الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الصداقة إلى العداء

من الصداقة إلى العداء
23 أكتوبر 2013 19:59
يجري الاحتفال الآن في كل من مصر وروسيا بمرور سبعين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي هذا الإطار صدرت دراسة علمية بعنوان “العلاقات المصرية ـ السوفييتية 1970 ـ 1981” للباحث عبدالعليم يوسف عبدالعليم، تتناول فصلاً عاصفاً من هذه العلاقات، وهو الفصل الذي كان البطل فيه الرئيس أنور السادات أي الفترة من عام 1970 وحتى عام 1981. العلاقات بين مصر وروسيا قديمة تعود إلى منتصف القرن الثامن عشر، تحديدا عام 1748 حين أنشأت روسيا قنصلية لها في الاسكندرية، وحدث أن علي بك الكبير حين أراد ان يستقل بمصر عن الدولة العثمانية عقد صفقة أسلحة مع روسيا استورد من خلالها بنادق حديثة مكنت جيشه من مواجهة الجيش العثماني في الشام، لكن السلطان العثماني استغل تلك الصفقة ليذيع فتوى “كفر” علي بك الكبير لأنه تعامل مع روسيا الكافرة، وكان نتيجة ذلك أن تمرد قائد جيشه عليه وفشل مشروعه. جذور ولما قامت ثورة 1919 اهتم لينين بالثورة المصرية وبعث برسالة إلى الزعيم المصري سعد زغلول يعرض فيها مساندة مصر بالكامل ضد الاحتلال البريطاني، رغم ان مصر لم تكن اعترفت بعد بروسيا الشيوعية وأبقت البعثة الدبلوماسية القيصرية لديها، حتى عام 1923، حيث بادرت مصر بطردها، وظلت العلاقات مقطوعة بين البلدين، حتى عام 1939 حين قررت حكومة علي ماهر التفاوض مع موسكو لإعادة العلاقات مع الاتحاد السوفييتي، ولكن قيام الحرب العالمية الثانية ومشاركة موسكو فيها حال دون ذلك، ثم استكملت المباحثات وتم الاتفاق على عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين عام 1943، وبعد عامين ارتفع هذا التمثيل إلى مستوى السفارة وتم افتتاحها في 22 مارس عام 1945. حدث تطور في العلاقات مع صفقة الأسلحة إلى مصر عام 1955، رغم أن الاتحاد السوفييتي أدان ثورة 23 يوليو 1952 فور قيامها واعتبرها انقلابا عسكريا ضد الملك فاروق بالتنسيق مع بريطانيا والولايات المتحدة، لكن تصدي عبدالناصر للأحلاف العسكرية الغربية جعل موسكو تعيد النظر والتقييم، وكان عبدالناصر مضطرا للتعامل مع روسيا، بعد ان خذلته الولايات المتحدة في تقديم المساعدة العسكرية له ردا على غارة إسرائيل على غزة، ولم تقدم المعونات الاقتصادية لبناء السد العالي. كان عبدالناصر متخوفا من السوفييت بسبب الشيوعية وانهم يمكن ان يساندوا الشيوعيين في مصر، وكانت ثورة يوليو قد أفرجت عن كل المعتقلين السياسيين فيما عدا الشيوعيين، وكان عبدالناصر قلقاً من دور الشيوعيين في العراق وسوريا، لذا اعتقل الشيوعين في مصر سنة 1959، ولكن الاتحاد السوفييتي لم يجعل من ذلك أزمة كبرى، كان السوفييت يدركون ان مصر وزعامة عبدالناصر مفتاحهم لدخول المنطقة، واستمر الأمر على هذا النحو حتى وفاة عبدالناصر عام 1970، وصعود الرئيس السادات إلى سدة الرئاسة المصرية