الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الصين أولاً»: ثروات طائلة ونفوذ متصاعد

«الصين أولاً»: ثروات طائلة ونفوذ متصاعد
19 فبراير 2010 22:26
روبرت صامويلسون محلل اقتصادي أميركي أصبح واضحا من الأحداث الأخيرة أن النخب الأميركية، السياسية والتجارية والأكاديمية، قد أساءت تقدير الصين والحكم عليها، إذ ازدادت النزاعات مع الصين كثيرا، ويكفي أن نتأمل الأمثلة التالية: خفض قيمة العملة الصينية وتأثيره على التجارة، فشل المفاوضات حول ارتفاع حرارة الأرض في كوبنهاجن، دعم الصين الضعيف والمتواضع للجهود الرامية إلى منع إيران من تطوير أسلحة نووية، سجلها الضعيف أيضا بخصوص الضغط على كوريا الشمالية للتخلي عن ترسانتها النووية، الموقف من بيع أسلحة أميركية إلى تايوان، استمرار الرقابة على شركة "جوجل" رغم تهديدها بمغادرة الصين. والواقع أن الولايات المتحدة والصين تنظران إلى العالم من زاويتين مختلفتين تماما؛ فدروس وعبر "الكساد الكبير"، والحرب العالمية الثانية تتمثل بالنسبة للأميركيين في أن الانعزالية تفضي إلى التهلكة. وقد جُربت عقب الحرب العالمية الأولى وأثبتت فشلها، حيث وجدت الولايات المتحدة مضطرة للانخراط في الخارج من أجل حماية اقتصادها وأمنها المادي. وتظل هذه الأفكار الجوهرية في صلب وصميم تبرير الولايات المتحدة لالتزاماتها العسكرية في الخارج وتشجيعها لاقتصاد عالمي مفتوح. لكن السعي هو إلى الاستقرار، وليس إلى إمبراطورية. والواقع أن الصين أيضا ترغب في الاستقرار، لكن تاريخها ورؤيتها مختلفان، مثلما يُظهر ذلك مارتن جاك في كتابه الرائع "عندما تحكم الصين العالم". فبدءً بحرب الأفيون الأولى" (1839 - 1842) -عندما ألحت إنجلترا على استيراد الأفيون من الهند- منيت الصين بعدد من الهزائم العسكرية والاتفاقيات المذلة التي منحت إنجلترا وفرنسا ودولا أخرى امتيازات تجارية وسياسية. وفي القرن العشرين، تعرضت الصين للبلقنة نتيجة الحرب الأهلية والغزو الياباني، ولم تعرف البلاد حكومةً وطنية موحدة مرة أخرى إلا بعد انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية عام 1949. وكان طبيعياً أن تترك هذه التجارب آثارا مثل: الخوف من الفوضى، وكراهية الاستغلال الأجنبي. لقد تضاعف حجم الاقتصاد الصيني عشر مرات تقريباً منذ 1978. وكان الافتراض الأميركي السائد يذهب إلى أنه بينما تزداد الصين غنى، فإن مصالحها وقيمها ستتقاطع مع مصالح وقيم الولايات المتحدة، وأن الصين ستعتمد بشكل متزايد على ازدهار الاقتصاد العالمي، وأن ازدياد حرية الأسواق الداخلية سيدفع الحزب الشيوعي إلى إرخاء قبضته، وأنه إذا كان من غير الممكن أن تكون الولايات المتحدة والصين على وفاق دائما، فإن نزاعاتهما ستكون من النوع الذي يمكن إدارته وتسويته. لكن يبدو أن الأمور لا تسير وفق هذا التصور، والشاهد أن الصين التي ازدادت غنى باتت أكثر رغبة في تأكيد قوتها وحضورها، فهي لا تقبل شرعية النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، والذي يقوم على مسؤولية جماعية بين القوى العظمى (بقيادة الولايات المتحدة) من أجل سلام واستقرار اقتصادي عالمي. وبعبارة أخرى فإن سياسات الصين تعكس مفهوما مختلفا تماما مؤداه: الصين أولًا. خلافاً لحركة "أميركا أولاً" الانعزالية التي ظهرت في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن "الصين أولاً" لا تعني عدم الانخراط العالمي، وإنما الانخراط وفق الشروط الصينية. فالصين تقبل وتدعم النظام الحالي الذي يخدم مصالحها ويلبي احتياجاتها، مثلما حدث عندما انضمت إلى منظمة التجارة العالمية في 2001. وفي خلاف ذلك، فإنها تلتزم بقوانينها وقواعدها. والواقع أن معظم النزاعات الأميركية الصينية تعكس عدم استعداد الصين لتعريض أهدافها الداخلية للخطر من أجل أهداف دولية. فهي مثلا ترفض الالتزام بمعدلات خفض محددة للغازات المسببة للاحتباس الحراري؛ لأن ذلك يمكن أن يقلص النمو الاقتصادي والوظائف. وبخصوص إيران، فإن بكين تولي أهمية لاستثماراتها النفطية أكثر مما تخاف أسلحة إيران النووية. وبالمثل، فهي تخشى أن يؤدي الاضطراب في كوريا الشمالية إلى تدفق اللاجئين على حدودها. ولأنها تنظر إلى تايوان كجزء منها، فإنها تعتبر مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الأخيرة تدخلاً في شؤونها الداخلية. كما ترى أن الرقابة على ما ينشر في الإنترنت ضرورية للحفاظ على هيمنة الحزب الواحد. إن رؤية الصين للعالم تهدد مصالح أميركا الجيوسياسية والاقتصادية. ومؤخراً فقط، وجهت 19 جمعية تجارية أميركية رسالة إلى إدارة أوباما تحذر فيها من أن القوانين الصينية الجديدة بالنسبة لـ"الابتكار المحلي" يمكن أن "تؤدي إلى إقصاء عدد كبير من الشركات الأميركية" من السوق الصينية، أو تكون مرغَمة على نقل التكنولوجيا المتقدمة. وتفيد صحيفة "تيليغراف" أن بعض الشركات البريطانية غاضبة جداً من "الحمائية التجارية الكبيرة" إلى درجة أن بعضها قد يغادر الصين. والواقع أنها ستكون مأساة لو أن هاتين القوتين العظميين بدأتا تنظران إلى إحداهما الأخرى كخصمين؛ لكن ذلك هو الاتجاه الذي يبدو أن الأمور تمضي فيه. وإذا كان الصينيون، وهم ورثة تقليد ثقافي عمره ألفا عام، ومواطنو أكبر بلد في العالم، لديهم شعور خاص بالتفوق والرفعة، كما يقول جاك، فإن الأميركيين أيضا لديهم شعور بالتفوق والرفعة حيث يعتقدون أن القيم الأميركية، مثل الإيمان بالحرية والفردانية والديمقراطية، إنما تعكس تطلعات كونية. إن حدوث نزاعات أكبر وصدامات للكبرياء الوطني، يبدو حتميا ولا مفر منه. لذلك، لم يعد بإمكاننا الجلوس بينما تعرِّضُ سياساتُ الصين التجارية والنقدية الوظائفَ هنا وفي أماكن أخرى للخطر، وفي وقت باتت فيه الخلافات السياسية بين البلدين أكبر من أن يتم تجاهلها. لكن، ونظرا لتصاعد قوة الصين، وحالة اقتصاد العالم الهشة، فإن مواجهة بينهما لن تخدم أحداً. وبذلك، يمكن القول إن الميكيافيلية تقودنا إلى طريق مآلها مجهول. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©