الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النموذج التعاوني ينقذ الصحف من الإفلاس ويضمن لها الاستقلالية

النموذج التعاوني ينقذ الصحف من الإفلاس ويضمن لها الاستقلالية
15 أكتوبر 2012
تستحق تجارب الصحافة التعاونية إضاءة في هذا الوقت لاسيما بعدما أثبتت قدرة فريدة في صمود ونجاح الصحف والمطبوعات الورقية والمؤسسات الإخبارية في العصر الراهن، ليس ذلك فحسب بل إن الصحف التعاونية تضمن ميزة فريدة أخرى، وهي استقلالية هذه المؤسسات، خاصة عندما يكون المسهمون فيها من جمهور قرائها المحليين أو المستفيدين من محتواها المستقل. أبوظبي (الاتحاد) - تبرز صحيفة «داي تاجزيتونج» (ولقبها تاز) اليومية، التي تتخذ من برلين مقرا لها، كواحدة من أهم التجارب التعاونية، فهي صحيفة ناجحة ويملكها تعاونية تضم 12 ألفا من بين قرائها وتقدر أموال خزينتها بـ11 مليون يورو. وفي تقرير نشرته مؤخرا قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن «تاز» تأسست العام 1979 على يد ألمان غربيين يعتبرون أنفسهم محرومين من وسائل الإعلام المحافظة. ويقدر أن نصف قراء الصحيفة البالغ 60 ألفا من مناصري حزب الخضر المدافع عن البيئة. توظيف المدخرات كانت «تاز» تمول لسنوات من مخصصات الدولة، ولكن سقوط جدار برلين في العام 1989 أدى إلى خفض الدعم، وفي العام 1992 واجهت الصحيفة الإفلاس، وبعدها دخلت مرحلة التعاونية على يد مجموعة من القراء المعنيين الذين كانوا ينظرون بتقدير لاستقلالية الصحيفة ومصداقيتها وجرأتها على وضع «الإصبع على جراح النظام الاقتصادي». وقام أعضاء هذه المجموعة بتوظيف مدخراتهم في الصحيفة، التي يصح القول إنها أنقذت نفسها بنفسها، وواصلت مسيرتها. وعبر مبلغ 500 يورو فقط يمكن لأي قارئ الاستثمار في التعاونية، التي تتيح للمساهمين اقتراح استراتيجيات للصحيفة خلال الجمعية العامة السنوية. وفي الجمعية الأخيرة تمت مناقشة رفع مكافآت الصحفيين المتعاونين (الفريلانسرز) وحظر أي إعلانات للطاقة النووية. وداخليا تطبق الصحيفة مبدأ المساواة الكاملة في الفرص وسط العاملين في جهازها التحريري البالغ 140 محررا وصحفيا. ومن المفارقات أن تصمد هذه الصحيفة التعاونية وتستمر مع وضع مالي جيد، في وقت تعلن فيه واحدة من أكبر المؤسسات الإخبارية الألمانية إفلاسها، ففي خطوة اعتبرت مفاجأة قالت ثاني أكبر وكالة أنباء ألمانية وهي وكالة «دابد» (DAPD) التابعة لمجموعة «دابد» الإعلامية، إنها أعلنت إفلاسها إلى جانب ستة فروع أخرى تنضوي تحت ملكية نفس المجموعة القابضة، وفق بيان صدر مؤخرا. