الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعاونيات الصحفية

15 أكتوبر 2012
تتوزع المؤسسات الإعلامية الصحفية، التقليدية والجديدة، على الصحف والمجلات؛ والإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء ومكاتب الخدمات الصحفية، ولكنها تنتمي كلها في النهاية إلى مهنة واحدة اسمها: صناعة الأخبار والقصص الإخبارية. وأيا كانت مبادئها وغاياتها، فلا بد لها من مقومات مالية وتجارية (بالمعنى التسويقي). ولكن بعض المؤسسات لا يتردد في جعل الصحافة، مؤسسة أو مهنة، باباً مسخرا للارتزاق بكل السبل، حتى أصبح البعض لا يتردد في أدبياته في الحديث لدى تصنيف وسائل الإعلام مثلا عن جهات الإعلام المأجورة كفئة قائمة بذاتها (إضافة إلى الإعلام الحكومي والإعلام الحزبي والإعلام التجاري والإعلام الليبرالي أو المفتوح). وقد زادت الأزمة المستمرة لوسائل الإعلام الصحفية منذ بضعة سنوات من فئة الإعلام المأجور، كما زادت من توجه بعض رجال الأعمال لتأسيس صحف ووسائل إعلام إخبارية، ولكنها لم تضف شيئا إلى قيم مشاريع الصحافة رغم التحولات العميقة التي تمر بها. فلم نلحظ مثلا حتى الآن مشاريع تعاونية يمكنها الإسهام في إنقاذ الوضع المتردي لكثير من الصحف وفي العديد من الدولة بما فيها الدول العريقة بالصحافة وتنقذ بطريقها فرص عمل مئات الصحفيين. ورغم أن كثيرا من الصحفيين هم أو باتوا من الأثرياء لكن لم نلحظ مثلا قيام شركات تضامنية بينهم تؤسس لكيانات صحفية جديدة متينة البنيان المالي والمهني في مقابل طفرة المشاريع الإعلامية التي يمولها أثرياء جدد ويشغلها أنصاف أو إعلاميين هواة. كنت قبل يومين مع أحد زملاء المهنة حين فاجأني بأنه يُخطط لترك عمله مديرا لتحرير إحدى الصحف اليومية وفتح مطعم بعد سنتين من الآن في إحدى الدول العربية الرخيصة التكلفة، وأنه اكتشف بعد هذا العمر الطويل في الصحافة بأن الحقيقة والبحث عنها والكتابة حكاية زائفة وأن ولاء الصحفي لا يمكن أن يكون إلا لرب عمله. بقدر ما سبب لي هذا الكلام مرارة بقدر ما جعلني أقدّر أكثر فأكثر تلك المشاريع التعاونية في بعض الدول الأجنبية، وأقدر أكثر جهود أولئك الذين أنجحوا هذه المشاريع رغم مرورها بفترات عصيبة ورغم عملها وسط غابة من المجموعات الصحفية الإعلامية الكبرى. لقد اختار هؤلاء الصحفيون والمؤسسون أصعب الخيارات، ولكنهم أثبتوا أنهم صادقون مع أنفسهم ومع قرائهم ومارسوا حياتهم بما ينسجم مع قناعاتهم. وهم بالتأكيد لن ينهوا حياتهم بمرارة صاحبنا الذي خرج من المهنة ويريد أين يتقاعد في مطعم. قبل أسبوع وقع تراشق إعلامي/سياسي محوره إسهام وكالة التنمية الأميركية في تمويل إحدى المجلات الهادفة والملتزمة. وصادف أني أعرف بعض مؤسسي هذه المجلة عن قرب ولا أشك لحظة في صدق نواياهم المهنية ونقاوة أخلاقهم المهنية. ولكن هذا التراشق، الذي أثر على رصيد هذه المجلة الملتزمة، لم يكن ليحصل لو كان هناك بدائل مالية مثل التمويل التعاوني. شخصيا لا أعتقد أن المستهلك العربي الذي ينفق الكثير يومياً وأسبوعيا وشهرياً على خدمات إعلامية (نافعة وغير نافعة) سيتردد في تملك بضعة أسهم في وسيلة إعلامية صحفية مقابل مبلغ زهيد، لكنه يحتاج إلى من يقنعه بمثل هذا المشروع. والغريب أن من بين مئات بل آلاف الصحفيين الذين يتبارون بالصوت والصورة وادعاء الفهم والقدرة على التأثير والتحليل الاستراتيجي لا يستطيعون إقناع بضعة عشرات من مواطنيهم ليؤسسوا معاً ولو مشروعا تعاونيا صحفيا واحدا. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©