الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الألم بأشكاله الحادة عند البشر وتحت «أضلاع» المدن

الألم بأشكاله الحادة عند البشر وتحت «أضلاع» المدن
25 أكتوبر 2013 00:28
شهيرة أحمد (أبوظبي)- خلافاً لما يقال عن أن “المكتوب” يقرأ من عنوانه، فإن “المبصور” لا يقرأ من عنوانه، ولا يبوح بما ينطوي عليه من أفكار ومضامين إلا لعين المشاهد وهي تتابع تفاصيل المشاهد وحركتها في الكادرات. ففي ممرات الفيلم السرية يمكن للبصيرة أن تقع على تفاصيل مسكوت عنها، أو متوارية في تلافيف الصورة، أو مخبوءة بذكاء في تضاعيف السيناريو. مع ذلك، تظل العناوين عتبات أولى تمارس الوشاية على الأفلام، وتبوح أحياناً بقضيتها العامة أو هاجسها الذي تلاحقه.. هنا بعض ما تبوح به عناوين بعض الأفلام التي يعرضها مهرجان أبوظبي السينمائي السابع الذي تنطلق فعالياته اليوم في قصر الإمارات. عن السياسة وشؤونها، وعن ما يسمى “الربيع العربي” وشجونه المتشابكة كما تتشابك خيوط غازلة النسيج فتؤخر ولادة السجادة أو البساط، حدث ولا حرج. الأفلام في غالبيتها تفوح منها رائحة السياسة، والسياسة المقصودة هنا ليست مناقشات الحرية والقهر فقط أو الحرب والسلام. السياسة المقصودة هنا هي الإنسان، في أحلامه وآماله وحتى أوهامه.. في معاناته مع الطبيعة التي تدخل يوماً بعد يوم في أزمة تنفسية تحرمها من الهواء النظيف بسبب الاحتباس الحراري والاحتباس في معدلات الإنسانية التي تتراجع يوماً بعد يوم.. في بحثه عن الضائعين بسبب الحروب، المغيبين في السجون، السارحين وراء هوية متشظية لا تلمح لنفسها حضوراً في مرايا الاغتراب.. في عزلته وإعاقاته الجسدية والنفسية والاجتماعية.. في انكساراته ولوعاته وهو يلوب وراء رغيف الخبز الذي صار أعز من الكرامة، وأغلى من الوطن. بهذا المعنى الواسع، العريض، تحضر السياسة في غالبية الأفلام، من دون أن تغيب مقولتها المباشرة عن بعضها الآخر. خبز و.. حرية التغيير والحريات والقهر السياسي والخوف واستحقاقات الكرامة وتحولات الناس في غير مكان من العالم العربي هي بعض الهموم التي شغلت صناع الأفلام خاصة العربية، من ذلك على سبيل المثال: فيلم المخرج المصري أحمد عبد الله “فرش وغطا” الذي يرصد فيه التحولات النفسية العاصفة الناجمة عن الأحداث السياسية المتسارعة في مصر، وطوارئ الذات الباحثة عن الحرية حتى آخر قطرة في الروح، تلك الطاقة الهائلة التي تدفع بالناس الحالمين بالمستقبل إلى إيقاع ثوري عارم. بينما يرصد مواطنه شريف القطشه عوالم القاهرة ومتغيراتها وبشرها وزحمتها في فيلمه “القيادة في القاهرة” متخذاً من سيارات الأجرة وسائقيها ثيمة يلقي عليها حمولاته وتساؤلاته حول المدينة الكبيرة قبل ثورة 25 يناير وما بعدها. وفي فيلمه “السطوح” يرصد الجزائري مرزاق علوش إيقاع الحياة من الفجر حتى الغسق، وعلى وقع الصلوات الخمس، في الجزائر العاصمة التي تحولت إلى كتلة من المرايا منشورة في الهواء الطلق، مرايا تعكس التناقضات والعنف والتعصب والصراعات التي لانهاية لها. من فوق سطوح المنازل، يستشرف المخرج هموم المدينة وسكانها القاطنين في حكاياتهم اليومية ولحظاتهم الاجتماعية التي تنضج على نار مرجل سياسي بات انفجاره وشيكاً. وعند محمد الدراجي صاحب “تحت رمال بابل” نرى حجم العسف والقهر وفقدان الأمن، وهو يستلّ من التاريخ لحظة إشكالية رافقت غزو الكويت والانتفاضة الشعبية التي عمت جنوب العراق. ومن خلال حكاية الجندي العراقي الهارب من الكويت في أعقاب انسحاب الجيش العراقي منها عام 1991 الذي يلقى عليه القبض في الصحراء ويسجن بتهمة الخيانة، يطرح المخرج الكثير من الأسئلة عن معنى الوطن والخيانة والتضحية والأمل وغيرها. ناسجاً ملامح المفارقة بين الداخل (السجن) والخارج حيث الانتفاضة التي عمت جنوب العراق تعطي أملاً لأولئك القابعين في حقول الموت في بابل. فيما يدخل مواطنه هينر سليم إلى السياسة من باب الحب والعاطفة الإنسانية، حيث يحكي في فيلمه “بلادي الحلوة.. بلادي الحادة”، الذي سبق أن شارك في مهرجان كان السينمائي الأخير علاقة حب بين معلمة كردية شابة تقرر التدريس في قرية نائية تقع عند مثلث الحدود بين العراق وإيران وتركيا، وقائد الشرطة الذي تخلى عن منصبه الكبير في أربيل ليستقر في الجبال. وحدة حال وفيما تبوح المدن الثلاث (رام الله وبغداد وأربيل) التي صورها العراقي قاسم عبد في شريطه “همس المدن”، بما تشهده من قتل يومي مجاني تمارس فيه المفخخات نشاطها بكل أريحية، ورعب وخوف يبدو أشبه بـ “وحدة حال” تجمع بينها، يذهب الفلسطيني راني مصالحة في فيلمه “زرافاضة” إلى السياسة عبر معطى يومي حياتي بسيط يتمثل في علاقة الصبي “زياد” مع زرافتين في حديقة حيوانات قلقيلية قبل أن تقتل الصواريخ الإسرائيلية ذكرها. يسعى البطل إلى الحصول على بديل للأنثى الوحيدة. لكن البديل الوحيد موجود في حديقة حيوانات في الأرض المحتلة وهكذا، تأخذنا تشابكات الحكاية البسيطة إلى إشكالية العلاقة المعقدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الهم السوري أيضاً حاضر من خلال شريط المخر ج والناقد اللبناني محمد سويد صاحب “نساء عاشقات” و”ما هتفت لغيرها” الذي يحمل حتى في عنوانه لعباً لفظياً جميلا: “بلح تعلق تحت قلعة حلب”، لكنه لعب يأخذ المتلقي إلى السؤال التالي: أي علاقة بين البلح وحلب بعيداً عن لعبة الحروف هذه وقريباً من لعبة الموت التي تجري على الأرض السورية؟ سلام .. وسلام يشير عنوان فيلم “سلام بعد الزواج” للمخرج الأميركي غازي البعليوي من طرف خفي إلى السياسة، خاصة وأن اسم البطل هو “عرفات” (هل له علاقة بياسر عرفات؟)، وهل “سلام” العنوان هو سلام سياسي أم سلام اجتماعي لا يحتمل التأويل.. الفيلم وحده سيجيبكم على سؤال كهذا. أما المعلن فيقول إن “عرفات” هذا شاب نيويوركي في الثلاثينيات، غير موفق في علاقاته النسائية ومهووس جنسياً، وتعجز عائلته عن تزويجه. أخيراً يعتقد أن الفرصة أتيحت له للزواج بعد تعرفه على فتاة جميلة بحاجة للحصول على الـ “جرين كارت” وهذا ما يثير فزع عائلته. وفيما يأخذنا فيلم “أحلام المدينة” للمخرج السوري محمد ملص إلى خمسينيات القرن الماضي، الفترة المضطربة التي شهدت انقلابات عسكرية متلاحقة تركت أثرها على ذلك الجيل، يضعنا المخرج اللبناني زياد دويري صاحب فيلم “بيروت الغربية” أمام سؤال جوهري عن عبثية الحرب ومغزاها. تلك الحرب الأهلية اللعينة التي اندلعت في بيروت عام 1975 لم تكن لعبة أبداً كما بدا للشاب طارق وصديقه اللذان كانا يجدان المتعة في المناورة بين خطوط التماس وتصوير المشاهد العسكرية، لقد تحولت المتعة، بل بالأحرى الحرب حولت المتعة، إلى مأساة. يوميات المعزولين مع التونسي