السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«أفلام الإمارات» تقدم روح وتفاصيل وتساؤلات المكان

«أفلام الإمارات» تقدم روح وتفاصيل وتساؤلات المكان
14 أكتوبر 2012
إبراهيم الملا (أبوظبي) - انطلقت مساء أمس الأول بصالات المارينا مول في أبوظبي أول عروض مسابقة «أفلام الإمارات» ضمن نسيج تنافسي لعدة مسابقات رئيسية تحتضنها الدورة السادسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، الذي قدم في حلته الجديدة وبعناصره المحلية المكثفة انطباعا بوجود حماس متقّد ورغبة تفاؤلية في تطوير وتجويد الأدوات السينمائية لدى صناع الفيلم الإماراتيين والمقيمين على السواء، وذلك من خلال قصص وقضايا ومواضيع تلامس روح وتساؤلات وتفاصيل المكان، ومن خلال وعي إبداعي يرنو إلى لغة سينمائية دالّة ومتماسكة، ومنفذة بتقنيات احترافية لم تعد تعترف بأنصاف الحلول، أو بالأعذار الإنتاجية وقلة الدعم، خصوصا مع ظهور مؤسسات ومعاهد سينمائية متخصصة في الإمارات، ومعنية أساسا باحتضان المواهب الشابة وتقوية عودها والعمل على تطوير أفكارها ومشاريعها السينمائية ابتداء من السيناريو وليس انتهاء بعمليات ما بعد الإنتاج من ترويج وتسويق ومشاركات متعددة في مناسبات ومهرجانات فيلمية محلية وإقليمية ودولية. فالإرهاصات والمقدمات السينمائية المبشرة التي حملتها مسابقة: «أفلام من الإمارات» عندما انطلقت قبل أكثر من عشرة أعوام في المجمع الثقافي بأبوظبي، أصبحت تتحدث اليوم بلغة واثقة ومن خلال صيغة وملمح وقوام سينمائي يكبر ويتنامى ويتشعب يوما بعد آخر، خصوصا في ظل وجود ثلاثة مهرجانات كبرى في الإمارات هي أبوظبي ودبي والخليج تفتح من خلال الورش التخصصية وأسواق السينما وصناديق الدعم، آفاقا مبتكرة ومحفّزة لهواة ومحبي السينما في المنطقة، والذين وجدوا ضالتهم أيضا في أكاديميات ومؤسسات سينمائية متخصصة، مثل أكاديمية نيويورك للأفلام بأبوظبي ومؤسسة إيميج ناشن، وتو فور فيفتي فور ـ الجهة المشرفة حاليا على مهرجان أبوظبي السينمائي ـ بالإضافة إلى الجامعات المحلية التي تقدم في مناهجها الإعلامية معارف أولية وأساسية في فنون التصوير والإخراج والمونتاج وغيرها، حيث تسعى كل هذه الجهات في النهاية إلى ضخ الحياة الحيوية والحراك المتواصل في الفعل السينمائي المحلي، وتغذيته بدماء جديدة حارة ومتدفقة وقادرة على إنعاش وتطوير الحالة السينمائية الفريدة التي تعيشها الإمارات الآن، والتي لقيت صيتا إعلاميا ونقديا موازيا وملفتا منذ ولادة الهوية الفيلمية الإماراتية قبل عدة سنوات. قائمة الأفلام وبالعودة للأعمال التي عرضت مساء أمس الأول في مسابقة (أفلام الإمارات)، فإن جلها كان ينتمي لفئة الأفلام الروائية القصيرة، مع وجود فيلمين استعانا بتقنيات التحريك، أو (الآنيماشن)، لتدعيم وجهتي النظر اللتان قدماها مخرجا الفيلمين من خلال رؤية تمزج بين الواقع الحقيقي والآخر الافتراضي وتستغل عناصر التخييل والتجريب والتنويع البصري من أجل تمرير رسائل الفيلمين، حمل الفيلم الأول عنوان : «سمكة» للمخرج مايكل نجيب المقيم في الإمارات، والثاني حمل عنوان: «أسطورة» للمخرج هاني كبيشي الذي نفّذ فيلمه بتقنية الأبعاد الثلاثية. الأفلام الأخرى في البرنامج حملت تواقيع مخرجين إماراتيين معروفين أمثال نجوم