إعداد - عدنان عضيمة:
كل من زار الهند لا بد أن يكون قد أصيب بالدهشة من غرابة أسواقها الشعبية حيث يحتل البائعون أرصفة الطرق وجوانب الأزقّة وهم يعرضون كل ما يخطر ببال من السلع والبضائع؛ من الأنسجة والملبوسات، إلى المأكولات الشعبية التي تطبخ فوق موقد حطبي· وهناك أيضاً·· يختلط بهذه التجارة البدائية كل شيء، حيث تجد السحرة وكتّاب التعاويذ ومروّضي أفاعي الكوبرا· وبالرغم مما يحمله هذا المشهد المثير للحواس من إيحاءات التخلّف، فأنه يعكس في الوقت ذاته صورة تراثية شعبية تعبّر عن أسلوب الهنود في العيش وطريقتهم في الحياة·
ويرى بعض الليبراليين الهنود أن الوقت قد حان للانتفاض على هذا الواقع ونسف هذه الأسواق التي يتناقض وجودها أشد التناقض مع الحركة التنموية النشيطة التي تشهدها البلاد· فكيف يمكن تحقيق الانسجام بين هذه الأسواق وبين وادي السيليكون الجديد الذي تحتضنه مدينة (بانجالور)؟·
ويقول تقرير نشرته صحيفة (ذي وول ستريت جورنال) إن عاصمة الهند الكبرى نيودلهي شهدت مؤخراً افتتاح مجموعة من مراكز التسوّق العملاقة (الهايبر ماركت) المصممة على الطراز السائد في عواصم دول أوروبا الغربية· وكان من اللافت أن اسعار المواد في هذه الأسواق وخاصة الخضار والفواكه كانت أقل من نصف أسعارها في دكاكين البقالة· ويمكن أن تمثل هذه الظاهرة كارثة حقيقية بالنسبة لألوف الدكاكين والبائعين المتجولين مما قد يضرّ بمصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة·
وتعتزم شركة (ريليانس إنداستريز) الناشطة في تجارة التجزئة بناء أكثر من 100 مركز تسوق في العاصمة قبل نهاية شهر مارس المقبل في إطار خطة تستثمر فيها ما بين 5 و7 مليارات دولار أطلقت عليها شعار (من المزرعة إلى الشوكة)· ويتوقع المحللون أن يؤدي ذلك إلى حدوث تغيرات جوهرية في حركة سوق البيع بالتجزئة في الهند كلها· وتقدر مجموع مساحة الأسواق الكبرى التي تعتزم الشركة استثمارها بنحو 25 مليون متر مربع ومن المنتظر أن تبلغ قيمتها التقديرية الإجمالية إلى 25 مليار دولار بحلول عام ·2010
وفي حركة استباقية عجّلت بها شركة (ريليانس إنداستريز)، افتتحت تسعة مراكز تسوّق كبرى قبل وصول كبار المستثمرين الأجانب إلى أسواق البيع بالتجزئة فيما يبدو وكأنها محاولة لقطع الطريق عليهم والاستئثار بكعكة من السوق قبل أن يتمكنوا من شمّ رائحتها·
وتشير دراسات ميدانية لسوق التجزئة بالهند إلى أنها تضم أضخم كثافة للدكاكين التجارية في العالم بمعدل 5,5 دكان لكل ألف مواطن· ولكن كل هذه الدكاكين التي يبلغ عددها الإجمالي في الهند كلها 12 مليوناً وتستأثر بنحو 98 بالمئة من إجمالي مبيعات سوق التجزئة البالغ 300 مليار دولار، تفتقر كل الافتقار إلى التنظيم والاستعانة بالأجهزة التكنولوجية المتطورة· وكانت شركة وال مارت الشهيرة والتي تعد اضخم شركة عالمية للبيع بالتجزئة في العالم أجمع، عمدت العام الماضي إلى إنشاء أسس شراكة مع شركة هندية تدعى (بهارتي إنتربريز) بحيث تستاثر الشركتان بتجارة البيع بالجملة لمراكز التسوق المحلية· ويذكر في هذا الصدد أن شركات (الهايبر ماركت) العالمية ممنوعة من الاستثمار في الهند بسبب القوانين التي تحظر الاستثمار الأجنبي المباشر في هذا القطاع إلا إذا كان المستثمر الأجنبي شريكاً لشركة هندية· ويشكل هذا القانون قوة حمائية للشركات المحلية للبيع بالتجزئة إلا أن الغرب ينظر إليه باعتباره يشكل تناقضاً صارخاً مع إعلان الهند على فتح أبوابها أمام التجارة العالمية الحرة والترحيب بالمشاريع الاستثمارية الأجنبية مهما كان مجال عملها واختصاصها·
عدد اليوم
