الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المواطن» فيلم هوليوودي يصور أميركا بعيون مهاجرين عرب

«المواطن» فيلم هوليوودي يصور أميركا بعيون مهاجرين عرب
16 أكتوبر 2012
هشام أحناش (أبوظبي) - بتأليف وإخراج عربي، وبطولة عربية، وتمويل أميركيين ذوي أصول عربية ومسلمة، وأداء ممثلين أميركيين معظمهم من أصول أجنبية، استطاع المؤلف والمخرج السوري سام كعدي أن يلفت إليه الأنظار في أول فيلم روائي طويل يخرجه. ولعل فوز الفيلم بجائزة أحسن فريق عمل في الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان بوسطن السينمائي لم تأت صدفة. فالمؤلف والمخرج من أصل سوري، وبطل الفيلم هو المصري خالد النبوي (إبراهيم الجراح)، يُشاطره البطولة الشقراء الحسناء الأميركية من أب مجري وأم روسية وجد ألماني أجنيس بروكنير (ديان)، والممثل الكندي ذو الأصول الآسيوية رضوان مانجي (مو). بالإضافة إلى الممثل البريطاني كاري إلويز (ميلر/ محامي إبراهيم) والأميركيين وليام أثيرتون وآخرين، والأهم من هذا هو أن تمويل الفيلم تم بقيادة الأميركي المسلم ذي الأصل الآسيوي أمير كبور، وهو طبيب أمراض قلب وباطنية، أبى رغم بعده عن السينما إلا أن يُقنع عدداً من المستثمرين المهاجرين الأميركيين، خاصة منهم ذوي الأصول العربية والمسلمة، بفكرة الفيلم. موضوعية لعل اجتماع هذه العناصر يفضي إلى التوجس من درجة الموضوعية والمهنية التي سيتسم فيها فيلم معظم أعضاء فريق عمله وداعميه من المهاجرين، فيتخيل الواحد في لحظة أنه لن يختلف عن النسخ التي سبقتها ومنها النسخة الهندية التي تناولت موضوع حال المهاجرين العرب والمسلمين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر كفيلم “اسمي خان”، لكن الفيلم كان حقاً مختلفاً. فقد أظهر أسوأ ما في بلاد العم سام، كما نقل أفضل ما فيها. كشف للجميع أن الحلم الأميركي صار بعد 11 سبتمبر 2001 صعب التحقيق، ليس على المهاجرين العرب والمسلمين فقط، وإنما أيضاً على الأميركيين أنفسهم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. عرى سام قاضي سوءات أميركا، فأبان كيف تم اعتقال إبراهيم الجراح لستة أشهر دون توجيه أية تهمة سوى القرابة بالاسم إلى أحد المتهمين بالضلوع في الهجمات (زياد الجراح) والقدوم إلى أميركا يوماً واحداً قبل وقوع الهجمات. أظهر على لسان البطل إبراهيم الذي اختار في مرحلة ما الدفاع عن نفسه حجم الخروق التي يقترفها قضاة ومدعون عامون باسم حماية أميركا من كل من يشتبه بتهديده للأمن القومي، وفضح انتهاكاتهم للدستور بالذريعة نفسها ـ حماية الأمن القومي ـ دون أن ينسى وهو الوافد الجديد تذكير أميركا بأنها خليط مهاجرين قدموا إليها بعد اكتشافها من دول مختلفة وكان منهم البيوريتانيون والأفارقة واللاتين والعرب لاحقاً. كما لم يخل من تلميحات سياسية عبر استعراض مقاطع للتصريحات الانتهازية والسخيفة التي صدرت من جورج بوش الابن عقب الهجمات مثل “إما أن تكونوا معنا، أو أنكم مع الإرهاب” و”لماذا يكرهوننا؟ يكرهون حريتنا في التعبير والتصويت والعقيدة، يكرهون قيمنا ...”