الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«امرأة مجهولة الهوية» في أبوظبي

«امرأة مجهولة الهوية» في أبوظبي
19 ابريل 2018 12:15
مع إنها كانت المرة الأولى التي تغادر فيها أوروبا.. والمرة الأولى التي تزور فيها قارة آسيا، إلا أنها عندما وصلت إلى مطار أبوظبي في أكتوبر عام 2017، يرافقها خبير فرنسي عالي المستوى للتأكد من أنها محاطة بعناية فائقة ومحمية بحرفية شديدة، لم يكن الجميع يدرك بعد أهمية وجود «امرأة مجهولة الهوية» على أرضنا. إنها زائرة من النوع الخاص، أتتنا من بلاد النور والفن لتعلن البدء في مراسم تتويج متحف «اللوفر أبوظبي» كأحد أهم المراكز الفنية في الشرق الأوسط والعالم العربي. عرفت لقرون باسم «لوحة لامرأة مجهولة الهوية» La belle ferronnière ،وذلك لأن الجميع احتار في هوية صاحبتها. قال البعض، إنها لوحة للملكة إيزابيلا من أرغان، وبقيت لسنوات عدة متهمة بكونها رسماً لعشيقة ملك فرنسا «فرنسوا الأول» الذي جلب إلى بلاطه العديد من الرسامين والكتّاب والشعراء، تشجيعاً لحركة الآداب والفنون التي راجت كثيراً في عهده، ويعتقد أن التشابه في الأسماء أو بقاء اللوحة لفترة طويلة ضمن مجموعته الفنية الخاصة هو ما رجّح هذه النظرية التي استبعدت تماماً فيما بعد. إن النقّاد الفنيين اليوم يؤكدون أن المرأة مجهولة الهوية التي في الرسم ليست إلا «لوكريزيا كريفللي»، عشيقة دوق إيطالي عاش في ميلانو في أواسط القرن الخامس عشر، وكعادة الأغنياء في ذلك العصر، أراد الدوق رسم محبوبته بريشة أشهر وأمهر الرسامين في بلاطه ليخلّد ذكرى هذا الحب وجمال تلك المرأة، فكانت ولادة تلك التحفة الفنية الرائعة بين عامي 1495 و1499 على يد أحد أكبر مبدعي عصر النهضة الذهبي، ليوناردو دافنشي. ألغاز دافنشي قيل عن دافنشي أنه أذكى البشر على الإطلاق، فقد ترك ألغازاً في أعماله بعضها لم يحل إلا بعد خمسة قرون من وفاته، وبعضها الآخر بقي غامضاً حتى اليوم. فهذا الطفل غير الشرعي المولود في بلدة فينشي الإيطالية، من أم من العامة ومن أب من ملاّك الأراضي، ترك بصمة كبيرة في عالم الفن الإبداعي. ومع أنه تلقى تعليمه في المنزل وافتقر للتعليم الرسمي إلا أنه لقّب بـ«أكثر الفنانين عبقرية على مرّ العصور». دافنشي الذي قال يوماً،«لقد استيقظت، ولكني وجدت أن العالم ما زال نائماً»، لم يكن فناناً موهوباً فحسب، بل تبحّر في مجالات عدة، كالهندسة وعلم النباتات والجيولوجيا والموسيقى وعلم التشريح. يكفي أن نعلم أنه رسم الخطوط الأولى لما يسمى اليوم بالسقوط المظلي (الباراشوت) قبل «سيباستيان لينوماند» مخترعها الرسمي بأكثر من مئتي عام لندرك كيف أنه كان سابقاً لعصره بأجيال. عرف العالم المعاصر دافنشي عموماً من خلال «الموناليزا»، اللوحة التي رسمها عام 1503 واختارها، لسبب ما، لترافقه مع اثنتين غيرها من أعماله في رحلته الأخيرة من إيطاليا إلى فرنسا. عبر بها جبال الألب دون أن يدرك أنه يحمل بين يديه الدليل الذي سيخلّد فنه وعبقريته، فتلك اللوحة التي رافقت مبدعنا حتى مماته عام 1519، أصبحت اليوم الأشهر والأثمن على الإطلاق. أما لوحتنا المميزة، «امرأة مجهولة الهوية»، فحكايتها مختلفة تماما. فقد لقبت في الكواليس الفنية لفترة طويلة