الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الصواب والخطأ» طريق لاكتساب الخبرات

«الصواب والخطأ» طريق لاكتساب الخبرات
26 يناير 2017 09:08
خورشيد حرفوش (القاهرة) تبدأ رحلة «الصواب والخطأ» عندما يبدأ الطفل في التحرك ووصول يديه إلى الأشياء، إذ يصبح بإمكانه العبث بالأجهزة الحساسة والخطرة وجذب مفارش المناضد بما عليها، وجذب الأطباق الساخنة، أو مقابض أفران المطبخ، وفرد لفافات ورق الحمام، وإفراغ محتويات الأدراج والدواليب وأرفف الكتب. مثل هذا السلوك من الطبيعي أن يزعج الأم، ومن ثم تفكر في كيفية ضبط سلوك الطفل وتهذيبه. الأسباب والنتائج تقول الدكتورة هالة السويفي، استشارية الصحة النفسية بمستشفيات جامعة عين شمس، إن الصغار لا يعرفون معنى الخطأ أو الصواب، ومن المنطق ألا نعتبر ما يرتكبونه من حماقات أعمالاً شريرة، لأنهم يتعلمون ويكتسبون من محيطهم الخبرات والمهارات شيئا فشيئا بالاعتماد على الملاحظة والتجربة، ومن ثم يدركون العلاقة بين الأسباب والنتائج، موضحة أنهم في هذه الرحلة الطويلة من النمو والتعلم يختبرون الكبار وكأنهم يسألون أنفسهم: «ماذا يحدث عندما أقلب كوب العصير؟ وماذا يوجد في أدراج المكتب؟ وماذا سيحدث إذا أخرجت محتوياته؟ وكيف ستكون ردة فعل أمي؟». وتؤكد أن الطفل عندما يختار أن يغضب الكبار، لا يعني ذلك أنه شرير، ووصفه بالسوء والشر يؤثر في ثقته في نفسه. وتكرار مثل هذه النعوت يساعد في أن يصبح الشخص فيما بعد شخصاً سيئاً. وتضيف «رغم أن الطفل لن يلم بمفهومي الصواب والخطأ إلماماً كاملاً إلا بعد وقت طويل، إلا أن على الآباء والأمهات البدء بتقديم النموذج. وعليهم غرس بذور التحكم في النفس لدى الطفل، التي ستتجذر بمضي الوقت. ورغم ارتباط لفظ تهذيب أو تنظيم في عقول الكثيرين ببنية ما، وقواعد محدده وضوابط وعقوبات إلا أن أصل اللفظ يعني التعليم. فمن البداية يجب مساعدة الطفل حتى يستوعب الأشياء الآمنة وغير الآمنة حوله، أو على الأقل الأفعال المسموح وغير المسموح بها». وتؤكد أن المسؤولية الكاملة تقع على الأسرة في إبقاء محيطه آمنا. وعلى الوالدين أن يدركا أن إبداء عدم الحب للطفل يهدد تقديره لذاته. وأن التعلم الجامد الذي لا هوادة فيه، ليس الأكثر فاعلية، ولا يعني ذلك أيضا التساهل، موضحة أن فرض النظام الصارم بدلاً من تشجيع التحكم في النفس وتطوير العادات الصحيحة، يجعل الطفل شخصا شديد الخنوع للوالدين. إلا أنه إذا بعد عن السلطة الأبوية أو سلطة الكبار يصبح شخصا جامحا. كما أن الوالدين شديدي التراخي لن يجعلا من طفلهما شخصا حسن السلوك يمكنه التكيف مع الواقع المحيط به. ومثل هذا الطفل في المستقبل يصبح إنساناً أنانياً، وسريع التمرد والجموح، وعدم الإذعان. فالوالدان الصارمان يعطيان انطباعا بالقسوة والجمود العاطفي، لافتة إلى أن الوالدين المتساهلين يتركان لدى الطفل شعورا بعدم الاهتمام. فقدان السيطرة وتذكر أن معظم الأطفال لا يستطيعون التحكم في أنفسهم أو في نزواتهم، كما يتملكهم الخوف لدى فقدانهم القدرة على التحكم. لذا لا بد من توضيح الحدود التي يرسيها الوالدان حتى يبقى الطفل في أمان، ولا يجوز أن يكون صغر سن الطفل مبرراً لفعل شيء من شأنه أن ينتهك الحدود التي حددتها الأسرة، مثل عدم الأكل في غرفة المعيشة، وعدم الوقوف على الأريكة بالحذاء، أو الابتعاد عن مكتب الوالد، أو عدم العبث في أدراج المطبخ أو موقد الغاز. وتلفت إلى أنه يجب أن يتوافر في عملية ضبط الحدود السلوكية عامل الاتساق وعدم التناقض، فإذا منعت الأم الطفل مثلا من الوقوف على الأريكة بالحذاء اليوم، فيجب ألا