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن مصادر مقربة من الوكالة أن رواتب العاملين فيها لشهر سبتمبر، لم تكن قد دفعت بعد في الأسبوع الثاني من أكتوبر الجاري، وأن «وكالة العمال الفيدرالية» هي التي ستتولى دفع رواتب سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر. وينتظر أن يتم تعيين مفوض لتقرير مصير الوكالة في الشهر القادم. وذكرت مجموعة دابد أنها ستستمر بالقيام بعملياتها الإخبارية المعتادة حيث سيتلقى زبائن الوكالة خدماتهم المعتادة بالحجم وبالنوعية التي اعتادوا عليها. يذكر أن دابد كانت تأسست في العام 2010 نتيجة دمج وكالة «ددب» والخدمة الألمانية لوكالة أسوشيتدبرس الأميركية، وكانت تعتبر منافسا رئيسا لوكالة الصحافة الألمانية «دبا» (DPA). وجاء إشهار الإفلاس مفاجئا لبعض الأوساط لأن الوكالة كانت أعلنت أنها تنوي التوسع لاسيما بعدما استحوذت على وكالة «سيبا» للصور، التي كانت بدورها اشترت الخدمة الفرنسية لوكالة الأسوشيتدبرس في عملية هدفت إلى منافسة وكالة الصحافة الفرنسية في سوقها الوطني. والمفارقة التي لا تقل أهمية تتمثل في أن وكالة «دبا» التي تأسست عام 1949 تتبع بنفسها النموذج التعاوني الربحي بين صحف ومؤسسات إعلامية إخبارية متنوعة، وينتظر أن تكون الآن بوضع سوقي ومعنوي أقوى بعد إفلاس منافستها المحلية، علماً بأن عوائدها عام 2010 بلغت أكثر من 87 مليون يورو، وهي تشغل نحو 800 موظف، وتبث عالميا بأربع لغات، ولها مكاتب في 80 بلدا أما في ألمانيا فلها 12 مكتبا إقليميا مع عشرات المكاتب التمثيلية. الجدل التقليدي وإذا كانت «دبا» و«تاز» تمثلا نموذجين ناجحين جدا للصحف والمؤسسات الإخبارية بشكل مكنهما من تخطي الجدل التقليدي الدائر حاليا في صناعة الأخبار وتغيرات الإنتاج الرقمي، فإن ثمة حالة أخرى تشير إلى أن الانتقال إلى النموذج التعاوني يمكن أن ينقذ حالة صحفية تقليدية في ذروة التحولات الراهنة التي تعيشها الصحف. ويتعلق الأمر بتجربة صحيفة «هاواي» المستقلة التي سلكت طريقا رائدا بسعيها إلى الاستقلالية المحلية عبر الخيار التعاوني، وتحديدا عبر مساهمين تعاونيين من أعضاء البيئة أو الجماعة المحلية (من الولاية) في رد غير مباشرة على امتلاك شركة أجنبية كندية للصحيفة الوطنية في البلاد، وفي اتجاه يسعى إلى خصوصية «وطنية» نوع ما ضمن المحيط الأميركي. وكانت «هاواي» الصحيفة الأسبوعية بدأت قبل خمس سنوات وقبل أن ترسو على نظام التعاونية كمشروع تضامني، حيث شاركت مجموعة مستثمرين محليين في تمويل صحيفة أنشأها مجموعة صحفيين وناشطين محليين، بينهم المؤسس الناشر ورئيس التحرير إيكاكي هوسيه. ولكن هوسيه عاد مؤخرا إلى المستثمرين أنفسهم، وحصل على موافقة لتطوير المشروع نحو النموذج التعاوني التجاري للمؤسسات الإخبارية. وتتميز «هاواي» بأنها تعرض للقراء والجمهور خيار الاشتراك أو التملك، مع فوائد أخرى كثيرة، مماثلة لمبادئ التعاونيات الدولية وتحكمها القوانين الناظمة. ولكن هوسيه استلهم من مشروع «بانيان» لدعم مستديم لدور الصحافة في الولايات المتحدة في إنقاذ الديمقراطية من الاضطرابات التي لحقت بها، وقد حرص هوسيه على ترجمة إيمانه بأن استقلالية الإعلام يتطلب ملكية محلية أي «مساهمين محليين يبنون صحافة متينة». وحققت «هاواي» المستقلة في العام الماضي ربحا ماليا، وينوي هوسيه إرسال شيك بالأرباح