الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام يحمل دعوة إلى الإيمان بقيمة الأمل وحسن الظن بالله

الإسلام يحمل دعوة إلى الإيمان بقيمة الأمل وحسن الظن بالله
28 أكتوبر 2011 03:12
لقد حرص الإسلام على تكوين وتشكيل النفس السوية لدى الإنسان، فكان من مظاهر ذلك تغليف الوجدان الإنساني بقيمة الأمل المصحوب بحسن الظن بالله، حتى تناثر ذلك في سائر التشريعات الإسلامية ومختلف نصوصه. وهذا يذكرنا بالصحابي الذي وقف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عن أمل يعبر به عثرات الحاضر وكبواته إلى نور المستقبل وإشراقه فيقول: يا رسول الله دلني على أرجى آية في كتاب الله عز وجل، فنزل قول الله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏)‏ ‏»‏سورة النساء‏:‏ آية 48‏»‏. فقال الرجل: وما أدراني أن أكون ممن شاء الله تعالى لهم الصفح والغفران. فنزل قول الله سبحانه إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) «الفرقان، الآية: 70».. فقال الرجل: وما أعلمني أنه سيمتد بي العمر ويصلح العمل. فنزل قول الله سبحانه (‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) «الزمر، الآية: 53». يقول ثوبان رضى الله عنه لما نزلت هذه الآية الكريمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد (ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية). الأمراض القلبية والإسلام عندما يريد أن ينفث في الروع والوجدان الرجاء والأمل يريد أن يخلص القلوب من أمراضها، والنفوس من أدوائها، إذ يصبو بذلك إلى القضاء على أمراض الشعور بالإثم والخطيئة واليأس والإحباط، ويا لها من أمراض إذا تمكنت من إنسان حولته إلى شيطان مارد، وآلة مدمرة تهلك الحرث والنسل، وتعيث في الأرض فساداً. ولا أبالغ في ذلك ألم يأتنا نبأ في صحيح الأثر عن رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فذهب إلى عابد ليسأله هل لي من توبة؟ فأغلق العابد باب الأمل والرجاء في وجهه فما كان منه إلا أن أكمل به المائة، ثم انطلق إلى عالِم يسأله عن حاله وشأنه فأعلمه أن رحمة الله أعظم من ذنبه وجرمه، ثم قال له اذهب إلى أرض كذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم، فمات ذلك الرجل في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال الله تعالى لهم قيسوا بين الأرضين فإلى أيهم أقرب فاحشروه مع أهلها، فكان أقرب إلى القوم الصالحين فحشر معهم. وهنا نلحظ البعد التربوي في الواقعة والحدث إذ لم يكتف العابد الثاني أن يبث العفو والغفران في فؤاد ذلك الشاب العاصي، وإنما أمره بهجر أرض الفساد والعصيان، مما يدل على أهمية البيئة في تكوين سلوك الإنسان، أضف إلى ذلك أنه يعلمنا أن الآمال والأحلام لدى الإنسان تشيد على أمرين: الأول حسن الظن بالله والذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال فيما رواه جابر بن عبدالله رضى الله عنه «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل». حسن الظن وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رب العزة جل وعلا (أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله»، ومن ثم قال العلماء في شرح الحديث أن الله سبحانه يعامل الإنسان على حسب ظنه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ثم قالوا إن على الإنسان أن يحسن ظنه بربه ومولاه إذ إنه سبحانه هو وحده القادر على إنجاز ما ظنه به العبد وما يأمله منه سبحانه من خير ورجاء، ومن ثم قرأ سفيان الثوري قول الله سبحانه (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) «البقرة، الآية: 195». فقال أحسنوا الظن بالله واستشهد على ذلك بما ورد عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال (والذي لا إله غيره ما أعطى عبد مؤمن شيئاً خيراً له من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد الظن بالله عز وجل إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده). الكرب والضيق وما أجمل أن يوهب الإنسان فسحة الأمل وحسن الظن بالله في لحظات الكرب والضيق، وما أكثرها في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فقد وجدنا معلم البشرية صلوات الله وسلامه عليه يجتمع عليه عصبة الشرك في الغار هو وصاحبه حتى يقول الصديق «والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا»، ولكن صوت الأمل ينطلق من النبي صلى الله عليه وسلم «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»، فكان العنكبوت وخيوطه، والحمام وبيضه مقومان من مقومات تحقيق الأمل في حادثة الهجرة على صاحبها الصلاة والسلام. أما في الآخرة فما أجمل الأمل في عفو الله ومرضاته عند انقطاع الرجاء في أحد سوى الخالق سبحانه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان يوم القيامة يخرج الله سبحانه وتعالى من النار رجلين، ويقول لهما كيف وجدتما منقلبكما وسوء مصيركما؟ فيقولان: شر منقلب، وأسوأ مصير. فيقول الله تعالى لهما: ذلك بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد، ثم يؤمر بهما إلى النار، فيسارع إليها أحدهم ويبطئ الثاني، فيقول الله عز وجل للذي بادر إلى النار ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: يا رب عصيتك في الدنيا وأنا أستحي أن أعصيك في الآخرة. ثم يقول للذي أبطأ ما الذي حملك على ما صنعت؟ فيقول: يا رب حملني على هذا حسن ظني بك حين أخرجتني من النار أن لا تعيدني إليها. فيرحمهما الله معاً ويأمر بهما إلى الجنة». أما الأمر الثاني: فلا مكان في الإسلام لأمل بغير عمل، فمن دام كسله خاب أمله، ومن لم يعتبر بالناس اعتبر الناس به، ومن لم يتدبر في العواقب أصبح من النادمين. من أجل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن قوماً غرتهم الأماني، وقالوا نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل». وبهذا يوقن الإنسان أن بلوغ الأمل مرهون بإحسان العمل،وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته حين أتى إليه أحدهم، فقال يا رسول الله ادع الله لي أن أدخل الجنة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعنى على نفسك بكثرة السجود. والإسلام بذلك لا يريد أن يقف بالآمال عند حدود الأبراج العاجية، وأعتاب المدن المثالية التي لا وجود لها إلا في خيالات الهائمين من الأدباء والفلاسفة، إنما يريد بموضوعية الطرح والمعالجة لقضية الأمل في بنيته النصية والتشريعية، أن يجعل البعيد قريباً، والحلم حقيقة، والمحال واقعا في هدى طريق يبدأه الإنسان بذاته وينتهى به إلى من بيده مقاليد الأمور الله سبحانه وتعالى. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©