نجيب بلقاضي في فيلمه “بستاردو” حكاية لها طعم مختلف. ثمة شاب معزول، مرفوض من المجتمع، يجد حلاً للوصول إلى قلوب الناس عبر التكنولوجيا، في إشارة إلى استحالة العزلة في ظل التقدم المعلوماتي وفورة الاتصالات التي جعلت العالم كله قرية واحدة. بجهاز “جي إس إم” يتمكن الشاب اللقيط من قلوب أهل القرية الذين استطاعوا بفضل فكرته المبهرة من استخدام هواتفهم. يزخر هذا الفيلم الممزوج بالسوداوية والواقعية السحرية بشخصيات أكبر من الحياة. إنه عن حالة يتيم مضطهد، يساعده الحظ على الانقلاب والسيطرة على المشاغبين الذين يقلقون حيه المغلق. العزلة أيضاً تطل من خلال فيلم المصرية أيتن أمين التي تنجز مقاربتها السينمائية في “فيلا 69” متسائلة عن معنى الحياة والمرض والفناء عبر قصة البطل “حسين” الذي يعيش في عزلة اختيارية، قبل أن تقتحم شقيقته وابنها “سيف” حياته فتغير قناعاته التي يمتلكها حول الحب والأواصر والحاجة إلى الآخر. لكن الآخر لدى العراقي هشام زمان له حضور مختلف وممارسة متحولة. في فيلمه “قبل سقوط الثلج” يتطرق المخرج إلى قضية بالغة التعقيد تعاني منها المجتمعات العربية وهي “جرائم غسل العار” التي تقتل المرأة تحت يافطتها بدم بارد. ومع داوود عبد السيد نتابع شرانق المفارقات الاجتماعية وفانتازياتها وهي تتهيأ في فيلم “الصعاليك” الذي يرسم صورة ساخرة لسلوك المال وسطوته، من خلال صديقين صعلوكين لا مباليين، ينتقلان من قاع المجتمع إلى قمة الثروة والنفوذ من خلال صفقات تهريب مشبوهة. وبعد وفاة الأمير نرى المرأة الشابة تعود الى القصر مع مفيدة تلاتلي لكي تدخل في الصمت، ومعها تعود الذكريات التي تسلّط الضوء على الإرث الطويل للحريم من وراء النوافذ المشبّكة والستائر المخملية. أما رضوان الكاشف في “عرق البلح” فيبدو بعيداً جداً عن بلح المخرج محمد سويد. هنا، نواجه الوحدة والشقاء والألم المضني للمغترب الذي تتدلى عناقيده مثل البلح. ثمة رجال هاجروا بحثاً عن حياة أفضل، ومع مرور السنين، تدلّ رسائلهم على مدى الوحدة والمشقة التي يعيشونها. ذات يوم، يعود بعضهم بما يحتّم على الجميع قبول أن الأمور قد تغيرت إلى الأبد. ويتناول فيلم “عصفور السطح (حلفاوين)” للمخرج فريد بو غدير ثيمة تحتفظ بعصريتها. فيلم مؤثر ومرح يسلط الضوء على مرحلة البلوغ عند صبي، ولا يكتفي برصد طريقة تجاوبه المشوشة والمضطربة مع رغباته الأولى وحسب بل يقدم إطلالة نادرة على الجنسانية في الثقافة العربية. ولا يبتعد فيلم “عمر قتلته الرجولة” للمخرج الجزائري مرزاق علواش كثيراً عن الذكورة ومشكلاتها، لكنه يتناولها بأسلوب ساخر ينتقد فيه جيلا من المراهقين المعتدين بذكوريتهم. وكما يحضر الفقر ببذخ استثائي في حياة الكثير من أبناء الدول العربية يحضر أيضاً في السينما.. ربما يكون فيلم “جمل البروطة” للتونسي حمزة العوني مثالاً جارحاً عما يفعله الفقر بالبشر، بالعاطلين عن العمل الذين يتحولون يوماً بعد يوم إلى عاطلين عن الحياة. رعب إماراتي “جنّ” هو عنوان أول فيلم رعب إماراتي أخرجه توب هوبر صاحب “مذبحة المنشار الآلي في تكساس”. في منطقة تشهد تطوراً سريعاً ليست بعيدة من قرية غامضة يعمل أهلها في الصيد في رأس الخيمة، يمزج الفيلم بين نوع القوى الخارقة وبين الموروث العربي التقليدي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©