الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سنودن... كاشف للفساد أم خائن؟

2 فبراير 2014 12:15
بيتر سواير عضو مجموعة مراجعة عمل تكنولوجيا الاتصالات والاستخبارات هل يعتبر إدوارد سنودن كاشفاً للفساد أم خائناً؟ ثمة انقسام ثقافي كبير بين وادي السيليكون وواشنطن بشأن هذه القضية، وتكشف أسباب هذا الانقسام عن أمور كثيرة بشأن النقاشات واسعة النطاق إزاء ما ينبغي فعله في أعقاب تسريباته. وفيما يتعلق بوجهة نظري الخاصة، كتبت عن السرية والإنترنت على مدار عقدين، من خلال عملي عن كثب مع جماعات الحريات المدنية وشركات الإنترنت. وأما على الصعيد الحكومي، فقد عملت للمرة الأولى مع وكالات الاستخبارات في نهاية عقد التسعينيات عندما ترأست قوات المهام في البيت الأبيض المعنية بقوانين التشفير والتنصت على الهواتف. وبصفتي عضواً في مجموعة المراجعة التي كلفها أوباما بالتحقيق في عمل تكنولوجيا الاتصالات والاستخبارات، تحدثت مع عدد كبير من الأشخاص في عالم المخابرات، لم يقل أحد منهم إن سنودن كان كاشفاً للفساد، وبلغ غضبهم مداه. ويرجع جزء من هذا الغضب إلى الروتين اليومي في التعامل مع مواد سرية، لا سيما أن حمل هاتف نقال داخل منشأة أمنية عن طريق الخطأ يكاد يرقى إلى حد انتهاك الأمن، ويطبق آلاف الضباط القواعد، ويتعرض العاملون للفصل عندما لا يتعاملون بحذر شديد مع المواد السرية. ويرى ضباط الاستخبارات سنودن على أنه مجرم دمر أسراراً بالغة الأهمية، وأنه قد تآمر على مدار أشهر لانتهاك قوانين شديدة الحساسية، كما تعامل مع أعداء أجانب بشأن عدد من البرامج التي تتطلب ساعات لا حصر لها من أجل مراجعتها، وكثير من هذه البرامج لن تستعيد فعاليتها السابقة. وعلى الرغم من أن اللجان التابعة للكونجرس كافة أو وكالة الأمن الوطني رفضت الخيارات كافة القائمة للتعامل مع سنودن ككاشف للفساد، إلا أن الرؤية من وادي السيليكون وجماعات السرية تبدو مختلفة بشكل كبير. وأثناء الخريف الماضي، سألت رئيساً لإحدى كبريات شركات التكنولوجيا بشأن الجدل الدائر حول «ماهية كشف الفساد في مقابل الخيانة»، فأجابني بأن أكثر من 90 في المئة من موظفيه يصفون سنودن بأنه كاشف للفساد. ويرتكز جزء من هذا الرد على اعتبار أن هذا النقاش الوطني المحتدم بشأن برامج وكالة الأمن الوطني لم يكن سيحدث لولا تسريبات سنودن. وينطلق قلق مجتمع التكنولوجيا في وادي السيليكون بشأن وكالة الأمن الوطني من الفلسفة المناهضة للسرية، وأحد الشعارات المعروفة هناك هو أن «المعلومات ينبغي أن تكون حرة». وقد تزايد غضب مجتمع التكنولوجيا عندما كشفت وسائل الإعلام أن وكالة الأمن الوطني كانت قد قوضت على الأقل أحد معايير التشفير الدولية. وكانت إمكانية تصدير برنامج تشفير قوي قضية ساخنة في تسعينيات القرن الماضي، عندما زعمت وكالة الأمن الوطني أن استخدام برامج التشفير القوية من شأنه تمكين الإرهابيين والأعداء من التمتع بحصانة من الرقابة. ولكن في عام 1999، استطاع تحالف من شركات تكنولوجيا وجماعات سرية وشركات إنترنت إقناع الحكومة الفيدرالية بالسماح بتصدير برامج تشفير قوية، غير أن تقارير إعلامية العام الماضي أحيت مخاوف كامنة بين شركات التكنولوجيا بأن الوكالة تؤسس لشبكة إنترنت غير آمنة تماماً. وزاد الغضب عندما كشفت وسائل الإعلام أن الوكالة كانت تتنصت على خطوط الاتصالات المستخدمة من قبل مزودين لخدمة «الحوسبة السحابية» على شركة الإنترنت. ورداً على ذلك، اعتبر براد سميث مستشار شركة «مايكروسوفت» أن تطفل الحكومة المتوقع في الوقت الراهن يشكل «تهديداً دائماً ومتطوراً»، وهو مصطلح فني كان يستخدم في السابق لوصف هجمات الإنترنت من قبل الصين. ومنذ ذلك الحين، اشترت شركات التكنولوجيا الكبرى صفحات إعلانية كاملة في الصحف للتعبير عن مخاوفها الجادة. وتكشف الفجوة بين الغضب من سنودن والغضب من وكالة الأمن الوطني عن التوتر بين الحكومة وكثير من الشركات التكنولوجيا العالمية، فأي الجانبين محق؟ بعد أن خضت غمار القضية، أعتقد أن سنودن كان من الممكن أن يصبح «مستنكفاً ضميرياً»، ولكنه حتى الآن فشل في الاختبار، لا سيما أن المبدأ الأساسي لـ «المنشق السلمي» هو تحويل ضمير المجتمع بتحمل مسؤولية شخصية، فنجد أن المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج سجنا بسبب آرائهما، ولكن سنودن لاذ بالفرار. وبالطبع، ليس بالأمر الهين أن نطلب من شخص الذهاب للسجن، ولكن من المعروف أن سنودن نصب نفسه فوق القانون، زاعماً سمو أخلاقه. غير أن العفو الكامل عنه، من دون قضاء أي فترة في السجن، من شأنه وضع سابقة بشأن إخضاع آخرين في مجتمع الاستخبارات للمحاسبة حال انتهاكهم للقواعد الأمنية. وإذا نحينا مصير سنودن جانباً، ينطوي الصراع الثقافي على دروس بشأن كيفية مزج وجهتي نظر الحكومة وشركات التكنولوجيا. فقد أصدر أوباما مرسوماً تنفيذياً بأن السياسات الخارجية والاعتبارات الاقتصادية والخصوصية يجب أخذها في الحسبان عند اتخاذ قرارات حساسة بشأن جمع المعلومات الاستخبارية. ومثلما أوضحت الاتفاقية الجديدة بين وزارة العدل وشركات التكنولوجيا، ستكون هناك شفافية أكبر بشأن وصول الحكومة للاتصالات. وبالطبـع، تمخـض الجدل المحتدم بشـأن ما إذا كان سنودن كاشفاً للفساد أم خائناً عن وجهات نظر مختلفة بشأن القيم التي ينبغي مراعاتها عند التحكم في شبكة الإنترنت التي نستخدمها جميعاً. وتعتبر شبكة الإنترنت مكاناً تجري فيه أنشطة مراقبة للحفاظ على السلامة العامة، وميداناً ننخرط فيه في التجارة الإلكترونية ونعبر عن أنفسنا بطرق لا متناهية، والهدف هو إنشاء هيكل اتصالات يحمي قيمنا والمتنوعة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©