الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لقد فاتني أن أكون ملاكاً..

لقد فاتني أن أكون ملاكاً..
21 أكتوبر 2015 18:00
تقديم واختيار: رضاب نهار لم يخفِ الكاتب المغربي محمد شكري (1935 - 2003) حياته عن القارئ. فكتبها كما لو أنه يعيشها من جديد، واصفاً القهر الذي اختبره عن قرب، خائضاً في مشكلات اعترت مجتمعه واستوطنت فيه، وكانت ثمارها مجموعة من الهياكل البشرية المتناقضة والمتآكلة. وكان كلّما يبحث أكثر، يصدم أكثر، لذا فتح الأبواب على مصاريعها، وطلب منا الدخول إلى عالمه الذي يحكي حكاية عوالمنا نحن. وما بين المدينة الجديدة وأزقة الفقراء والمهمّشين، يروي عن صراعات ليس حضارية ولا فكرية أو ثقافية، إنها صراعات وجودية، قدّمها شكري لنا، باعتبارها أصل الرواية. الباحث في مؤلفاته، يكتشف أن آلام طفولته لم تستطع أن تفارقه في كل مرة يمسك بها قلماً، إلا نادراً. وكانت وسيلته الوحيدة لمواجهتها أن يحفر فيها عميقاً، أن يمنحها فرصة للظهور أمام جمهور عريض، لعله يشفى من آثارها العنيدة. هنا انغمس في سرد سيرته الذاتية من خلال كتابة القصة والرواية. وربما أثار تطرّقه إلى المسكوت عنه في تفاصيل الحياة اليومية، غضب البعض، لكنه حتماً نال احترام كثيرين، بما طرحه من جرأة في الأفكار وقوة في الطرح.. اشتهر بروايته «الخبز الحافي» العام 1972. بالإضافة إلى غيرها من الأعمال مثل: «مجنون الورد» 1979، «الخيمة» 1985، «الشطار» 1992، و«السوق الداخلي» 1985. هنا التقاطات شذرية من مجمل أعمال محمد شكري: لقد فاتني أن أكون ملاكاً. ****** لقد علّمتني الحياة أن أنتظر. أن أعي لعبة الزمن من دون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته. قل كلمتك قبل أن تموت فيك إنها ستعرف، حتماً، طريقها. لا يهمّ ما ستؤول إليه. الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزناً أو نزوة غافية.. أن تشعل لهيباً في المناطق اليباب الموات. *** يا أيها الليليون والنهاريون، أيها المتشائمون والمتفائلون، أيها المتمردون، أيها المراهقون أيها «العقلاء»... لا تنسوا أن «لعبة الزمن» أقوى منا، لعبة مميتة هي، لا يمكن أن نواجهها إلا بأن نعيش الموت السابق لموتنا، لإماتتنا: أن نرقص على حبال المخاطرة نُشداناً للحياة. *** في الليل غلبني الكيف، والجوع، والغربة. *** الفقر مسخ ملامحنا. لم يترك لنا سوى ما هو إنساني فينا. ربما يصرن هؤلاء الصبايا، إذا كافحن فقرهن، في المستقبل. *** كنا نحترم فقرنا ونتآزر. كلّنا، تقريباً، كنّا فقراء. يعتبر المستغلون فقرنا شيئاً طبيعياً. *** لا أعرف ما يحفّزني دائماً إلى التجوّل في المقابر؟ أهو سلامها أم هي عادتي أيام نومي فيها؟ أم حباً في الموت؟ *** كل حب يُنسى بحب آخر. أن تتذكر الحب الأول هو أن تحب مرة ثانية *** إنه دائماً مستعد أن يبدأ حياة جديدة. لا يتعلّق في شيء. في نظره، كل شيء هشّ وقابل للسقوط والانكسار. *** هذه إحدى مساوئ بعض رجال الدين. إنهم يدنّسون، أحياناً، ما يطهّرون. *** الألم يتجسّد هنا في كل الابتسامات المُغتصبة، والكلمات المقتضبة والحركات التي سريعاً ما تفتر. *** الجمال المستعاد دائماً أجمل. *** هذه هي مهمة الفن: أن نجمّل الحياة حتى في أقبح صورها. *** الكتابة إذن امتياز. *** لا ينبغي لنا أن نثق كثيراً في السعادة. إنها آتية، منفلتة كلما أردنا القبض عليها. قد تكون مثل عصفور جميل يحطّ على حافة شرفتنا. لا نكاد نقترب منه حتى يطير. *** ممن آخذ الحكمة اليوم؟ الأذكياء جنّوا أو هم يهذون في الشوارع والأحقّون بالبقاء هاجروا وكبّلتهم الغربة بسلاسلها الثقيلة. لقد بدأ سفرهم قبل أن يهاجروا. رأيتهم يشربون الكؤوس الأخيرة. حفنة من تراب الوطن رأيت أحدهم يحملها في كيس صغير كحرز. ربما سيسمد بها بذوراً ما في غربته القهرية! قد يغرس فيها جذور النعناع. إنها مشيئة البؤس في وطنه. *** لمن هذه الأنغام الحزينة التي أسمعها من بعيد؟ إنها للراحلين في الجمارك وهم يزحفون واقفين. بطء زحفهم يذلّهم حتى نخاع العظام. إن مذلة الوطن أقسى عليهم من مذلة الغربة. *** هل فقدت السماء لونها المرآتي فوق أرضنا؟ الشمس تضحك لنا قبل أن تبسم للآخرين، لكنهم حجبوها! *** لكي نقهر فكرة الموت لا ينبغي لنا أن نتصور أنفسنا ميتين. إنه مصيرك مع نفسك. لا يخصّ أحداً ولا تنتظر من يواسيك. اعتبر نفسك خالداً ولو في الوهم. لا يقهر الموت إلا حب الحياة. *** لا تسعفني الكتابة إلا عندما أتخاصم مع نفسي والآخرين. قلّما أكتب وأنا أمرح. *** لا أتعلّق بالأحلام إلا عندما يهزمني طموحي، ولا أتذكر همومي إلا عندما أجلس لأكتب. *** عندما نشيخ نتمنى أن يبدأ كل شيء من جديد! *** من قبل كنت أجري تحت الأشجار ولا أتوقف تحت واحدة إلا لأقطف ثمرها، أما الآن فأنا أستظلّ وآكل من نضجها. إن الزمن لم يعد يوزعني. صرت أحبسه أينما أشاء. *** أكلنا كان بطيئاً في أعينهم، وأفواههم كانت سريعة في دهشتنا. *** بين أعمى ومبصر، حقيقة الشيء يختلف معناها في لمسهما وإنصاتهما. *** إنه زمن الشعر، وزمن الحلم في طنجة، لكن أين الشعراء، وأين الحالمون؟ إن الهزيمة تمشي في منتهى بؤس عرائها أينما شئت. *** وظلّ عشق ما لا يمكن أن يكون هو الأقوى بيننا *** الذين يكفّون عن الانتحاب يظلّ الحزن عميقاً على وجوههم. *** ترى كيف يمكن أن يعيش إنسان مات في وهم الناس؟ يا للأسطورة التي تمحو الحقيقة! ما الحقيقة؟ أهي أن يموت الإنسان وهو ليس ميتاً بعد؟ *** كم هي الأشياء التي لا تتجلى رائعة إلا حينما أكون متعباً أو مريضاً! *** في الحي صار البؤس أكثر صداقة للصغار والكبار. الجمال فيه يطلّ في فضول من الأبواب الصغيرة الكالحة. هو الجمال نفسه الذي يباع في شوارع المدينة الجديدة. شاعر الحي الكسيح شاهد على ما يحدث منذ أن كان أهل هذا الحي كلهم يسكنون الأكواخ. *** لم أفهم امرأة واحدة إلا في نزوات الخيال. *** إنني غاضب على هذا الجوع البشري الذي لا يكف حتى الموت *** نحن إخوة في الخيار وأعداء في الجبر. *** بدأت أدرك أن النساء يبكين أكثر من الرجال. يبكين ويكففن عن البكاء مثل الأطفال. أحياناً يحزن حين يفكر الواحد أنهن سيفرحن ويفرحن حين يفكر الواحد أنهن سيحزن. *** كان مدفوناً هناك. ربما تحت قدمي أو تحت قدمي عبد المالك أو في مكان ما. فجأة فكرت. لكن لماذا هذه القراءة على قبر أخي المجهول؟ إنه لم يذنب. لم يعش سوى مرضه ثم قتله أبي. تذكرت قول الشيخ الذي دفنه: «أخوك الآن مع الملائكة». أخي صار ملاكاً. وأنا؟ سأكون شيطاناً، هذا لا ريب فيه. الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة والكبار شياطين. شذريات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©