الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

محمد يونس: الإمارات حققت معجزة حضارية في التنمية والثروة البشرية

24 فبراير 2007 02:30
حوار ـ السيد سلامة: ''يمكننا وضع الفقر في متحف التاريخ''، بهذه العبارة بدأ الدكتور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2006 حديثه مع ''الاتحاد'' في مجلس معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك على هامش مشاركتة في مؤتمر ''التعليم بلا حدود'' في دورته الرابعة في أبوظبي والذي تنظمه كليات التقنيات العليا بمشاركة 1000 طالب وطالبة يمثلون 100 دولة من مختلف أنحاء العالم، وتنطلق جلساته صباح غد تحت رعاية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله''، وبمشاركة علماء من الحاصلين على جائزة نوبل، ورجال أعمال واقتصاد، وخبراء في التعليم· قبل بداية الحديث مع الدكتور محمد يونس، حاولنا جاهدين أن نجمع شيئاً من المعلومات حول حياة الرجل وتاريخه العلمي، وللأسف وكعادة وسائل الإعلام العالمية، فإن محمد يونس ابن بنجلاديش الذي قضى أكثر من ثلاثة عقود في أتون معركة شرسة لمكافحة الفقر، هذا الرجل لم يلفت جهده الخارق كثيراً من وسائل الإعلام العالمية، وبالطبع العربية التي لم تكن تعلم عنه شيئاً إلا عندما تصدر اسمه الفائزين بجائزة ''ألفريد نوبل'' للسلام لعام ·2006 أسئلة كثيرة دارت في ذهني وأنا أقتنص الدقائق التي منحنا إياها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان لإجراء هذا الحديث مع الدكتور يونس على هامش مأدبة الغداء التي أقامها معاليه لضيفه الحائزعلى ''نوبل''، وفوجئت بأن هذه الزيارة التي بدأها يونس أمس إلى الإمارات هي الأولى من نوعها، فجعلتها محور سؤالي الأول· الزيارة الاولى قلت له: كيف وجدت الإمارات؟· قال يونس: لم أصدق عيني إذ بمجرد وصولي إلى الإمارات، فوجئت بأنني في دولة تشبه الواحة الغنّاء، وكل الصور والمواقع الإلكترونية التي تروج للنهضة التي تشهدها دولة الإمارات لا تقدم إلاّ جزءاً يسيراً من تلك الملحمة العمرانية الكبيرة التي قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيب الله ثراه''، حيث دشن فقيد الإمارات والأمتين العربية والإسلامية تجربة فريدة ليس على مستوى المنطقة فحسب، وإنما على مستوى العالم، وحريٌ بكبار أساتذة الاقتصاد والاجتماع والعمران البشري في مختلف المؤسسات والمراكز الأكاديمية العالمية، أن يقفوا أمام هذه التجربة الفريدة بالدراسة والتحليل، للوصول إلى مضامينها العالمية التي تجاوز من خلالها فقيد الأمة حدود الجغرافيا ليسطر اسمه في التاريخ بحروف من نور، إن الزائر للإمارات خاصةً الذي يحالفه الحظ وتكون زيارته هي الأولى يجد نفسه وجهاً لوجه أمام دولة عصرية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ودلالات نبيلة، فكل شيء رأيتُه في الإمارات خلال هذه الساعات القليلة يشير إلى أن وراء هذا الإبهار العمراني، وذلك التخطيط الرائع أيادٍ مخلصة وقائد يأخذ بها إلى بر الأمان· صورة التسامح ؟ما الذي أعجبك تحديداً، واستحوذ على فكرك منذ وصولك إلى الإمارات؟· ؟؟ بالطبع كانت النظافة، والتخطيط العمراني، ووجود القانون في الشارع، هي أبرز السمات التي يجد المرء نفسه مشدوداً إليها منذ الوهلة الأولى، فالتخطيط العمراني للشوارع ووجود المسطحات الخُضر التي تكاد تطغى على مساحات المباني والإسمنت، والزهور المنتشرة على جانبي الطريق، كلها تقول إنك في بلد متقدم، كما أن التزام الناس بالقانون شيء لا تخطئه العين، فالجميع يعملون بحرية ولا تتجاوز هذه الحرية حدود الآخرين· ولعل صلاة الجمعة التي أديتها ظهر أمس في مسجد سلطان بن زايد في منطقة البطين، كانت هي الأخرى تجربة فريدة بالنسبة لي، فعلى الرغم من حياتي الطويلة في أميركا وأوروبا وكثير من دول العالم المتقدم، إلا أنني لم أجد تلك الصورة من التسامح التي وجدتها ظهر أمس في صلاة الجمعة وفي صحن هذا المسجد، إذ وجدت كثيراً من العمال من أبناء وطني في بنجلاديش من الذين يعملون هنا يؤدون الصلاة في الصفوف الأولى إلى جانب كبار رجال الدولة من المواطنين، ولم أجد أي تفرقة بينهم، هذه الصورة من التسامح نحن في أشد الحاجة إلى التركيز عليها خاصةً في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمتان الإسلامية والعربية من خلال من يحاولون الربط بينها وبين الإرهاب، هنا نقول لهم: إن في بلاد العرب والمسلمين نماذج كثيرة للتسامح، فالتسامح هو الأساس، والغلو أو التطرف هو الاستثناء· الإعلام الغربي ؟ محمد يونس هذا الاسم الذي اختلط على الجميع تحديد هويته، لم يكن معروفاً قبل ''نوبل''، لماذا ؟· ؟؟ كما تعرف وسائل الإعلام خاصةً في الدول المتقدمة لا تنظر أبداً إلى الجنوب، وإذا نظرت مرةً بالخطأ، فإن هذه النظرة تكون لتسليط الضوء على مشكلات الجنوب، وتصويره على أن البشر الموجودين في دوله يعيشون خارج سياق الزمن، وأنا شخصياً قضيت أكثر من ثلاثة عقود في معركة حامية الوطيس لا ناقة لي فيها ولا جمل، اللهم إلاّ التزامي الأخلاقي تجاه الوطن، نعم وطني بنجلاديش هذه الدولة الغنية بثرواتها البشرية، والتي تعاني فيها ملايين الأسر من الفقر والجوع، وقد فكرت قبل ربع قرن أو يزيد في أن أكون شجرة تظلل هؤلاء الفقراء، ولم أجد وسيلة سوى توظيف ما وهبني الله إياه من علم وحكمة وتعاون مع الآخرين لإنجاز هذه المهمة الإنسانية بالدرجة الأولى· معركة شرسة ؟ وهل كنت تثق في قدراتك على مواجهة تحديات تلك المعركة الشرسة؟· ؟؟ لديّ قناعة كبيرة بل أكيدة بأن الفقر هو التهديد الأكبر للسلم العالمي، فلا يمكن تدشين نظام تعليمي قوي في ظل غياب الموارد المالية والمخصصات لهذا النظام، وأيضاً ينطبق هذا القول على النظام الصحي، والإسكان، والرعاية الاجتماعية، والأمن وغيرها من الاحتياجات الأساسية لكل إنسان في العالم، ففي ظل الفقر يصبح التيه هو المظلة التي يستظل بها الجميع، ومع ضراوة معدلات الفقر وشظف العيش تتحول الحياة إلى عدم، ويستوي الأحياء مع الأموات· الفلسفة قبل الاقتصاد ؟تتحدث وكأنك أحد الرموز الفلسفية في العالم وليس رجل اقتصاد؟· ؟؟نعم من دون الفلسفة تصبح الحياة بلا قيمة، وتلك هي فلسفتي التي قادتني إلى ما أنجزته من خير لأبناء وطني بصفة خاصة وللإنسانية عامة، فتجربة بنك الفقراء التي أطلقتها في بنجلاديش ''جرامين'' ليست وليدة فكر اقتصادي فحسب، بل هي في المقام الأول منهاج حياة، فنحن في هذا البنك طبقنا المثل الصيني القديم الذي يقول: ''لا تعطه سمكة بل علمه كيف يصطاد السمك''، وهذا بالفعل ما نقوم به، إذ تعتمد القروض التي نمنحها للفقراء على تكامل دورة الإنتاج، وهي قروض بسيطة وميسرة، وليست خاضعة لعقود الإذعان كما يحدث في القروض الرأسمالية، إذ نضع في الاعتبار الظروف الاجتماعية والنفسية لهذه الأسر الفقيرة، ولذلك بدأنا بالمرأة باعتبارها الركن الأساسي الذي يعيش المعاناة يومياً في تأمين لقمة العيش للأبناء والسهر على راحتهم، والاهتمام بهم، وعندما تجد هذه المرأة نفسها في مواجهة العوز والفقر والحاجة فإن الدنيا تسود في وجهها ولا تجد إلى المستقبل سبيلاً، وبالتالي تتوه هذه الأسرة وسط جحيم الفقر، وسرعان ما تلتهمها نيرانه المستعرة· تحديات كثيرة ؟ ولكن هذه الصورة الوردية التي نقرأها عن تجربتك توحي بأنك لم تواجه في معركتك الاقتصادية والاجتماعية تحديات ما؟· ؟؟ قد يتصور بعض الناس ذلك، ولكن الحقيقة المرة هي أنني وجدت حرباً شرسة من مدارس ومؤسسات اقتصادية ذات فكر مغاير، وقد كانت هذه الحرب تستهدف وأد التجربة في مهدها، ولكنني قاومت ومازلت أقاوم، وسأظل وفياً لهذه المبادئ التي أنتصر فيها إلى الفقراء والمساكين والمعوزين، الذين يبيتون الليل وبطونهم خاوية من الطعام وأجسادهم شبه عارية من الملبس، ولكن قلوبهم ملأى بالأمل في غد أفضل، وهذا ما أطمح إلى تحقيقه بإذن الله· لعبة السياسة ؟ولكن في الفترة الأخيرة كثر الحديث عن وجود توجهات سياسية لك، فهل هذا صحيح؟· ؟؟ لعبة السياسة لم تكن في يوم من الأيام ضمن الألعاب المحببة لي، وللأسف الشديد فإن السياسة في كثير من دول العالم الثالث تذهب بعيداً عن مصالح الشعوب وحاجتها الفعلية، ومنذ سنوات وهناك ضغط مجتمعي كبير عليّ ومطالبات من المقربين من الأصدقاء والعامة بضرورة انتقالي إلى مرحلة جديدة في معركة مكافحة الفقر، هذه المرحلة هي العمل السياسي وبعد حصولي على ''نوبل'' للسلام ازداد هذا الضغط من جانب أبناء شعبي الذين يجدون بصيص الأمل في تجربتي الناجحة في النهوض بالفقراء، والانطلاق بهم من هاوية الفقر والذل إلى مكانة محترمة يجد فيها كل واحد نفسه، ويحقق طموحاته البسيطة من دون خوف أو رهبة من مؤسسة الاقتراض· رئاسة بنجلاديش ؟ هناك كلام صريح عن أنك بصدد الترشح للرئاسة في بنجلاديش؟· ؟؟ نعم هذا ما قررته بعد حصولي على ''نوبل'' إذ لم يعد بالإمكان الابتعاد كثيراً عن الهم العام، فأنا من خلال بنك ''جرامين'' أعالج الفقراء، وهناك آخرون في السلطة يصبون الملح على الجراح النازفة للفقراء، ومن هنا فإن استمرار نجاحنا في مكافحة الفقر يقابله استمرار الآخرين في تعميق هوة الفقر وزيادة مساحتها كل يوم من خلال الفساد وسوء الإدارة وغياب العدالة الاجتماعية، وهذا ما نطمح لأن نكون أحد محاربيه الأقوياء خلال الفترة المقبلة وبالأساليب الديمقراطية الشريفة· العالم الثالث ؟ بعيداً عن بنجلاديش والشأن السياسي، هل يمكن لتجربتك أن تنجح في دول أخرى؟· ؟؟ بالفعل نجحت في دول كثيرة أخذت عني هذه التجربة البسيطة والمتمثلة في تكامل أدوات الإنتاج وعملياته بشكل بسيط ومن دون تعقيد وبطريقة تجعل كل عنصر من عناصر الإنتاج مسانداً للآخر وليس منتقصاً من قدره، ويمكن لتجربتي أن تنجح في جميع دول العالم الثالث خصوصاً الدول العربية والإسلامية، استناداً إلى مفهوم التكافل الإسلامي، ولكن هذا النجاح مرتبط بالنوايا الحسنة ووجود أجندة وطنية تضع اهتمامات الفقراء في صدارتها· حقوق الإنسان ؟ كنت تتحرك طوال هذه التجربة بعيداً عن أي دعم حكومي، فهل كان غياب الدعم أحد معوقات تجربتك؟· ؟؟ لم أكن أعول كثيراً على الدعم الحكومي، فأنا صاحب مشروع اجتماعي اقتصادي في المقام الأول، ولست طامحاً إلى منصب سياسي أو تنفيذي في أروقة الحكم، فقط كنت ومازلت أتحرك بين الناس كأحد هؤلاء الفقراء البسطاء الذي يكاد يستر جسده بـ ''وزار'' خفيف وهذا سر نجاح تجربتي التي أكن لها كل الاحترام والرضا، فأنا لم أكن في يوم من الأيام ذلك الرجل الذي بتأشيرة قلمه يفتح أبواب الأمل والمستقبل أمام المقترضين، وفي تصوري أن وقوف أي حكومة إلى جانب الفقراء هو أحد الأسس القوية التي ينبغي الالتزام بها وعدم الحياد عنها، ذلك أن ترك الفقراء في مهب الريح أمام نيران الفقر يعتبر من وجهة نظري أكبر انتهاك لحقوق الإنسان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©