للمساهمين في ملكيتها مع نهاية هذا العام. وعن بداية هذا المشروع الريادي، يقول هوسيه «جئت من خلفية تنظيمية محليا وعملي كان يركز بشكل أولي على العمل مع الصحفيين لفهم المشاكل الاجتماعية والسياسية. لهذا أنا أعرف الكثير عن القصص التي تنتظر النشر. وقد كان هناك شيء عزيز علي حقاً وهو مفهوم ملكية وسائل الإعلام من قبل الجماعة المحلية. الآن في هاواي هناك صحيفة مطبوعة احتكارية، ستار أدفرتيزينج، التي تمثل تحالفاً مع مجموعة تحتكر التلفزيون أيضا، والمتمثل بثلاث محطات تلفزيونية تعمل معاً؛ الواحدة تبيع الإعلانات في كل من المحطتين الأخريين كما تتشارك في المحتويات (البرامج). أنا أؤمن بأننا نحتاج لبديل. الآن تحديدا في هاواي هناك فقط مطبوعات صغيرة قليلة للغاية. مطبوعتنا هي الوحيدة المملوكة محلياً». مشروع صغير عندما كان هوسيه يتحدث في ملتقى تطوير ودعم الصحافة، أشار إلى أنه «قبلاً كنا شركة تضامنية ومجرد مشروع صغير نموذجي مع مساعدة مستثمرين محليين. لقد صرفنا الكثير من الوقت فعليا نتحدث مع محامين ونحاول أن نتصور طريقة لنصبح شركة تجارية عامة داخل ولاية هاواي فقط. ولكننا اكتشفنا أن هذا سيكون مكلفا. لهذا قررنا أنه سيكون منطقيا أكثر إعادة تشكيل الشركة التضامنية كتعاونية حيث يكون بإمكاننا إنجاز الكثير من الأهداف نفسها، وهو ما يتطلب مجلس إدارة أساسها ملكية محلية». وعن أهمية هذه النقطة، أي تملك المجموعة أو البيئة المحلية لوسيلة إعلامية يقول أن ذلك مهم «لأن لهاواي تاريخها الخاص وما حصل في السنوات المائة الأخيرة كان عبارة عن سيطرة على مؤسساتنا المحلية من قبل الولايات المتحدة، في السنتين الأخيرتين، قامت إحدى صحفنا بشراء الصحيفة الأخرى ثم تم شراء هذه الصحيفة من قبل شركة كندية. من هنا تولّد شعور بأننا خسرنا مؤسساتنا المحلية. إذن نحن نحتاج مؤسسة تبقى هنا للأبد. وأعتقد أن الطريقة الوحيدة لعمل ذلك هو الملكية المحلية- أي مؤسسة مملوكة فعليا من الجماعة المحلية- وليس فقط مجرد مؤسسة يملكها شخص صاحب ثروة كبيرة. وهكذا ستكون المؤسسة متجذرة في الجماعة». وإذا كان أغلب التعاونيات مثل التعاونيات الغذائية تعطي المالكين حصة من الأرباح، يؤكد هوسيه أن تعاونية «هاواي» ستفعل نفس الشيء ويضيف «يجب أن يكون بمقدورنا فعل ذلك، فقد كنا رابحين في نهاية العام الماضي ما يعني أننا سنكون بموقع توزيع أرباح في نهاية السنة الجارية، ولكن من غير المتوقع أن يكون ذلك على مستوى مبالغ طائلة، بل سنعيد لهم شيئا ما». ويتابع «مع ذلك فإن التعاونية الصحفية تشبه التعاونية الاستهلاكية، التي يحرص المساهمون فيها على الشراء منها وليس من البقالة، فذلك سيعود عليهم ببعض الفوائد وبعض المال، ومهما كان مقدار ذلك يكفي أن يشعروا أنهم شركاء في هذا الشيء، ولا شك أن هذا الشعور يولد لديهم غيرة على نجاح المشروع، وكلما كبر المشروع، كانت متعة هذا الشعور أكبر».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©