، وأظهر أيضاً المعاناة التي يعانيها الأميركيون المهاجرون قبل 2001 وبعدها، والتي جعلت بعض الأميركيين ذوي البشرة الداكنة يستعينون بأسماء غير أسمائهم حتى يحصلوا على وظيفة. كما أبان وبدءاً من اللقطات الأولى للفيلم مدى جهل الشعب الأميركي بالعالم الخارجي عموماً والعرب خصوصاً، فأول ما يخطر بذهن ديان عندما يخبرها إبراهيم أنه من لبنان هو القذافي، ثم تفترض أنه يتحدث الفارسية، ما يُرسل إشارات واضحة بمدى جهل الأميركيين بالغير الذين يتهمونهم بكرههم. ولكن الفيلم أظهر بالمقابل الوجه المضي للولايات المتحدة الأميركية، إذ بين أنه في الوقت الذي استدعت فيه المحكمة إبراهيم للمثول أمامها قبل إصدار قرار ترحيله باعتباره يُمثل تهديداً قومياً، يظهر محام يتطوع للدفاع عن إبراهيم دون تلقي أتعاب، فيخطط لإثارة جلبة واغتنام المواقف الشجاعة والنبيلة لإبراهيم التي نبعت من ثقافته العربية العاطفية الداعية إلى تقديم العون للآخرين عند الحاجة، والدفاع عن أحد الأميركيين أثناء تعرضه للاعتداء، بل وحتى إيوائه لأميركي تشرد بعد أن فقد وظيفته كمحاسب إلى الشقة الصغيرة التي تستضيفه فيها ديان! فأصبح وجه إبراهيم مألوفاً لدى الصحافة الأميركية باعتباره بطلاً أنقذ شخصاً من الموت، وآوى مشرداً فسرقه وتسبب بطرده من شقة ديان، ونُظمت بسببه مظاهرات في الشوارع وعلى أبواب المحكمة، فكانت نتيجة ذلك قبول إجراء محاكمة علنية، وكان هذا أول فوز يظفر به المحامي وموكله. مؤاخذات لا يمكن لأي متابع أو متفرج في أول فيلم روائي طويل يؤلفه ويخرجه سام قاضي ذو الأصل السوري إلا أن يهنئه على نجاحه. فليس من السهل أن يحرز فيلم أُنتج بميزانية متواضعة جائزتين في أول ظهور له في مهرجان بوسطن السينمائي، الأولى جائزة أحسن فريق عمل والثانية جائزة أفضل تأثير جماعي. استعان سام قاضي بعدته الأكاديمية التي جمعها خلال دراسته صناعة الأفلام في معهد موشن بيكتشرز” بميشيجان، ثم خاض تجارب ناجحة في الإخراج المسرحي والأفلام القصيرة كان أبرزها فيلم “سكيزوفرينيا” الذي حاز جائزة مهرجان نيويورك الدولي للسينما المستقلة والفيديو سنة 2007. لكن يبدو أنه وقع في بعض المطبات، فهو حاول إقحام أكبر قدر من الأفكار والمشاهد في الفيلم فبدا بعضها محشواً حشواً، وُفق في غالبيتها، ولكن ليس كلها. فالظهور العابر للفتاة اللبنانية المحجبة في الحصص الدراسية التي كان يتلقاها إبراهيم لتقوية لغته الإنجليزية كان باهتاً وسطحياً. وانجذابه إليها في الوقت الذي يقيم فيه مع الشقراء ديان التي تجده جافاً متجاهلاً لها كأنثى كان مفهوماً لنا نحن العرب، لكن غير مفهوم للمشاهد الغربي. قدم المخرج إبراهيم كشاب يُلازمه الحظ العاثر، إذ يفقد أبويه في إحدى الحروب اللبنانية، ثم ينتقل للكويت ويعمل ميكانيكياً فيُطرَد منها بعد غزو العراق للكويت، ثم يشارك في قرعات اليانصيب مدة 12 سنة قبل أن يحصل على البطاقة الخضراء (جرين جارد)، وعندما يأتي إلى أميركا تقع هجمات يوماً بعد قدومه ويُصبح متهماً بسبب لقبه وصلته بابن عمه