باسم «مدرسة دافنشي»، وذلك نسبة إلى أن جميع العاملين مع ليوناردو تركوا بصمتهم الفنية عليها، ما أثار جدلاً طويلاً حول أصول اللوحة، حتى وصل الأمر بالبعض إلى أنهم نسبوا العمل برمته إلى مساعد دافنشي الأشهر «جيوفانو بولترافيو». لكن إذا عرفنا أن ورش العمل الفنية في تلك الحقبة كانت تعتمد على العمل الجماعي لمساعدي الرسام سندرك بالتأكيد أن تغيّر الأسلوب في الرسم لا يعني أن العمل ليس من أعمال الفنان الرئيسي. إثبات نسب وإثباتاً لهذه النظرية أقيم تحقيق دقيق لمعرفة مصدر هذه اللوحة، حيث استعين بالطرق الحديثة في تتبع أصول اللوحات جينياً، وجاءت نتائج التحقيقات لتؤكد أن القطعة الخشبية التي استعملت في هذه اللوحة لا تعود فقط إلى نفس الحقبة التاريخية التي عاش فيها المبدع العالمي الذي عاصر رفاييلو ومايكل آنجلو بل إلى نفس الشجرة التي صُنعت منها لوحة أخرى لليوناردو كان قد رسمها في الفترة الزمنية نفسها، أي خلال إقامته الأولى في مدينة ميلانو الإيطالية، وهذا ما يضعنا أمام الدليل القاطع بأن اللوحة من أعمال ليوناردو وأنها بلا شك قد خرجت من ورشة عمله الفنية. أما صور الأشعة السينية للوحة التي أعادتها إلى أصولها الأولى، فوجدت أن هنالك تشابهاً كبيراً بين الأسلوب الذي رسمت به «لوكريزيا كريفللي» وغيرها من لوحات دافنشي المعروفة كـ«الموناليزا» و«السيدة مع الإيرمين»، وبذلك قطعت التحقيقات العلمية الشك باليقين وأعلنت لوحة «امرأة مجهولة الهوية» إحدى أهم وأجمل أعمال ليوناردو دافنشي. ضيفة لسنة زائرتنا الجميلة هي باكورة الأعمال الفنية ال 300 المعارة من المتاحف الفرنسية، هي عبارة عن لوحة زيتية رسمت على خشب الجوز لا تتجاوز أبعادها الـ 44 و62 سم، لكنها أسرت بغموض هوية صاحبتها العالم لسنوات.. دوّنت في سجلات متحف «اللوفر باريس» عندما وصلت إليه عشية افتتاحه باسم «جميلة الحدّاد». ويرجح أن السبب بهذه التسمية يعود إلى كون والدها أو زوجها يعمل حدّاداً، أو تيمنا بتلك الحلية التي تتوسط جبينها والتي كانت في تلك الآونة من آخر صيحات الموضة. قد تكون فعلاً أجمل وأكبر هدية يقدمها «اللوفر باريس» إلى «اللوفر أبوظبي»، لكن مما لا شك فيه أنه لو أدركت «لوكريزيا» أنها كانت تقف أمام ريشة أول من شرح «لماذا السماء زرقاء» و«كيف أن الهواء ينقل الضوء»، و«كيف يقوم القمر بعكس الضوء»، وأول من خرج بفكرة «التقاء خطوط المجسمات في نقطة واحدة»، ربما لكانت ابتسمت بغموض كما فعلت «الموناليزا» أو على الأقل لكانت أخفت ذاك الحزن الفاضح في عينيها. «تعلم كيف ترى لتدرك بأن كل الأشياء متصلة ببعضها البعض». مقولة أطلقها ليوناردو وهو مدرك بأن الإنسانية ستستطيع ولو بعد حين فك الشيفرات الغامضة التي زرعها عمداً في حنايا أعماله. وإذا ما استعملنا هذه المقولة لنتأمل لوحة «جميلة الحدّاد» التي تزيّن جدران متحف «اللوفر أبوظبي» اليوم، سندرك أنه استخدم تقنية مشابهة للتي رسم بها معظم أعماله الخالدة، تاركاً بصمة لا تتكرر في الأسلوب والإبداع. فانكسار الضوء الوردي على وجنتي جميلتنا، وتلك التقنية الدقيقة في رسم الحلية التي تزيّن جبينها، والبراعة التامة في متابعة خطوط الطوق الذي يعانق جيدها، وطريقة خلط الألوان بعضها ببعض، ورسم الظلال، واستخدام