السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوفي عنان في الشقاوة ينعمُ

كوفي عنان في الشقاوة ينعمُ
13 أكتوبر 2012
إنني أتعجب من تخبّط المراقبين للشأن السوري، فالمسألة كالتالي.. والأمور واضحة في مصر ما بعد الثورة، يا رجل أظهر من الشمس في رابعة النهار، فالذي يحدث أن.. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فإن انتخابات الرئاسة هي التي.. وحسناً أنك أشرت إلى إيران، فـمهما قيل إن.. ولا تعتقد أن كوريا الشمالية لن.. وربما لن تصدّق أن بوتين روسيا.. الصين في طريقها إلى.. رأيي في الربيع العربي أن.. في جلسة واحدة، وبينما هو يمسك بأنبوب الشيشة بيد، وباليد الأخرى يعبث بسبحة طويلة، لفّ بي حول العالم، مستعرضاً سياسات الدول الكبرى والصغرى، ومحلّلاً مواقف حكوماتها تجاه مجمل القضايا، من الحرب والسلام إلى قوانين التقاعد والبصق في الشوارع. وكان يتلذذ بسحب نفس عميق من الشيشة كلما شرح مفصلاً أحداث الساعة. وأهم شيء أنه اصطحبني معه خلف كواليس الطغمة التي تحكم العالم، ورأيت بأم عيني «البنّائين الأحرار» بكروشهم المدوّرة وغباغبهم المتدلية، وهم ينفثون دخان السيجار الكوبي من أفواههم، ويتشاورون أمام خريطة للعالم بشأن الدول التي يعتزمون إغراقها في الوحل، وكان الوحيد الذي رأيته في تلك الجلسة يقشّر البرتقال بدلاً من تدخين السيجار الفاخر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر. ثم قام فجأة من مقعده الأممي، وأخرج محفظته من جيب كندورته، وأخذ يتفحّصها، ثم قال وهو يعيدها إلى جيبه ويغادر المقهى: ادفع حسابي هذه المرة أيضاً.. لا أملك فكّة. وصعد سيارته، وأشعل سيجارة، وانطلق إلى نيويورك. لم يكن جليسي كوفي عنان، أمين عام الهيئة الأممية، لكنه يتصوّر أنه مؤهل لشغل مكان ذلك المفاوض بلا حدود. وقد تذكّرت صاحبي، محلّل الكرة الأرضية، وصاحب أهم رؤية كونية، وآخر رجل في العالم يدفع الحساب في المقاهي، حين سمعت من يعترض على حِكمة مشهورة من حِكم المتنبي، تلك التي يقول فيها: «ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ... وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعَمُ». فحين يدوخ ساسة الدول ويتخبّط مفكرو العالم وقادة الرأي الكبار عند حديثهم عن مسألة واحدة، لتكن مثلاً الأحداث المريرة في سوريا، والقمع الرسمي والصمود الشعبي والصمت الدولي والجعجعة العربية، ثم يأتي من يحلّ هذه العقدة ببعض العبارات، ويلف كل المسائل الدولية العالقة في الهواء بدخان الشيشة، فإنه يمكن القول للسيد المتنبي: «عدّاك العيب». وقد يسمع أحدنا تعليقاً غريباً في حدث تاريخي أو شخصية عالمية، كمن يقول إن هتلر كان يعمل لصالح اليهود في الخفاء، وأنه اضطهدهم بالاتفاق مع زعمائهم، ليرقّق قلب الغرب عليهم، ويسهّل عملية احتلالهم فلسطين، فإن إخوة الجهل يؤيدون هذا الرأي، أو حتى يعارضونه، من دون أي تدقيق في مصادر أو وثائق أو حتى بالعودة إلى محرك بحث «قوقل». وبعد لحظات من التأييد أو المعارضة، يعيش أخو الجهل في نعيم ما بعده نعيم، بينما صاحبه العاقل، إن كان مهتماً بالتاريخ، سيظل هذا التعليق يقلق راحة باله، ويبيّض شعر رأسه، ولن ينجو من الشقاء إلا بعد بحث مضنٍ وبعد سقوط ما تبقى له من شعر. ولا أزعم أنني من الذين يشقون بعقولهم، فمرات كثيرة كنت من أفضل إخوان الجهل في مسائل لا تعد ولا تحصى، لكن واجهت مواقف شاقة كنت سأعبرها برشاقة التيس الجبلي لولا أنني قررت بغباء استخدام عقلي والاحتفاظ بصفتي كحيوان ناطق. وأكثر هذه المواقف تكون أثناء الشروع في الكتابة، فتخطر ببالي فكرة ما، وتكون لديّ انطباعات وتصوّرات معينة عنها، وأبدأ في الكتابة، وفي خضم ذلك أتوقف وأسأل: لم لا أغوص في تفاصيل الموضوع قبل أن أضع نقطة نهاية السطر؟ وسرعان ما أجد نفسي في دوامة الشقاء، وتنهار تصوّراتي أمام عيني وتتساقط منها حجارة الجهل، فكل ما كتبته كان فارغاً وأحتاج الآن إلى البحث عن فكرة أخرى والكتابة من جديد. صحيح أنني أشعر بالنعيم لأنني استعملت عقلي، لكنه نعيم مغطى بقشرة من شقاء وتعب، فالصحف لا تنتظر، ولا يمكن أن أقول لمسؤول الصفحة: كان المقال جاهزاً لكنني اكتشفت أنه مقال لا يصدر إلا من أقلام الجهلاء. وأكثر الأشياء غرابة في صاحبي كوفي عنان، أنه يعتقد بأن هذا الرجل لا يزال يشغل منصب أمين عام الأمم المتحدة. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©