السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معادلة السكن والعيش

معادلة السكن والعيش
26 أكتوبر 2011 21:04
لامست مسرحية “بس بقرش” الخطوط الحمراء وعبرت بكوميديا الضحك عن هموم مواطن أردني وربما تجاوزته لمواطن عربي في مكان ما له نفس الهموم والمصاعب الحياتية، خاصة فئة الشباب الذين يبحثون عن حلمهم من خلال برنامج إذاعي بعنوان “احكيلنا حلمك” ليفاجأ المذيع مازن ذياب بأحلام كلها خارج قدرة برنامجه ولا يملك إجابات لها. المسرحية استهلت بعبارة بصوت مخرجها يحن فيها لطفولته البريئة والماضي الجميل، وتحوي الكثير من المعاني والرموز: “زمان وإحنا صغار.. كان كل شيء أحلى.. كنا نحب ونتمرجح.. نفوت في النسمات.. بعروقنا تتغلغل الغيمات.. تصير كريات دمنا وردية.. ولما كبرنا صار كل شيء بتمرجح صرنا نتمرجح غصب عنّا.. بطّل فيه طعم للدوخة”. وعلى مدى ساعة تقريبا أثبت الفنان المخرج محمد الإبراهيمي تجربة ناضجة وصاعدة تعزف على الوتر الحساس لكل مواطن، لدرجة أنه يخيل للمشاهد، خاصة الشباب أنه يتحدث باسمهم ويعبر عن مشاكلهم الحياتية مرة بلغة مباشرة وأخرى بالرمز ليضع مشاهده أمام مفترق يختار بعدها وجهته. وفي بداية العرض بالمسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمان، وقف الممثلون تتقدمهم صورة الفنان الراحل محمود صايمة وقفة وفاء وتقدير لدوره في إثراء الحركة المسرحية الأردنية، الأمر الذي استقبله جمهور عريض بالتصفيق على اللفتة الإنسانية. وفي اتصال هاتفي أصيب مقدم برنامج “احكلينا حلمك” بصدمة عندما طرح عليه محمد الإبراهيمي، وهو مؤلف ومخرج العمل المسرحي: “أحلم بأن أكون حمارا.. أحكي ليّ مع المسؤولين” مبررا حلمه بأن الحمار يأكل ويشرب وينام ومرتاح، لكنه يجد مشقة في أن يأكل أو يشرب أو ينام، أي أن حياة الحمار أفضل من حياته. ويصدم المذيع أيضا عندما تحلم الزوجة أن تصبح حمارة، ليرد عليها محمد الإبراهيمي في موقف غاية في الكوميديا الساخرة: “زوجة الحمار حمارة فهل يمكن أن تكون زرافة”، لتتوالى أحلام الشباب المتصلين، فذاك يريد أن يكون صفرا، وآخر يريد أن يهاجر لكل دول العالم، وآخر يقول “أنا قدمت طلب هجرة لهون.. أنا ساكن.. مش عايش” بما فيها من إسقاطات اجتماعية وسياسية “أن تصبح مجرد ساكن على أرض ما دون ارتباط أو انتماء لها ولا تتمتع بالمواطنة بما تحوي من حقوق وواجبات غير منقوصة فتلك مأساة”. وقال الإبراهيمي بعد العرض لـ”الاتحاد الثقافي”: “إننا وصلنا لمرحلة نفقد فيها أوزاننا واحلامنا في ظل ما يجري في الشارع العربي والعالم كله، فهناك الاحتباس الحراري والطاقة النووية والمجاعات والحروب فلم يعد لدينا مساحة للحلم”. وحول توصله إلى أن الانتحار هو الحل أوضح أن الحلم يكون أحيانا مرتبطا بشيء رحل ولن يعود، فالأشياء التي تأتي متأخرة أو لا تأتي في حينها لماذا تأتي فمن هنا رأت الشخصية الرئيسية أن الانتحار هو الحل. كذلك فإن الشخصية الثانية، يتابع الإبراهيمي، التي قدمها الفنان نائل أبو عياش كانت طوال العرض تحاول فقط أن تنام من أجل أن تحلم دون تفكير بتحقيق الحلم.. يكفيه أن يحلم لأنه فاقد للقدرة على ممارسة الحلم “نحن في حقبة فقدنا فيها القدرة على الحلم”. المسرحية تناولت قضية مهمة تتمحور حول الحب بين عهود الزيود “ليلى” ومحمد الإبراهيمي، وما تعانيه الفتاة في المجتمع الأردني في التعبير عن عواطفها وسطوة الأشقاء على الأخوات ومراقبة حتى خلجات قلوبهن، والمصاعب التي يكابدها الشباب الذين يعتزمون ترجمة عواطفهم وتأسيس أسرة واضطرارهم إلى تأجيل فرحهم وسعادتهم حتى يجدوا لقمة العيش. صعوبة الحياة وضنكها لم تتوقف هنا بل دفعت بطلها محمد الإبراهيمي الذي يحتاج لقليل من الأمل والحلم والكبرياء “غير الصلاة والصوم ما يغيروا حالي” كما تقول الأغنية “يصطدم أيضا بإضراب للأطباء الذين يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية عندما توشك زوجته على الولادة لتموت وطفلها لرفض الأطباء استقبالها “يا ولدي كنت أريدك سندي في شيخوختي.. هناك بتناموا مع الغيمات.. هنيئا للسماء بكما بدل الأرض”. هذا المواطن يسأل مذيع برنامج “احكلينا حلمك”: “هل الانتحار حرام؟” ليرد عليه: “هذا السؤال ليس من اختصاصنا هناك برامج أخرى تجيب عليه “يا رب جهنمك أفضل من جنتهم” على اعتبار أن المنتحر مصيره جهنم لأنه قنط من رحمة الله تعالى. ويوضح العرض المسرحي تأثير الأنثى عندما ينتحل محمد الإبراهيمي شخصية سيدة دلوعة تتصل بالبرنامج ليتغير صوت المذيع وتعامله واستعداده للمساعدة، كما لم يتجاهل الحراك العربي ومطالب الحرية والعدالة الاجتماعية في مجتمعاتنا ليقدم تعريفا جديدا لمعنى الدكتاتور يقوم على أساس انه الذي “يفتك بشعبه حتى يثور عليه”. أما عهود الزيود التي تنتمي لجيل الشباب فقد كان حضورها ملفتا وطبيعيا ووقفت على الخشبة بثقة وكبرياء العاشقة رغم حالة الرعب التي تنتابها عندما تسمع حتى نحنحة شقيقها، فيما كان الفنان عبدالرحمن بركات رائعا في حركاته وقفشاته، وافلح معتز اللبدي في بيع الحكي وتقديم ديكور بسيط عبارة عن مجموعة من الأراجيح، وبشار نجم في الهروب. بقيت الإشارة إلى أن “بس بقرش” أول مسرحية أردنية تقف قبل بدئها شابة جميلة على مدخل المسرح لتطلب من الحاضرين قرشا أردنيا كرسم دخول، فيما كان خمسة ممثلين رئيسيين يؤدون دور “الدوبلير” إضافة لأدوارهم. بطاقة الدخول حملت عبارة معبرة وذات مغزى لمن يعي: “ادفع قرشا احمر وأحضر ملهاة سوداء ما بين نكهة العتمة وعبق الدم سقطت منها الملامح واحتفت كل الأسماء فمن أحبتي من مضى ومنّا من لا زال مكابرا على قيد البقاء”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©