البعد الثالث ببراعة شديدة، جميعها أسباب تجعل من لوحة «جميلة الحدّاد» كأخواتها من لوحات دافنشي تحفة فنية نادرة بريشة مبدع عالمي لا يقارن يشوبها الغموض والجمال في آن واحد. جمال منثور هنا.. في متحف اللوفر.. في السعديات أبوظبي.. التاريخ يتكلم.. يهمس أسماء المئات من المبدعين العالميين علّنا نسمع! فلنتوقف قليلاً عن اللهاث وراء آليات ما يسمى اليوم بالعصر الحديث، ولنسترق السمع للحديث الذي يدور في أروقة هذا المتحف الجميل المحاط بالماء من ثلاث جهات، والمحاط بالتسامح والانفتاح من جميع الجهات. لنصغ بتمعن إلى صدى الجمال الحقيقي يتردد في زوايا هذا الصرح المعماري المتميز، الذي أبدع تصميمه الفرنسي «جان نوفيل» ليبوح جهراً بسحر الشرق الذي لطالما ميّزنا وأغنيناه. «جميلة الحدّاد» ضيفتنا لمدة عام واحد فقط، ووجودها بيننا مدعاة للفخر، فهي أجمل نتائج المعاهدة التي وقعها متحف «اللوفر أبوظبي» مع نظيره الفرنسي. فهذه اللوحة التي يزورها في فرنسا أكثر من سبعة ملايين معجب سنوياً، لم تغادر متحف «اللوفر باريس» منذ افتتاحه إلا نادراً.. فخلال العشر سنوات الأخيرة لم تعرض إلا في بريطانيا، في المتحف الوطني في لندن، وفي إيطاليا، مسقط رأس مبدعها، وذلك لمدة ثلاثة أشهر فقط. هي فرصة لا تعوض لرؤية إبداع فني من القرن الخامس عشر.. هي إرث نادر لفنان لم يبق من أعماله اليوم في العالم أجمع سوى خمس عشرة لوحة، فدعونا نرحب بالفن العالمي الذي يقرع أبوابنا في حقبة تقرع بها، للأسف، الحروب الهمجية أبواب بلدان أخرى.. عندما يتعذر علينا رؤية الجمال المنثور على أعتابنا.. سيصعب علينا حتما اكتشاف الجمال الحقيقي المكنون في أرواحنا. رمز عصر النهضة يقدم متحف اللوفر أبوظبي تعريفاً مختصراً للوحة «بورتريه لامرأة مجهولة الهوية»، فيبيّن إنها رسمت في إيطاليا، ميلان، 1495-1499. وهي منفذة بألوان زيتية على الخشب. وتعود ملكيتها إلى متحف اللوفر، قسم اللوحات، باريس. أما مبدع اللوحة، فإن اسمه الكامل هو ليوناردو دي سير بيرو دا فينشي &rlm(15 أبريل 1452 - 2 مايو 1519) كان موسوعياً ينتمي إلى عصر النهضة، حيث كان رساماً، مهندساً، عالم نبات، عالم خرائط، جيولوجياً، موسيقياً، نحاتاً، معمارياً وعالماً إيطالياً مشهوراً. ولأنه كان رجلاً عبقريًا ذا موهبة عالمية في عصر النهضة، فقد جسد روح عصره كاملاً، ما أدى ذلك إلى اكتشاف كبار نماذج التعبير في مختلف مجالات الفن والمعرفة. وكثيراً ما وُصف ليوناردو باعتباره رمزاً لرجل عصر النهضة، ورجل ذي «فضول جامح» وصاحب «خيال إبداعي محموم». كان دافنشي صاحب رؤية مميزة في الحياة، ومن أقواله: ـ إن الطبيعة لطفت بنا لأنها جعلتنا نعثر على المعرفة حيثما أدرنا وجوهنا في هذا العالم. ـ إن الرجال الأجلاف ذوي الإدراك السطحي لا يستحقون سوى كيس يستوعبون به طعامهم ويخرجونه ثانية، لأنهم لايعدون إلا أن يكونوا قناة هضمية. ـ كثيرون هم الذين اتخذوا من الأوهام والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم. ـ ما إن تتذوق طعم الطيران ستسير دوماً على الأرض فيما عيناك معلقتان في السماء، حيث إنك كنت هناك، وإلى هناك ستتوق إلى العودة دوماً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©