الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

يونيس وروزماري.. قصة إنسانية تصنع تاريخ الأولمبياد الخاص

يونيس وروزماري.. قصة إنسانية تصنع تاريخ الأولمبياد الخاص
17 مارس 2018 00:17
عبدالله القواسمة ( أبوظبي) لكل قصة بداية عادة ما تشمل تمهيداً لأحداثها أو حبكتها الرئيسية وتعريفاً بأبرز شخصياتها الرئيسية والفرعية، لكن عند الحديث عن الأولمبياد الخاص وقصته الممتدة على مدار عقود طويلة، تبرز شخصيتان رئيسيتان صاغتا تاريخ هذه المنظمة العالمية الإنسانية التي باتت تحتل مكانة واسعة من اهتمامات الدول على الصعيد العالمي. الشخصيتان هما الشقيقتان الأميركيتان يونيس وروزماري كينيدي شرايفر، اللتان ومن باحة منزلهما الخلفية قامتا بصناعة هذا التاريخ الممتد من منتصف القرن الماضي، حيث كانت البداية في النظرة التي كانت سائدة لذوي الإعاقة الذهنية على مدار القرون الماضية، وهي مشوهة، فالكثيرون منهم كانوا يقضون نحبهم بسبب التعامل اللا إنساني، إذ كانوا يعاملون وكأنهم وصمة عار أو لعنة حلت على عائلاتهم، كما أنهم كانوا حبيسي غرفهم أو المصحات العقلية التي تفتقر إلى أدنى درجات الاهتمام والرعاية، إذ يكفي لإخماد ثورات غضبهم وعنفهم واعتراضهم المبطن على الحياة الكئيبة التي كانوا يعيشونها، أن يقوم الطبيب أو المختص آنذاك بإخضاعهم لجلسات العلاج بالكهرباء والتي تسهم في إنهاكهم وزيادة معاناتهم. الفتيات كن يخضعن إلى عملية استئصال لأرحامهن خوفاً من زيادة معاناة عائلاتهن، كما أن بعضهم كانوا يخضعون إلى جراحة لإزالة أجزاء من أدمغتهم، حتى أن بعضهم كانوا يخضعون إلى هذه العمليات دون تخدير، ويحمل التاريخ روايات مرعبة في طريقة التعامل مع هذه الفئات، روايات تقشعر لها الأبدان. قصة الأولمبياد الخاص بدأت عندما أدى خطأ طبي أثناء عملية ولادة الفتاة الأميركية روزماري كينيدي شرايفر في عام 1918 إلى نقص في الأوكسجين والذي تسبب في تلف أصاب دماغها لتصبح بالتالي معاقة ذهنياً، مما أحدثت صدمة كبيرة لدى عائلتها، إذ لم تكن الأم تعلم أن إصرار الممرضة على عدم إجراء عملية الولادة نظراً لتأخر الطبيب سيتسبب في هذه المأساة، لتنقلب الأفراح بولادة روزماري إلى حزن وكبد شديدين حتى أن العائلة رأت أنها أشبه بلعنة حلت عليها، ومن هنا كان تعامل العائلة مع ابنتها المعاقة ذهنياً لا يختلف كثيراً عن المعاملة التي كان يلقاها أقرانها من ذوي الإعاقة الذهنية في ذلك الوقت، حيث الإهمال والقيام بحبسها في غرفة خاصة بعيدة عن أنظار الزوار والجيران. في عمر 23 عاماً كانت روزماري تخضع إلى عملية جراحية في الدماغ، إذ كان والدها مرعوباً من النمو المتسارع في جسدها والذي رأى فيه إحراجاً له ولعائلتها، حيث ساهمت هذه العملية في عدم قدرة الفتاة على التحدث أو المشي بشكل طبيعي لفترة طويلة، رغم أن الكثير ممن كانوا على علاقة مع روزماري آنذاك يؤكدون أنها ورغم إعاقتها الذهنية فإنها كانت تملك القدرة على التفاعل مع محيطها، لكن هذا الأمر كان يسبب القلق الشديد لوالدها. وحبا الله روزماري بشقيقة صغرى أخرى تدعى يونيس شرايفر والتي لولاها لما عرف العالم أجمع قصتها ولا قصة الأولمبياد الخاص، إذ كانت يونيس تمتاز بروحها الأخاذة الرافضة للعنف المؤمنة بالمساواة الاجتماعية ورفض إقصاء أي فئة كانت على حساب الأخرى، وعرف عن يونيس مزاولتها للأنشطة الرياضية، إذ لمست فيها القدرة على تحسين الروح والجسد في آن معاً، ومن هنا كانت تقوم برعاية شقيقتها من خلال إشراكها في بعض الأنشطة الرياضية في باحة المنزل لتلمس تحسناً كبيراً في قدرات روزماري الذهنية، كما لمست مقدار السعادة التي بدأت تشعر بها روزماري وتحسن مزاجها بعد ممارسة النشاط الرياضي. لم تكتف يونيس بذلك، بل إنها لمست وبعد التحسن الملحوظ الذي طرأ على شقيقتها أن بإمكانها أن تقرع الجرس، وأن تكون أول من يبادر إلى خرق الأفكار القديمة التي تتحكم في المجتمع وتعمل على إقصاء ذوي الإعاقة، لتوجيه الدعوة لأقران روزماري لخوض تحدٍ رياضي في مخيم صيفي خاص أقامته في باحة منزلها الخلفية أطلقت عليه مخيم شرايفر في عام 1962، وهدفت من خلاله إلى استكشاف مهارات الأطفال في مختلف أنواع الأنشطة الرياضية، إذ كانت تؤمن بأن إتاحة الفرصة والتجارب للمعاقين ذهنياً كغيرهم من الأشخاص من شأنه أن يدفعهم إلى تحقيق الإنجازات والتفاعل والتكيف مع المجتمع بشكل أفضل، لتنطلق من هذا المخيم فكرة الأولمبياد الخاص الذي عقدت أول دورة له بعد ذلك في شيكاغو عام 1968 ومنه بدأت مسيرته حتى وصل إلى العالمية. قصة الأولمبياد الخاص الممتدة من روزماري شرايفر وشقيقتها يونيس ما زالت قائمة وفصولها تتوالى في كل عام وبشكل أجمل وأفضل مما سبق، ذلك لأن القدر ساق أن يشهد التاريخ ولادة هاتين الشخصيتين المؤثرتين، فالأولى المعاقة ذهنياً كانت تؤمن بأن فكرة المساواة كانت تستحق القتال والموت من أجلها، في حين أن يونيس لم تقم سوى بقرع الجرس وتعريف العالم بهذه الفئة المهمشة التي تستحق الاندماج في المجتمع، وأن تتساوى حقوقهم مع الأفراد دون تمييز أو تفرقة. غادرت روزماري الحياة عام 2005 عن 86 عاماً، وأعقب ذلك وفاة شقيقتها يونيس في عام 2009 عن 88 عاماً، لتخلفا وراءهما إرثاً إنسانياً ما زال قائماً وتتصاعد وتيرته بسرعة في شتى أنحاء العالم، لتدونا اسميهما في التاريخ الإنساني كإحدى أكثر الشخصيات تأثيراً في الحركات المطالبة والمساواة والعدالة بين أفراد المجتمع كافة، ومع احتضان أبوظبي للألعاب الإقليمية هذه الأيام والألعاب العالمية العام المقبل، فإن جميع من يشاركون في هذين الحدثين بالتأكيد سيتذكرون إرث هاتين الشخصيتين اللتين لن يمحوهما التاريخ بسهولة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©