رشاد الجراح. لكن قدمه أيضاً كشخص محافظ لا يفرط في صلاته، ما يعني أن انجذابه لفتاة محجبة ومصارحته بالرغبة في الزواج بها من أول لحظة أتى من هذه الزاوية، فهو كغيره من معظم الشباب المحافظين يميلون إلى الارتباط بفتاة من بلدهم بحثاً عن قواسم مشتركة في الثقافة واللغة والدين وحنيناً إلى الوطن. لكن المشاهد الغربي قد يحدث له تشويش في ذهنه وهو يرى انجذاب ديان لإبراهيم وإيواءها له في شقتها، في حين أنه يفكر في فتاة أخرى ويقابلها في المقهى ويطلب يدها للزواج لولا رجوعها المفاجئ إلى لبنان بسبب مرض والدتها بالسرطان. فبرودة مشاعر إبراهيم تُجاه بَها وعدم تحمسه لإقناعها بالعودة بعد زيارة والدتها إلى أميركا أو اللحاق بها إلى لبنان خلق تشويشاً لدى المشاهد الغربي عن تصور الشخص الشرقي للزواج والحب من أول نظرة، كما جعله يربط بين ذلك وعقلية الرجل الشرقي المتكيفة مع التعدد (حب أكثر من واحدة). ومن جهة أخرى، أظهر مشهد استغراب إبراهيم من وقوع مظاهرة ضد الرئيس آنذاك بوش الابن في نيويورك لحظات قبل وقوع الهجمات أنه يُمنع في لبنان انتقاد الرئيس، والحال أن لبنان أكثر الدول العربية من حيث حرية التعبير، فلو كان إبراهيم مصرياً أو سورياً لكان ذلك أقرب للواقع، أما وهو لبناني، فجميعنا نعلم أن لبنان كانت إلى وقت قريب، ورُبما لا تزال، قلعة حرية التعبير في العالم العربي. ولكن من باب الموضوعية أيضاً الاعتراف بأن الفيلم نجح في تفادي اجترار فكرة أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي قُتلت تمثيلاً. فهو جاء بفيلم بعيد عن الصور النمطية عن كلا الجانبين، وقدم أميركا كأرض للحرية وتحقيق الأحلام، ودافع ما تصريحاً وتلميحاً وما بين السطور عن قيمها الأصلية، ودعا كل من يفكر أن يُصبح أحد مواطنيها إلى بذل جهد أكبر، والتحلي بنفس القدر من الكفاح والصمود الذي ظهر به إبراهيم الجراح، الذي ناضل إلى أن نال جنسيته الأميركية وأصبح رجل أعمال ناجح، وتزوج من ديان التي تجاهل مشاعرها عند قدومه، تعبيراً عن أنه أصبح أكثر انفتاحاً وقبولاً للآخر وأكثر نضجاً عاطفياً. وحقق الحلم الذي باح به منذ أول يوم قدم فيه إلى أميركا وهو أن يؤسس مشروعاً خاصاً (وهي صورة ملتصقة بمعظم اللبنانيين المهاجرين). فلا عجب أن يُصرح المخرج سام القاضي والمنتج أمير كبور أن كل مهاجر في أميركا يجد أن الفيلم يروي جزءاً من قصته وحكايته أو كلها. وأخيراً، تبين أن اختيار المخرج لممثل مصري لأداء دور لبناني من بين ممثلين آخرين من سوريا ومصر كانوا مرشحين للدور نفسه كان موفقاً، فبالرغم من أن خالد النبوي له ملامح فرعونية مختلفة نوعاً ما عن الملامح اللبنانية، لكن صورته تخدم المخيلة الغربية عن الملامح الحادة للرجل الشرقي أكثر مما كانت ستفعل صورة الرجل اللبناني أبيض البشرة، وديع الملامح. لا شك إذن أن فيلم “المواطن” سيكون مرشحاً لجوائز أخرى غير تلك التي حازها في مهرجان بوسطن، قد تكون في مهرجان أبوظبي السينمائي الحالي، وقد تكون في غيرها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©