الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«أصابع الياسمين» تلمس الظلام في الأرواح الخالية من الحب والأمل

«أصابع الياسمين» تلمس الظلام في الأرواح الخالية من الحب والأمل
24 أكتوبر 2013 00:10
محمد وردي (دبي)- تواصلت مساء أمس الأول على خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم بدبي فعاليات الدورة السابعة من “مهرجان دبي لمسرح الشباب”، بعرض مسرحية “أصابع الياسمين”، لفرقة مسرح الشباب للفنون بدبي. المسرحية من تأليف أحمد ماجد، وإخراج مرتضى جمعة، وتمثيل كل من الفنانين، حسن يوسف، ورشا العبيدي، ومحمود القطان. يبدأ العرض المسرحي من “ليلة الدخلة”، الليلة التي تنتظرها المرأة الشرقية منذ تفتح وعيها على أنوثتها، لأن أول مكاسبها، التحرر من سجن “الحرملك”، فضلاً عن دخول جنة الأمومة الموعودة، ناهيك عن احتياجات الجسد. ولكن عندما يتباعد الأمل، ويتجاوز الصبا إلى مرحلة العنوسة، كما هي حال عروس”أصابع الياسمين” التي قاربت الخامسة والثلاثين من عمرها، وفجأة ينبعث الأمل الدفين من رقاده، حينها تنهض أحلام السنين بكل أخيلتها ورومانسيتها دفعة واحدة، فتصبح كالسيل الجارف، ويكون الانتظار مزلزلاً للعقل، والصبر حارقاً للروح كالجمر. أما إذا انقطع حبل الأمل، وحلت الخيبة بمباغتة، لا تقل عن مفاجأة بعث الأمل، حينها تتعرى الروح تماماً من كل أقنعتها، وأرديتها الواهية، التي حاكها الواقع بكل تراكماته وتعقيداته الموروثة، وتظهر على حقيقتها، بجمالها وقباحتها، بصلابتها وهشاشتها، بصدقها وكذبها، بوفائها وغدرها، برحمتها وقسوتها، بعنفها وتسامحها، تظهر كما هي من دون رتوش. كشف الأقنعة ولكن تعرية الروح لا تقتصر على العروس، التي خابت آمالها وتكسرت أحلامها في الليلة الموعودة، وإنما تطال العريس، الذي لا يقل صدمة عن العروس، ذلك أن تحطم أمله الأخير يجعله ينهار، فتتكشف شخصية الأديب عن وصولي ونفعي لا يبحث إلا عن نفسه، وكذلك الحال مع شقيق العروس، الذي دبر لخلاصه، فيما يظنه خلاصاً لصديقه وشقيقته. ومن هذه الفكرة، أي فكرة تعرية الأرواح، وكشف أغطيتها الزائفة، تبدأ حبكة الخيوط الدرامية في مسرحية “أصابع الياسمين”، من خلال تداعي الوقائع والأحداث المستعادة بالذاكرة. يحكي العرض المسرحي قصة الرجل والمرأة والأخ، حسب ما جاء في تعريف المسرحية. فالرجل هو أديب، شاعر وروائي، ولكنه تعرض للتشوه بشكل قاس، جراء حادث، حيث بدا نصف وجهه، وكأنه خارج من محرقة، فضلاً عن الشلل، الذي عطب يده اليمنى، (يقوم بالدور حسن يوسف). والمرأة، هي فتاة عانس، حبيسة “الحرملك”. شأنها شأن الأخريات في المجتمعات الشرقية، حيث الذكر هو ولي الأمر، ولا ولاية للأنثى حتى على نفسها، (تقوم بالدور رشا العبيدي) والأخ، هو شقيق العانس، الذي شعر بعد وفاة الأب والأم، أن قيود الولاية، أو الوصاية على أخته بحكم الأعراف والعادات والتقاليد، تكاد تخنقه، ويريد التفلت، من هذا الواجب، والالتفات لنفسه، (يقوم بالدور محمود القطان). ولما كان حال صديقه الشاعر المعطوب، كحال شقيقته، فاقداً لأمل اللقاء بشريكة لحياته، ظن أن ربطهما بالزواج، سيكون مقدراً من جانبهما، وسيعتبرانه