السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكسيك: وقف التجاوزات الأمنية

27 يناير 2013 22:31
خوسي ميجيل فيفاندو مدير قسم الأميركتين في منظمة «هيومن رايتس ووتش» عند القراءة الأولى يبدو الأمر وكأنه خدعة، ففي اليوم الذي احتفل فيه العالم بحقوق الإنسان خلال الشهر الماضي «احتفل» السفير الأميركي لدى المكسيك، «أنثوني وين»، بالإنجازات التي حققها البلد في مجال احترام حقوق الإنسان وصيانتها، حيث كتب في صحيفة «إل يونيفرسال» قائلاً «تعترف الولايات المتحدة، حكومة ومؤسسات، بما حققته المكسيك من إنجازات وما بذلته من جهود لتعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها». والحقيقة أنه من الصعب أن تتصور وقتاً أسوأ من هذا لكيل المديح للحكومة المكسيكية، فإشادة السفير الأميركي بما تحقق على صعيد حقوق الإنسان في المكسيك يأتي قبل أسبوعين فقط من الكشف عن الرقم المهول لعدد المواطنين الذين اختفوا في ظروف غامضة ومريبة، حيث وصل العدد إلى 25 ألف مواطن لم يظهر لهم أثر خلال السنوات الست الماضية على خلفية العنف المستشري بسبب حرب العصابات. وقد تم تسريب هذا الرقم المخيف من مكتب المدعي العام المكسيكي إلى صحيفة «واشنطن بوست» من قبل موظف حكومي خشي من تمادي الحكومة المنتهية ولايتها بزعامة الرئيس فيليبي كالديرون في إنكار وجود مختفين. ورفض حكومة الرئيس الجديد إنريكي بينيا نيتو الذي نُصب في الأول من ديسمبر الماضي، الإقرار بالمشكلة والاعتراف بوجودها واتخاذ الإجراءات المناسبة للتحقيق في سبب اختفاء هذا العدد الكبير من المواطنين مع تحديد مصيرهم. فالاختفاءات كانت جزءاً مهماً من التركة المروعة للحرب التي شنتها المكسيك على عصابات المخدرات، والتي أطلقها الرئيس السابق كالديرون خلال فترته الرئاسية، حيث لجأ الجنود ورجال الشرطة على نحو ممنهج إلى تعذيب المواطنين والموقوفين لانتزاع الاعترافات في حربهم على العصابات، مرتكبين خلال ذلك العديد من الانتهاكات الجسيمية لحقوق هؤلاء الموقوفين، بل إنه وقع في حالات عديدة إعدام عدد منهم. وبالطبع لم يُعاقب أي من رجال الجيش والشرطة المتورطين في الانتهاكات، إذ من بين الـ5 آلاف تحقيق التي أجراها مدعون عسكريون امتدت من بداية رئاسة كالديرون وحتى أبريل عام 2012 لم يدن سوى 38 من المتهمين، وخلال الجزء الأكبر من فترته الرئاسية كان كالديرون ينفي علمه بوجود حالة واحدة من التجاوز على حقوق الإنسان من قبل القوات الأمنية، ولكن عندما التقيت به في أواخر عام 2011 اعترف بحدوث عدد معين من الانتهاكات، ولكن مع الأسف جاءت الخطوات المحدودة التي اتخذها لاحقاً قليلة ومتأخرة. وفيما اعترف كالديرون على الأقل بحدوث انتهاكات خلال فترة رئاسته يبدو أن هذا الحديث لم يصل بعد إلى أسماع المسؤولين في واشنطن، بل إن الإشادة الأخيرة من قبل السفير الأميركي لدى المكسيك بسجلها الجيد في مجال حقوق الإنسان تنسجم مع احتفاء إدارة أوباما بجهود كالديرون في محاربة عصابات المخدرات مثل الإشادة التي وجهها أوباما أيضاً إلى كالديرون في مؤتمر صحفي عقد في شهر مارس عام 2011 وإطراء آخر في أبريل عام 2012 دون أن يشير أوباما بكلمة واحدة إلى التجاوزات البشعة التي ارتكبتها قوات الأمن المكسيكية. وأكثر من ذلك أن إشادة أوباما وإدارته أعقبتها مساعدات مالية سخية، إذ خصصت الولايات المتحدة منذ عام 2007 ملياري دولار للمكسيك لمكافحة الجريمة، حسب ما جاء في تقرير صادر عن الكونجرس، وفيما وُجه جزء من المال لبعض البرامج المفيدة لتدريب المدعين العامين، إلا أن جزءاً آخر ذهب إلى القوات الأمنية التي يفترض أن تكون استفادتها من الدعم الأميركي مشروطة بعدد من المعايير في مقدمتها مدى احترامها لحقوق الإنسان. ولكن على رغم عدم التقيد بهذا الشرط لم تتوقف الأموال الأميركية عن التدفق إلى الأجهزة الأمنية في المكسيك. والحقيقة أن التقييم الأكثر موضوعية الذي أنجزته إدارة أوباما لسياسات كالديرون جاء من السفير الأميركي السابق، «كارلوس باسكوال» الذي أرسل عدداً من البرقيات إلى واشنطن يعبر فيها عن قلقه من الفساد المنتشر في صفوف قوات الأمن المكسيكية وعدم كفاءتها، بالإضافة إلى تجاوزاتها الحقوقية الكثيرة. ولكن عندما كشف موقع «ويكيليكس» هذه البرقيات أصر كالديرون على ضرورة إقالة السفير كارلوس، وبدلاً من الانكباب على معاجلة الأمور التي أشار إليها السفير في برقياته انصاعت إدارة أوباما لمطالب كالديرون وأقالت كارلوس من منصبه لتعين مكانه السفير الحالي «أنثوني وين» في أواخر عام 2011. ومع أن الرئيس الحالي، «بينيا نيتو»، عبر عن رغبته في القطع مع بعض السياسات الفاشلة لسلفه وإنهاء الحرب على المخدرات مع التركيز أكثر على تقليص العنف، إلا أنه لم يوضح كيف سيقوم بذلك، أو كيف سيضع حداً للتجاوزات الكثيرة التي غذت العنف، بل بدا أنه يتهرب من معالجة الاختلالات في الأجهزة الأمنية بالتركيز على الجانب الاقتصادي، وهو ما يبدو أن إدارة أوباما تسايره، على رغم أن ما يتعين على أوباما في هذه المرحلة الانتباه إليه هو إصلاح الممارسات المشينة للأجهزة الأمنية في المكسيك وكف يدها عن اضطهاد الشعب، وليس فقط لأن هذا هو الأصوب من الناحية الأخلاقية، بل أيضاً لأنه يعيد الثقة في قوات الأمن التي يعد دورها أساسياً في التصدي لمعضلة الجريمة المنظمة. كما يتعين على إدارة أوباما تطبيق الشروط التي يربطها الكونجرس بتقديم المساعدات الخارجية من خلال الإصرار على بلورة الرئيس المكسيكي الحالي لخطة ملموسة لمحاسبة التجاوزات السابقة قضائياً ومنع تكرار تجاوزات أخرى في المستقبل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©