الغانم التي قدمت فيلم: «عشاء سلمى»، وعبدالله حسن أحمد بفيلم: «أصغر من سماء» وأحمد زين الذي قدم فيلم: «لبن مثلّج»، مع مشاركة فيلم خليجي واحد بعنوان: «ثلاث عرائس وطائرة ورقية» للمخرجة السعودية الشابة هند الفهّاد، باقي الأفلام استعانت بعناوين لافتة ومعبرة عن مواضيعها الكوميدية والأخرى التراجيدية مثل: «أبيض وأسود» للمخرج الإماراتي عمر بطي، و»الرحلة» للمخرجة الإنجليزية من أصل يمني هنا مكّي، و»ضوء قاتم» للمخرج العراقي المقيم في الإمارات ياسر الياسري، و فيلم: «وليد» للمخرج اللبناني المقيم في الإمارات نزار صفير. فكرة التضاد ففي فيلم: «أبيض وأسود» يستثمر المخرج عمر بطي فكرة التنافر اللوني، كي يقدم في قالب كوميدي وفانتازي فكرة التضاد والصراع بين الرجل والمرأة، من خلال قصة زوج مهمل لا يبالي بمشاعر زوجته ولا يدير بالا لاحتياجاتها العاطفية فهو مشغول دائما بمهنته وتجارته المتعلقة ببيع الأعمال الفنية، وفي رد فعل انتقامي ومفاجئ يكسر من خلاله المخرج حدود الواقع الاعتيادي، نرى الزوجة وهي تقتحم ليلا الجاليري الذي يعود لزوجها لسرقة إحدى اللوحات الثمينة، وتحقق مرادها بعد عراك والتحام جسدي عنيف مع حارس الجاليري، ورغم أنها تأتي باللوحة إلى المنزل كي تلفت نظر الزوج، إلا أنه ينشغل عنها بحوار هاتفي صاخب وانفعالي مع حارس الجاليري الذي قام بإنهاء خدماته، رغم أن اللوحة تقبع في بيته. فيلم «أبيض وأسود» منفّذ تقنيا بشكل جيد خصوصا في مشاهد العراك من خلال رياضة الكونغ فو، إلا أنه كان بحاجة لاعتناء أكثر على صعيد الأداء التمثيلي الذي أثّر على إيقاع العمل وعلى التواصل مع المتفرج في الصالة. أفلام الطريق واجتمع فيلما: «أصغر من سماء» لعبدالله حسن أحمد، و»ضوء قاتم» لياسر الياسري في مقاربتهما لأفلام الطريق، ونقلهما لأجواء خرافية وأسطورية مستقاة من التراث الشعبي المحلي، مع فرق المعالجة السردية والتقنية في الفيلمين، حيث ينطلق عبدالله حسن في بناء التفاصيل المشهدية اعتمادا على سيناريو محكم كتبه شقيقه محمد حسن أحمد حول عائلة مكونة من أب وأم وطفلة صغيرة تجمعهما السيارة في رحلة وسط الجبال، وعندما ترتطم السيارة بطائر عابر وتلتصق بقاياه بزجاج السيارة الأمامي تتساءل الطفلة عن معنى الموت، وتحتشد اللقطات المتتالية بعد ذلك بصوت خارجي لترنيمات شعبية معروفة، في محاولة لخلق عتبة نفسية تهيئ المتفرج للدخول والتواصل مع المشاهد الغرائبية التي تلي وقوع حادث مفاجئ ومأساوي للعائلة ينتج عنه وفاة الأب والابنة وبقاء الأم في شبه غيبوبة تقاوم من خلالها الموت ولكنها تعجز عن تفسير الخيالات الراعشة والأطياف الغريبة التي تحوم حول السيارة المنقلبة والمشرفة على السقوط في واد عميق، وتتكشف للمشاهد خيوط هذه اللعبة الجهنمية في مكان محصور جدا ومحاصر بالأذى العميق والفناء الجسدي والألم الفادح عندما تتوافد صور وأخيلة تجسّد شكل الانتقام ووقع اللعنة التي حلّت بالعائلة بعد اصطدام السيارة بالطائر، وفي متواليات بصرية مكثفة ومتمهّلة يتداخل فيها العجائبي مع الواقعي، نرى الأم وهي تختبر لحظاتها الأخيرة مع الوجود المنسحب والحياة المتضائلة في حيّز إيهامي ومحسوس أيضا، ولكنه حيّز يشرف على هاوية يختمها الفيلم بمشهد تدهور السيارة وسقوطها في الوادي بعد أن تحط