الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأدباء النبلاء في رحلاتهم المعرفية

الأدباء النبلاء في رحلاتهم المعرفية
26 أكتوبر 2011 21:01
حظيت مادة “رَحَلَ” في معجم لسان العرب لأبن منظور، بنصيب كبير من الشرح، والتفصيل في معانيها، وكذلك في بقية معاجم العربية المعروفة، وجاء في لسان العرب: “رحل البعير رحلاً، فهو مرحول ورحيل، وأرتحله جعل عليه الرَحْل... ارتحلت البعير إذا ركبته... ويقال رحل الرجل إذا سار، وقوم رُحّل أي يرتحلون كثيراً”... ورغم تعدد مشتقات مادة “رحل” إلاّ أنها تشترك في معنى عام واحد، هو الحركة، التي ارتبطت بالإنسان قبل وجوده على وجه الأرض وبعده. وقد أوقف الكاتب السوري محمد منصور الفصول السبعة لكتابه “أدب الرحلات النبيلة”، للحديث عن أدب الرحلات النبيلة الذي قال في مقدمة كتابه: “منذ بدأ الإنسان يكتشف أن العالم الذي يعيش فيه على هذه الأرض مترامي الأعراق، متباين الألسن واللغات، متعدد الثقافات والحضارات، غني في التقاليد أقوامه وغرائب طبائع شعوبه، كان عليه أن يرتحل لكي يكتشف في مرآة الآخرين، يحدوه فضول المعرفة وطلب العلم حيناً، وشوق المغامرة والسفر لرؤية بقاع جديدة لم يعرفها حينا آخر”. ويضيف: “ارتحل الإنسان للتعرف إلى بيئات مختلفة كل الاختلاف عما عاشه في بيئته التي انطلق منها، ومن هذا الاختلاف وجد أفقاً جديداً في النظر إلى الحياة، وسبيلا مختلفا من سبل صقل روحه التواقة للكمال الذي يبقى حلما لا يبلغ، أو كما يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة “والرحلة لابد منها في طلب العلم، ولاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال”. واختتم المؤلف بالقول: “وعلى مر التاريخ، ظل أدب الرحلات الذي ازدهر خلال فترة الفتوحات الإسلامية وما تلاها من الاستقرار والازدهار.. والذي أسهم فيه العرب القدماء بقسط وافر من الكتب والأسفار التي يحفظها التراث الإنساني اليوم؛ ظل الوسيلة المثلى لاكتشاف الجغرافيا والتاريخ معا، لدراسة الحجر والبشر.. للترويح عن النفس تارة، وإشباع الفضول المعرفي للغريب والمختلف تارة أخرى.. وجاء أدب الرحلات أحياناً أخرى تعبيراً عن المغامرة أو المخاطر، لتكتشف مجهولاً، سواء كان هذا المجهول مكانا نائيا، أو قبائل معزولة، أو حضارات دراسة.. أو طباعا تحمل في طيات اختلافها طقوس الغرابة وأطياف الدهشة. ولئن وثقت كتب الأدب ودراسات النقاد، هذا النوع من الرحلات الاستكشافية أو الأدبية أو المعرفية، على تعدد واختلاف دوافعها وأشكالها ونوايا القائمين بها أو الممولين لها؛ فإن هناك نوعا من الرحلات التي لم يتم تسليط الضوء عليها على النحو الذي تستحقه”. تشيخوف وغرين تضمن الكتاب سبعة فصول، بدأها مؤلفه بالفصل الأول “أنطوان تشيخوف في جزيرة سلخاين” التي قام تشيخوف برحلة شاقة لتفقد ظروف السجناء والمفقودين في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، حيث أثارت أصداء واسعة في روسيا وخارجها آنذاك، واعتبرت الكتابات التي أصدرها تشيخوف عنها “مُؤلَفاً يفيض بالخواطر عن الإنسان والألم والكفاح والقسوة والتخاذل والشجاعة”. غراهام غرين في أدغال أفريقيا بينما عرض الفصل الثاني لـ”غراهام غرين في أدغال أفريقيا”، وهذه الرحلة حملت في طياتها ملامح البحث الإنساني عن الحقيقة في مجاهل الألم والعسف والجُور.. إنها رحلة الكاتب الإنجليزي إلى أدغال أفريقيا التي اكتشف فيها على جانب قسوة العالم، ما يبدو نقيضاً لذلك تماماً: إنّه حُب الحياة! برناد شو أما الفصل الثالث من الكتاب فحمل عنوان “جورج برنادشو في الاتحاد السوفييتي”، وهي رحلة سخرية لبرنادشو من تناقضات الشيوعية، إذ يقول المؤلف فيه: “بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بانفراط عقد الاتحاد السوفييتي عام 1991م، ثم سقوط جدار برلين عام 1989م، وتوحيد ألمانيا عام 1990م، ظهرت في دول المعسكر الشرقي السابق، العديد من الأفلام السينمائية التي تتحدث عن الحياة في ظل