تسمح له بذلك غدا. كما ينبغي ضرورة متابعة ما يطلب منه أو ينهى عنه، فإذا وجدت الطفل يلعب بأسلاك التليفزيون، لا تنهره فحس، ثم تتركيه يلعب بها في وقت آخر. فإن لم تتابع ما نهرته عنه حتى لا يؤذي نفسه، فلا جدوى من التأنيب. فإن لم يستجب الطفل لطلب الأم عليها أن تقم فوراً وتحمله بعيداً عن أسلاك التليفزيون إلى مكان آخر وإن استمر في البكاء والصراخ، وعليها أن تشغله أو تحول اهتمامه إلى شيء آخر كلعبته المفضلة، ومن الممكن أن تغلق باب الغرفة أو المطبخ لتمنعه من الزحف إلى المكان، وحتى يترسخ لديه أن ما يقدم عليه إنما هو فعل ممنوع وغير مقبول. وتقول: على الأم أن تدرك أن ذاكرة الصغار محدودة، وألا تتوقع أن يتعلم الطفل الدرس من المرة الأولى، بل تتوقع أن يكرر ما منعته عنه في وقت لاحق، لذا عليها أن تتحلى بالصبر والروية، وتكرر النهي والحظر حتى تطمئن أن ذلك استقر في ذاكرته. وتوضح أن قاعدة التصويب والإثابة أجدى وأسرع تأثيرا من العقاب والنهي والمنع. وكثير من الحالات التي يعاقب فيها الطفل لا يعرف سببا للعقوبة، أولا يفهمها. فالطفل مثلا، لا يربط بين حبسه في سريره وبين سكبه الملح أو السكر على الأرض. لذا من الأفضل أن تمتدحه الأم إن نفذ ما تقول له، لتدعيم السلوك الحسن منه. ومن الممكن للأم أن توظف الفكاهة على مواقف تنظيمية أخرى، كأن تطلب منه أن يفعل ما تتوقع منه أن يرفضه وهي تقلد حيوانا يحبه. كذلك يمكن لها أن تطلب منه أمرا بأداء أغنية أو موقف تمثيلي يلفت انتباهه، فالحديث إلى الطفل بأسلوب فكاهي وغير جدي سيجعله يستجيب بسهولة لما يطلب منه. تصحيح المسار تنصح الدكتورة هالة السويفي، استشارية الصحة النفسية، الأم أن تستبدل كلمات النهر والتهديد بكلمات جميلة مثل «من فضلك» و«شكرا» وتحاول أن تشرح له الأمر حتى ولو لم يفهم، وإذا منعت عنه فعل شيء ما عليها أن تكون متفهمة لاحتياجات الطفل ومشاعره، وأن تتجنب إرباكه وإشعاره بالخجل، بأن تنهره أمام الآخرين مثلاً. ولا يجوز أيضاً أن تتوقع الكمال فيما تفعله. فلا يوجد والدان لا يفقدان تماسكهما أبداً. ولا يصيحان في الطفل أو يوجهان إليه التأنيب. فالتعبير عن الغضب بين الحين والآخر قد يكون أفضل من كبت المشاعر باستمرار ما قد يتسبب في انفجار عنيف بشكل لا يتناسب مع الحدث الذي وقع. فإذا وجدت الأم ما يفقدها سيطرتها على نفسها بشكل مبالغ فيه، عليها أن تحاول معرفة سبب ذلك؛ هل أنها غاضبة من نفسها أو من شخص آخر، وتقوم بالتنفيس عن هذه المشاعر بتوبيخ الطفل؟ هل وضعت للطفل حدوداً مبالغاً فيها؟ أم أنها أتاحت له الفرص ما دفعه إلى إساءة التصرف؟ إن كان الأمر كذلك، عليها أن تحاول تصحيح المسار. لعبة «لا» عادة ما يتحدى الأطفال «لاءات» الوالدين. في هذا الإطار، تقول الدكتورة هالة السويفي، استشارية الصحة النفسية: إنه يجب أن تحرص الأم ألا تصبح كلمة «لا» لعبة يتسلى بها الطفل؛ فالإفراط في استخدامها يفقدها فاعليتها. كما إن كثرة اللاءات تحبط الطفل. لذلك تنصح الأم بأن تتذكر أنه ليس كل المشاكل أو المواقف تستحق الدخول في معارك. فيمكن إقران كلمة «لا» بكلمة «نعم» أو ما يفيد الترغيب والموافقة، كأن تقول الأم للطفل: «اترك لعبة أختك وخذ لعبتك»، كما يمكنها أن تدع الطفل يكتسب الخبرة أحياناً إذا لم تكن المخاطر كبيرة، كأن تتركه يسقط من على الأريكة مع وضع وسادة لينة على الأرض لحمايته، من دون أن تقول له «لا تصعد على الأريكة»، ليدرك أن تسلق المقاعد محفوف بالخطر. فهو في حاجة إلى ارتكاب الأخطاء غير المكلفة التي يتعلم منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©