الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حملات الديمقراطيين ومزاج الناخبين الأميركيين

حملات الديمقراطيين ومزاج الناخبين الأميركيين
2 مارس 2008 04:04
''إن في وسعنا وضع حدٍ للحرب، وإنقاذ كوكب الأرض، بل إن في وسعنا تغيير العالم كله''· هذا هو لسان حال المزاج الأميركي العام هذين اليومين، إذ لم يعد حماس الناخبين العارم للتغيير مجرد شعار سياسي فحسب، وإنما أصبح تعبيراً عن رغبة قومية أوسع نطاقاً، هي التي أعادت ''الديمقراطيين'' مجدداً إلى ساحة التنافس والمنازلة مع ''الجمهوريين''· فما هي إلا سنوات قليلة ماضية فحسب، ما كان فيها ممكناً لأي من المرشحين الرئاسيين ''الديمقراطيين'' أن يدعي لنفسه أو حزبه كل هذه القدرة على التغيير، على نحو ما اقتطفنا أعلاه· فإن فعل وأعلن ذلك صراحة عبر شتى وسائل الإعلام خاصة برنامج Super bowl التلفزيوني، فلا شك أن يرميه كثير من المحللين السياسيين بالخبل أو فقدان الرشد· والمعلوم عن هذا البرنامج واسع الشعبية، الذي يشاهده ما يقارب ثلث الجمهور الأميركي أنه مختص بعرض المنافسات القومية في لعبة كرة القدم، إلى جانب الفقرات الترفيهية المرتبطة بها عموماً· وهو بهذه الصفة أبعد ما يكون عن القضايا ذات الطابع السياسي أياً كانت، سواء المتعلق منها بمعارضة الحرب على العراق، أم بقضايا البيئة، أم مكافحة الفقر والدعوة إلى السلام···· إلى آخره· غير أن الذي حدث أن المرشح الرئاسي ''الديمقراطي'' باراك أوباما تمكن يوم قبل بضعة أيام من بث 30 دقيقة من دعايته الانتخابية عبر برنامج Super bowl. وقد كان لهذا البث وقعه على جمهور المشاهدين الذي تابع بكثير من الاهتمام هذا الحدث الذي أعاد لليسار الأميركي مجد رمزيته التي طالما افتقدها طوال السنوات الأخيرة الماضية· وقد عرض البرنامج صوراً لمواكب احتجاجات ومظاهرات، وصوراً أخرى عن الفقر ومشاهد الدمار البيئي، وعن ويلات الحرب، إضافة إلى صور مجموعات وتجمعات متعددة الأعراق تعبر عن أحلامها وأمانيها بحياة أفضل· ولم يكن البرنامج موجهاً إلى شريحة اجتماعية ضيقة، مثل مجموعة من الطلاب الناشطين، أو لشرائح الأفارقة الأميركيين في كارولينا الجنوبية مثلاً، وإنما استهدف قطاعاً عريضاً من جمهور كرة القدم وبرامج التسلية، برسالة لم يخف فيها طابع الحنين والنظرة السياسية المثالية· ويلفت هذا البرنامج الدعائي الذي بثه أوباما الأنظار إلى حدوث تغير مهم في السياسات الخاصة بالحزب ''الديمقراطي''، على نحو يصعب تفادي الانتباه له· ذلك أن ''الديمقراطيين'' كانوا في مواقع الهجوم قبل بضع سنوات فحسب· فقد تصدى بعض قادته الذين اشتد بهم القلق إزاء قوة الحزب ووزنه الشعبيين -خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي- إلى الترويج لضرورة أن يتخذ ''الديمقراطيون'' موقفاً حازماً وصلباً في هذه القضايا بالذات· وسرعان ما أفضى ذلك الاتجاه إلى نتائج محبطة بسبب شعار ''وأنا أيضاً'' الذي رفعه ''الديمقراطيون'' وتدافعوا لإظهار أنهم ليسوا بتلك الصورة الكاريكاتيرية الهزيلة التي يرسمها عنهم خصومهم ''الجمهوريون''، بل إنهم أقوياء الشكيمة حازمون وذوو بأس، وأنهم أشد ''الصقور الأشد من الجمهوريين'' لحماسهم في خوض الحروب وتعقب الإرهابيين وقتلهم، إلى جانب استعدادهم للتضحية بالحريات المدنية في سبيل خدمة أهداف الأمن القومي· وهكذا كان حال ''الديمقراطيين'' أيضاً في القضايا المحلية· فبدافع الخوف على شعبية الحزب، أيّد غالبية أعضاء الكونجرس من ''الديمقراطيين'' سياسات خفض الضرائب المدمرة التي اتخذها بوش في عام ،2004 على سبيل المثال· وبوجه عام، فقد تحاشى قادة الحزب استخدام أي عبارات أو صور من شأنها أن تثير ذكريات ستينيات القرن الماضي في أذهان عامة الشعب الأميركي· فقد ساد بينهم الاعتقاد أن أي إثارة من قبل قادة الحزب ورموزه لقضايا الحركة المناهضة للحرب أو للحركات النسوية والعرقية أو إثارة قضايا الفقر ستكون بمثابة هدية مجانية من الحزب إلى خصومه اليمينيين الذين سيستغلونها ضده أيما استغلال· غير أن مشاعر الخوف تلك قد تلاشت جميعها الآن، وفجأة تحول ''الديمقراطيون'' إلى الموقف الهجومي· وبالنتيجة فلم يعد شعار التغيير هو الدافع المحرك للحملات الانتخابية للمرشحين ''الديمقراطيين'' فحسب، بل يبدو أن له وجوداً ملحوظاً في الواقع اليومي لحياة الضواحي والمدن الأميركية الصغيرة، وفي الجامعات والكليات، بل وحتى في حفلات برنامج Super bowl نفسها· وفي الحقيقة، فإن هذا البرنامج الدعائي الذي بثه أوباما، يعد مغامرة سياسية قوامها الرهان على أن من شأن رمزية الحركة الاجتماعية المرتبطة باليسار الأميركي فيما مضى، أن تلهم عامة الأميركيين بدفقة جديدة من الحماس بدلاً من أن تثبط همتها· وكما توقع أوباما، فقد صح رهانه بدليل حسن استقبال الجمهور وتجاوبه مع ما عرضه من فقرات سياسية في برنامج عرفت عنه طبيعته الترفيهية المرحة· بل إن النجاح العام الذي لا تزال تحققه حملة أوباما الانتخابية، يؤكد صحة قراءته للمزاج العام الأميركي· ومن جانبها، فقد أدركت منافسته هيلاري كلينتون أن ''الديمقراطيين'' يعملون في واقع متغير الآن· ولذلك فقد كثفت سعيها هي الأخرى لمخاطبة الروح المثالية ذاتها التي استهدفها أوباما في ناخبيه، فضلاً عن سعيها لإثارة مشاعر الحنين الأميركي العام ذاتها إلى تلك اللحظة البعيدة من لحظات الماضي، التي خيل فيها للمواطنين أن في وسع بلادهم تغيير العالم بحق، وإعادة تشكيل أميركا على النحو الذي يحلم به القطاع الأعرض من الناخبين· بيد أن الوقت لا يزال مبكراً جداً للحكم على ما إذا كانت هذه الروح المثالية هي التي تدفع بأعداد متزايدة من المستقلين دعك عن ''الديمقراطيين'' للتصويت لصالح المرشحين الديمقراطيين في هذه الجولة التمهيدية من الانتخابات الرئاسية أم لا· روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©