية. وفي العام 1854، نشر كتاب «والدن» أو «الحياة في الغابة»، سرد فيه وقته الذي عاشه بالقرب من الطبيعة، واعتبر هذا الكتاب جزءاً من السيرة الذاتية له، وسرعان ما ارتبط هذا العمل الأدبي الذي أثار جدلاً واسعاً بحركة الفلسفة المتعالية، وهي فلسفة روحية تبجل عظمة الخالق في الطبيعة خارج العقائد. لم يكن ثورو أديباً، فهو في الشعر ظل للشاعر الشاعر الإنجليزي ويليام وردزورث، كما يقول الناقد هارولد بلوم: «هو يحمل صورًا متعددة، منها ما هو الطبيعي، والفكري، والحقوقي، والمحتج، لكنه شكّل رابطة مع رالف إيمرسون، ووالت وإيتمان، وآخرين، وكان من نتائجها أنهم مهدوا الطريق لنهضة أدبية ظهرت بأقصى عنفوانها في أدبيات كل الجيل اللاحق، بمختلف صوره، من رواية وقصة وقصيدة ونثر وفكر ومسرح. وقد لا يبدو ثورو شخصية قلقة، فكرياً على الأقل، لكنه قلق من فكرة واحدة: لا يريد للكتب أو ما تعلّمه في الجامعة أو النقاشات الفكرية أن ترسم طريقه، يريد أن يعيش الحياة بكل تفاصيلها الحيّة، التفاصيل الصغيرة جدا، والتفاصيل الكبيرة، إن كانت جميلة إلى هذا الحد، يجب أن تكشف جمالها دون أي استثناء، وإن كانت قبيحة يجب أن يتم التّشهير بها، فالحياة حسب تصوره لا تدرّس، بل تعاش من البداية إلى النهاية، وإن كانت الحياة تدرّس، فهي ستكون نتيجة لمجموعة من اختبارات الحياة. الفلسفة لديه لا تتعلق في إضمار أفكار بارعة ولا في تأسيس مدرسة أو اتجاه، وإنما التعلّق بحب الحكمة والحياة وفقاً لتعاليمها، حياة بسيطة تعتمد على الذات والشهامة والثقة. العودة إلى الفطرة كتاب «والدن» الذي يحكي تفاصيل حياة هنري ثورو في غابة والدن لمدة سنتين، ليس كتاباً أدبياً، رغم ضروب النثر والغناء التي يفجرها هذا الكاتب المتمرد على حياة الرفاهية، في كل صفحة من صفحاته، وليس كتاباً في الاقتصاد أو تعلّم الحياة رغم أن ربع الكتاب يحاول تفسير كيف استطاع أن يبني كوخا ويزرع قطعة أرض يأكل من حصادها بأقل التكاليف، وليس كتاب تأملات في الحياة، رغم استشهادات ثورو ببعض كتابات المتأملين.. الكتاب الذي شغل العالم خلال فترته هو في الواقع خليط من هذه الأشكال الأدبية، ما سيقال أنّه تطرف في ذكر التفاصيل، هو في الحقيقة القيمة الكبرى لهذا الكتاب، حيث نجد ثورو يخصص فصلاً كاملا ًعن بناء الكوخ، بتفصيل شديد للغاية حول كل قطعة خشب، وكل أداة استعملها في بناء كوخه المعزول عن العالم، وكأنها كناية واضحة لبناء النّفس، وفي الكتاب أيضاً فصل عن الفاصوليا التي زرعها، وآخر عن البحيرة ومقاساتها وعمقها، وفصل عن الروائح والأصوات والثلج والربيع والطيور. ما يميز هذه الحياة الوادعة في الغابة هي التفاصيل. الكتاب ليس تأملا ولكنه مغامرة كبرى تدوم للحظة ثم تختفي، وتفتح صفحات جديدة لمغامرات في الحياة، وهذه التفاصيل في الغابة يضع بمقابلها تفاصيل معيشية في الحياة المدنية وما يعتريها من ضغوطات وفقدان للتوازن، فهو يرى في النهاية أن البشر أصبحوا أدوات لأدواتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©