عملاً نبيلاً، ينبع من روح نبيلة، من دون أن يعرفا حقيقة سعيه، الرامي إلى التخلص من عبء الأخت العانس. فنصب لشقيقته من روايات وقصائد الشاعر المعطوب فخاً لاصطيادها، ولم تقاوم الطريدة، الخاوية دواخلها من معاني الحب والأمل، بعد أن فاتها قطار الزواج منذ سنوات، وفقاً للأعراف الشرقية. فاقتاد قلبها بخيوط الشعر والأحلام الرومانسية، التي انبعثت من رقادها بصهيل العشق والتوق للحب والأمومة، حيث وافقت على الزواج من الشاعر، مجرد أن عُرضت عليها الفكرة، من دون أن تراه، وهي تظن أن زواجها من الشاعر الموعود، سيجعلها تغادر سجن “الحرملك” للأبد، بعد أن يحملها على حصانه الأبيض، ويهيم بها ومعها في وديان القصائد، وبراري العشق، الممتدة إلى فراديس المسرة وجنائن الدهشة الأبدية. الصدمة الفاجعة إلا أن الأحلام تتقوض، وتتكشف الحجب التي تستر الواقع العفن، عندما يموت الحصان الأبيض، وتنتهي رحلة العشق والأحلام في الليلة الأولى، حينما تكتشف العروس أن الشاعر الذي فتنها بقصائده مشوه ومعطوب، فكانت الصدمة فاجعة، ليس بانكسار الحلم فقط، وإنما زاد من فداحة الصدمة ومرارتها غدر ولي الأمر، شقيق الروح الأثير، الملاذ الأخير بالنسبة لامرأة تجاوزت مرحلة الصبا بالعرف الشرقي. ولم تكن الصدمة أقل قسوة على الشاعر، عندما تكشفت شريكة العمر المنتظرة، عن غول أناني لا يرحم، ولا يعرف سوى نفسه وجوعه اللامحدود إرضاء لذاته، قبل أي شيء آخر، من دون النظر إلى ما يهم الآخرين. فأغتال رفضها براعم الأمل، التي جعلها صديقه تتفتح بقلبه المتيبس، بعد ما ظن أنه صار عقب الحادث، حطباً للأيام الباقيات من العمر الشقي. كذلك لم ينج الشقيق من شظايا الحقيقة البشعة، حيث انكشفت الأقنعة عن وجوه الجميع، وصار اللعب على المكشوف كما يقال. فتبين من خلال الحوارات أن الأقنعة لم تكشف عن وجوههم فقط، بل عن دواخلهم المتخمة بالقباحات، المستورة بأردية واهية من الزيف، المحاكة بخيوط مرائية من الخداع الرخيص، الذي يتأفف منه الجميع أمام الجميع، ولكنه متسرطن في العقل الباطن لدى الجميع، بل في جوهر ذوات الجميع، لينتهي العرض بظهور البقع السوداء على الثياب البيضاء ، كناية عن الظلمة التي بدواخلهم. استبطان النزعات في الواقع إن العرض لم يتمكن من توصيل الفكرة بجلاء، لأن الحوارات بدت مثقلة بالشعرية المكثفة، وموغلة في استبطان النزعات الإنسانية المتصارعة بين الشيء ونقيضه، التي تتمظهر بأشكال مخادعة للذات وللآخرين في الوقت عينه، ما جعل النص يبتعد عن مساراته الدرامية، هذا على الرغم من القدرات التمثيلية اللافتة لدى أبطال العرض الثلاثة، إذا تجاوزنا الملاحظات الفنية حول الإضاءة والصوت ، خصوصاً في الجزء الأول من العرض ، وبشكل أخص صوت رشا العبيدي، الذي كان في بعض الحالات غير مفهوم تحت وقع الموسيقى. بعد العرض عقدت ندوة لمناقشة المسرحية، شارك بها المؤلف أحمد الماجد، والمخرج مرتضى جمعة، وأدار الحوار سامر الصليبي. وكانت مجمل التعليقات على الإضاءة والصوت والغموض بالحوارات، وتقصير المخرج بإدارة اللعبة المسرحية، وطغيان العتمة على المسرح بشكل عام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©