الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معارك الجامع.. والجامعة

معارك الجامع.. والجامعة
26 أكتوبر 2011 21:01
الشيخ عبدالمتعال الصعيدي أحد علماء الأزهر البارزين في النصف الأول من القرن العشرين، كان أستاذا بكلية اللغة العربية وأحد الذين تشربوا دعوة الأستاذ الإمام محمد عبده للإصلاح في الأزهر، ولذا عمل على مواصلة هذا الطريق وبسبب ذلك اعتبر من المعارضين والمتمردين ونال العقاب من القائمين على أمر الجامعة العريقة. والشيخ عبدالمتعال صاحب العديد من الدراسات حول حرية الفكر في الإسلام وحرية العقيدة ومن بين كتبه أيضا “تاريخ الإصلاح في الأزهر.. صفحات من الجهاد في الإصلاح”، وهو من الكتب المبكرة في تاريخ الأزهر عموما وعملية الإصلاح فيه، صدرت طبعته الاولى عام 1943 وأصبح نسيا منسيا حتى صدرت منه طبعة جديدة، قدم لها د. وائل الصعيدي حفيد المؤلف، وهي مقدمة لم يكن لها ضرورة علمية ولا مفيدة للقارئ.. صراعات نفوذ تأسس الجامع الأزهر مع بناء القاهرة أي ان عمره جاوز الألف عام، وهو ليس أقدم جوامع مصر. فقد سبقه في الإنشاء جامع عمرو بن العاص الذي رافق تأسيسه دخول الإسلام مصر، وهناك جامع احمد بن طولون، فضلا عن عدد آخر من الجوامع، لكن الأزهر تميز عنها جميعا بأنه صار جامعة الى جوار الجامع، وكانت العادة ان كل مسجد كبير تقام به مدرسة لعلوم الدين من فقه وحديث وتفسير وغيرها، وكانت الدراسة بها مجانية، حيث يوقف الأمراء والأعيان الكثير من الأوقاف عليها وفي العصر المملوكي كانت مدرسة جامع السلطان حسن هي المدرسة الأبرز، ولم تكن مدرسة الأزهر متميزة آنذاك، فضلا عن إن الأزهر تعرض لمحنة حين حكم صلاح الدين الايوبي مصر فقد قرر إغلاق الأزهر نهائيا بناء على فتوى من فقيه الشافعية بأنه لا يجوز ان تقام الصلاة الجامعة في مسجدين بمدينة واحدة، وهكذا كان في القاهرة جامع الحاكم بأمر الله والجامع الأزهر فتقرر إغلاق الأزهر، وظل كذلك 98 عاما، ثم أعيد افتتاحه من جديد. وقد كان صلاح الدين حين أغلق الأزهر يريد الحد من النفوذ الشيعي في مصر والذي خلفته الدولة الفاطمية لكن أعيد افتتاحه في العصر المملوكي ولعبت الظروف التاريخية دورا مهما لصالح الأزهر فقد اجتاح المغول بغداد وهاجر علماؤها الى مصر واستقبلهم الأزهر نظر لسعة مساحته عن المساجد الأخرى التي بها مدارس، فضلا عن ان الأوقاف عليه كانت كثيرة وكبيرة، ومن ثم كان العائد المادي على الفقهاء والمعلمين أكبر. وعلا شأن الأزهر بأن كبار العلماء مثل عبدالرحمن بن خلدون كانوا يقومون بالتدريس فيه وبسقوط الدولة المملوكية وسيطرة الدولة العثمانية على مصر والشام أخذت المدارس الأخرى تضعف وتصغر مثل مدرسة جامع السلطان حسن ومدرسة جامع بن طولون ومدرسة جامع السلطان المؤيد وغيرها، لأن السلطان العثماني سليم الأول ومن تبعه من السلاطين استولوا على الأوقاف التي كانت مخصصة لهذه المساجد، حيث كان معظمها يعود للسلاطين والأمراء المماليك الذين انتزع العثمانيون أموالهم، اما الأوقاف المخصصة للأزهر فلم يمسها احد، اذ ان معظمها كان يعود الى كبار التجار والأعيان المصريين، فضلا عن بعض الأمراء الذين لم يكونوا في الحكم حين سقطت دولة المماليك، وظل الأزهر في ازدهار ومع غلبة اللغة التركية على دواوين الحكم بقي الأزهر