الشيوعية. وقد بلغت بعض الأفلام نجاحاً فنياً كبيراً، لأنها عالجت موضوعها بكثير من السخرية، وتعاملت مع الشعارات والأكاذيب ونظم الاستبداد التي عاشت في ظلها تلك البلدان لعقود طويلة، بروح مَرِحَة فَكِهَة، بلغت ذروة الألم الإنساني عبر الابتسامة المُرّة والفكرة اللّماحة، والغوص العميق في تفاصيل حياة كانت مؤسسة برمتها على الإدعاء والتلفيق وتكميم الأفواه”! وربما كانت رحلة الكاتب الأيرلندي جورج برنادشو إلى الاتحاد السوفييتي في أربعينيات القرن العشرين، لا تقل سخرية وطرافة عمّا يمكن أن نراه في الأفلام التي تناولت الحقبة الشيوعية في الآونة الأخيرة، إلاّ أن ميزة تلك الرحلة أنها سبقت الآخرين في رؤية الحقيقة بعقود وعقود من الزمن! كاتب ياسين وأفرد منصور الفصل الرابع للحديث عن رحلة “كاتب ياسين في فيتنام”. فقد تمت رحلة الروائي والكاتب المسرحي الجزائري إلى فيتنام، في نهاية الستينيات من القرن العشرين، وكما يقول المؤلف بأنها كانت: “بمثابة صرخة حق لمناصرة الشعب الفيتنامي في معركته التحررية ضد الغزو الأميركي لبلاده، كما تجلى ذلك في مسرحيته الشهيرة ـ رجل ذو الحذاء المطاطي ـ التي كتبها من وحي تلك الرحلة”. جان جينيه وخصص محمد منصور الفصل الخامس حول ما كتبه الكاتب المسرحي الفرنسي “جان جينيه في صبرا وشاتيلا بعد المذبحة” الذي روى ما شاهده ودونه من مذابح يندى لها جبين الإنسانية من قتل ودمار عام 1982م التي استهدفت السكان العُزّل في اثنين من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت، التي كانت في تلك الفترة عرضة لاجتياح الجيش الإسرائيلي، فقال محمد منصور: “كان على كاتب “يوميات سارق”، ومسرحيات “الخادمة”، و”الشرفة”، الذي كتب عنه سارتر كتابه الشهير “القديس جينيه: ممثل وشهيد”، كان عليه أن يختزن تلك الوقائع والصور حين كان عليه أن يمارس لعبة “النطة” فوق الجثث كي يعبر في أزقة المخيم. ألبرتو مورافيا أما الفصل السادس فقد أفرده المؤلف للروائي “ألبرتو مورافيا في شبه الجزيرة العربية”، وأشار فيه إلى أنه: “بين ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، كانت صورة العربي الذي يمتلك منابع النفط والثروة... ومع موجة الأفلام الهوليوودية العنصرية والمسيئة، التي صورت العربي قبل ذلك: جاهلاً، متخلفاً، شهوانياً، يعيش حياة همجية في صحراء لا حضارة فيها سوى بضعة خيام وجِمَال وخناجر مسنونة...”. وأضاف قائلاً: ولم يشأ البرتو مورافيا الكاتب الأيطالي الشهير ومبدع روايات “اللامبالون”، و”الطوحات الخائبة”، و”اللعبة الخطرة”، و”الوباء”، و”السأم”، و”الاحتقار”، و”المتفرج” وسواها؛ لم يشأ أن يظل أسير تلك النظرة المسبقة، ولم يترك لنفسه أن ينساق وراء مشاعر عدوانية تلغي أصالة اكتشاف الصورة الحقيقية التي قد نتسلح في لحظة ما، بفضول المعرفة الذاتية؛ لكي نعيد رسم ملامحها الدقيقة والموضوعية”. وختم قائلاً: “وما إن وقع هذا الكاتب الكبير، على فرصة إنتاج التلفزيون الإيطالي لفيلم عن العرب بعنوان “النفط والحياة الجديدة” عام 1977م حتى رأى فيها ضالته المنشودة لتمويل رحلة المعرفة الذاتية والفنية في آن معاً، فأنطلق إلى شبه الجزيرة العربية ليستكشف ماضياً عريقاً، وواقعاً مُعاشاً وحافلاً، وقد حاول أن يصوغ انطباعاته الذاتية خلال عشرة البشر والترحال عبر طيف التاريخ وأفق الجغرافيا بأكبر قدر من ثقافة الآخر”. غارسيا ماركيز وختم المؤلف محمد منصور فصول كتابه بالفصل السابع الذي جاء تحت عنوان: “ماركيز يروي رحلة ميغيل ليتين السرية إلى تشيلي”، ورحلته مغامرة سطرها على الورق الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، وعاش تفاصيلها ووقائعها المثيرة على ارض الواقع مخرج سينمائي تشيلي هو ميغيل ليتين، الذي قام برحلة سرية إلى بلدة في عهد الدكتاتور التشيلي السابق أوغستو بينوشيت... في واحدة من أكثر المغامرات خطورة وإثارة على حد قول المؤلف...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©