حمامة عابرة على السيارة، وتغادرها فجأة كي تتحول اللعنة بثقلها الميثولوجي إلى حالة تدميرية ضارية، يعجز أمامها التفسير الظاهري، وتبقى كل الأسئلة الغامضة والملغزة معلقة في فضاء الغيب والرهبة. حكاية داكنة وفي سياق مشابه يقدم ياسر الياسري في: «ضوء قاتم» من نص للسيناريست الإماراتي محمد الحمادي، حكاية داكنة ومبهمة، في أجواء محلية تعود لحقبة الستينات من القرن الماضي، حيث نرى صديقين تجمعهما صحبة متداخلة وقوية وهما يمضيان في رحلة فوق سطح إحدى الحافلات التي كانت تنقل الأهالي مع أمتعتهم إلى مناطق بعيدة كانت هي سمة ووسيلة السفر في تلك الفترة، ويتدرج الفيلم في الانتقال من فضائه الواقعي إلى فضاء آخر يتجاوز هذا الواقع ويشوشه، عندما يكتشف أحد الصديقين بأنه بات معزولا في مكان خاو ومجرّد من البشر، وأنه منجذب لترنيمات وغناء سحري صادر من إحدى البيوت المهجورة، والتي تسكنها عراّفة ـ تقوم بدورها الفنانة هدى الخطيب ـ والتي تخبره بأنه: «ناقص عمر» وأن مصيره هو العودة المكررة لهذا المكان، ويبدأ الفيلم في الكشف المتوازن عن غموضه عندما نرى الصديق الآخر ـ يقوم بدوره وبإتقان الفنان جاسم الحراز ـ وهو يهذي بأحلامه فوق الحافلة، وأن الرحلة في بعدها التخيلي كانت بصحبة صديقه الذي مات غرقا أثناء إحدى مغامراتهما المشتركة في البحر، حيث ما زالت عقدة الذنب محفورة في دواخل هذا الصديق، وما زال الأسى ما زال مشتعلا فيه ومهيمنا عليه في انتباهات متوارية من الندم والفقدان والخسارة الشخصية الكبيرة. استطاع الياسري في حكايته المكثفة هذه أن يحافظ على خصوصية وإيقاع فيلمه من خلال أداء عفوي وبارز لممثليه، وكان واضحا دور الجهد التقني الكبير المبذول في الفيلم لإيصال مناخاته الشعائرية والخرافية التي تزاوج بين عالم الأحياء والموتى، من دون أن نشعر بأي قطع حاد أو مقحم بين العالمين، وهذه السلاسة التعبيرية كانت أحد الانشغالات الواضحة في ذهن المخرج، ما أدى لإيصال الفيلم إلى منطقة متوازنة تجمع بين المتناقضات، وكأنها في رحلة لامرئية ولكنها في نفس الوقت تحتشد بالواقع وبعنف انفصالاته أيضا. «عشاء سلمى».. بورتريه العزلة قدمت المخرجة الإماراتية نجوم الغانم في فيلمها الدافئ والموجع أيضا: «عشاء سلمى» بورتريها للعزلة، وفي أقصى حالات هذه العزلة قسوة وانقطاعا عن الآخرين، وكانت الأناقة المشهدية والاعتناء بالكادرات البصرية في فيلم نجوم الغانم، مدخلا مخادعا ومراوغا للتعاطي مع اللحظة المكثفة والصادمة في دواخل: «سلمى» المرأة الستينية التي كانت تهيئ العشاء لابنها وأحفادها كي يعيدوا بث الحياة في ردهات منزلها الكبير والخاوي، غير أن مكالمة ابنها المتضمنة اعتذاره المفاجئ عن الحضور، تطفئ بهجة الاحتفال المنتظر، وتعيد سلمى إلى وضعها القاحل والناضب والمأهول بالوحشة واليباس، وكان المشهد الختامي للفيلم معبرا بدقة عن تفاصيل هذا الهجر والنسيان من خلال لقطة متواصلة تنسحب ببطء من وجه سلمى الذي يملأ الكادر بملامح منكسرة حتى تصل اللقطة إلى نهايتها في بؤرة معتمة ومصحوبة بموسيقا فائضة بحنينها المنهزم، إيغالا في وصف العزلة القسرية، وإمعانا أيضا في تلمس الألم الداخلي لامرأة تحلم بأن يزورها الفرح ولو لليلة واحدة!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©