حاملا وحافظا للغة العربية وعلوم الدين الإسلامي ومقصدا للدارسين من أنحاء العالم الإسلامي، ومن ثم لم يجرؤ العثمانيون على المساس به. لكن مع مرور السنوات والضعف السياسي للدولة العثمانية خيم الجمود على الأزهر علميا وفقهيا مع انعدام التجديد وضعف الاجتهاد. الدين والعلوم ويتوقف الصعيدي عند الحوار الذي دار بين احمد باشا الوالي العثماني وشيخ الأزهر عبدالله الشبراوي حول عدم وجود علوم الفلك والرياضيات بالأزهر فضلا عن الكيمياء، وكان ذلك في عام 1756 ميلادية، ولم ينتبه علماء الأزهر الى ذلك حتى جاءت حملة نابليون ففوجئ الجميع بالتراجع العلمي الذي بات عليه الأزهر. ويأخذ الصعيدي على علماء الأزهر انهم لم يواكبوا النهضة العلمية التي حاول محمد علي ان يقوم بها، بل حاولوا التصدي لها، ومن هنا بدأت أول محاولة للإصلاح قام بها شيخ الأزهر حسن العطار وتلميذه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، وتبلغ محاولة الإصلاح ذروتها مع الاستاذ الإمام محمد عبده، الذي وجد عداء ومقاومة من أهل الجمود داخل الأزهر مما أدى الى ابتعاده خاصة ان الخديو عباس حلمي وقف ضد محمد عبده وساند أهل الجمود. بعد وفاة الإمام محمد عبده عام 1905 قوي أمر أهل الجمود وطاردوا الإصلاحيين والمتأثرين بدعوة الإمام محمد عبده، لذا لم يكن غريبا ان يهجر بعضهم الأزهر، طه حسين ذهب الى الجامعة المصرية والشيخ المراغي سافر للعمل في السودان وهكذا لكن في عام 1927 توفى الشيخ ابوالفضل الجيزاوي شيخ الازهر، وكان من المعادين للإصلاح وجاء بعده الشيخ المراغي شيخا للأزهر وكان مناصرا للإصلاحيين ودار صراع عنيف بينه وبين الآخرين، وصار في الأزهر تياران هذا يتقدم وذاك يتراجع، ورغم ان مشيخة الأزهر تولاها عدد من تلاميذ محمد عبده مثل المراغي والظواهري، ومصطفى عبدالرازق لكن الفريق الآخر والذي يرى الحفاظ على الكتب الصفراء كما هي، وطريقة الدرس في الأزهر حول الاعمدة كانوا من القوة بحيث تمكنوا من عرقلة الإصلاحيين حتى اضطر الشيخ المراغي في مشيخته الثانية للأزهر الى ان يهادنهم، اما الشيخ مصطفى عبدالرازق فقد عبر عن ندمه كثيرا بسبب قبوله المشيخة بسبب الضيق الذي تعرض له وتوفى بأزمة قلبية تردد انها كانت بسبب تلك المضايقات. يرصد عبدالمتعال الصعيدي تفاصيل الصراعات بين الشيوخ الكبار وتدخل الأحزاب السياسية فيها فضلا عن القصر الملكي وخاصة الملك فؤاد ومن بعده ابنه الملك فاروق حيث أراد كل منهما ان يكسب الأزهر لصفه في صراعاته السياسية، ولم يفت الباحث ان يتابع دور الإنجليز في هذا الأمر منذ حكموا مصر وتدخلوا في العملية التعليمية بها. هذا الكتاب يكاد يكون وثيقة فكرية لمرحلة انقضت خاصة ان معركة الإصلاح في الأزهر والصراع بين التيارين القديم والجديد لم يتوقف الى يومنا هذا ويبدو انه سيستمر لفترة طويلة قادمة. وإذا كان الأزهر جزء أصيل من تاريخ مصر والمنطقة العربية والعالم الإسلامي فلا غنى للمهتمين بالأزهر أو بالشأن الوطني والإسلامي والعربي العام على ان يتابعوا تاريخ هذه الجامعة وما جرى بها ومن ثم لا مفر من العودة الى هذا الكتاب الذي يحتاج من باحث آخر الى ان يواصل دراسة مسيرة الإصلاح في الأزهر بعد ثورة يوليو 1952 وحتى يومنا هذا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©