وحتى أكتوبر 1981. شكوك كانت الشكوك عميقة ومتبادلة بين السادات والسوفييت، هو كان مقتنعاً بأنهم أحد أسباب هزيمة مصر عام 1967 وأنهم أرهقوا عبدالناصر بعدم تقديم السلاح الذي طلبه بالكامل، صحيح انهم عوضوا مصر بعد النكسة بكافة الأسلحة ومجانا تقريبا لكن كلها كانت أسلحة دفاعية، وكان السادات يشك انهم يساعدون خصومه، خاصة علي صبري وبقية فريقه للاطاحة به، وكان الجميع يتصورون ذلك، غير أن الوثائق الحديثة سواء السوفييتية أو الأميركية تثبت العكس، وهو أن موسكو لم تحزن لإطاحة السادات بعلي صبري، لأن الأخير كان من دعاة أن تبادر مصر فوراً بشن حرب هجومية ضد إسرائيل ولم تكن موسكو راغبة في ذلك، خوفا من احتمال هزيمة الجيش المصري. هم أيضا كانوا يعتقدون أن السادات لا يحبهم وأن ميوله أميركية وغربية في العموم، وأن شخصيته ضعيفة ولن يستمر في الحكم أكثر من عام، والحق أن ذلك كان تقدير الإسرائيليين أيضاً وكذلك بعض الدوائر الأميركية والغربية، ولكن رغم الشكوك المتبادلة بين القاهرة وموسكو كان كل منهما مضطراً إلى مواصلة التعامل، الباحث يستعمل تعبير “الإكراه” في العلاقة وقد ألمح السوفييت إلى السادات بضرورة فتح قناة للاتصال مع الولايات المتحدة كي يشغلوه بالسلام مع إسرائيل عن فكرة الحرب، التي كان هو يلح عليها، خاصة أنه أعلن أن عام 1971 سوف يكون عام الحسم. قطيعة كان السادات مقتنعا بأن السلام مع إسرائيل في يد أميركا، لكن لا حرب من دون الاتحاد السوفييتي، لذا عقد معاهدة صداقة معهم، ولما رفضوا تقديم أسلحة هجومية طالب بها، قام بطرد الخبراء الروس من مصر، ولم تكن روسيا ضد القرار، فقط غضبت من طريقة إخراجه، وبسبب هذا القرار اضطرت روسيا أن ترسل إلى مصر بعض الأسلحة حتى لا يبتعد السادات عنهم نهائيا، ولكن أميركا وإسرائيل كانتا مقتنعتين بأن السادات لا يمكن ان يحارب طالما قام بطرد الخبراء والمستشارين العسكريين الروس. وتصدعت علاقة السادات مع السوفييت بعد قرار نيكسون وبريجنيف في لقاء القمة بينهما، موسكو صيف 1972، بالتهدئة في المنطقة، ثم وصلت إلى السادات معلومات بأن القيادة السوفييتية تعهدت لواشنطن بعدم امداد العرب بأسلحة تمكنهم من شن هجوم على إسرائيل وأنها سوف تقنعهم بعدم جدوى الحرب وتوقفت موسكو عن إرسال الأسلحة إلى مصر وسوريا وراحت أميركا تغدق السلاح على إسرائيل وتعلن عن ذلك، وصمم السادات على خوض الحرب واحرج بذلك موسكو. بعد الحرب قرر السادات الدخول في عملية السلام مع إسرائيل والاعتماد الكامل على الولايات المتحدة والتخلص نهائيا من الدور الروسي، وبدأت موسكو تثير المتاعب له، خاصة بعد سفره إلى إسرائيل وتوقيع معاهدة السلام عام 1979، راحت موسكو تدعم “جبهة الصمود والتصدي” المعادية للسادات ورفضت موسكو طلب مصر في مجلس الأمن لتشكيل قوة سلام دولية على الحدود في سيناء، مما عطل تسليم سيناء سنة كاملة إلى أن قامت الولايات المتحدة بتشكيل قوة حفظ السلام، ولما قامت موسكو بغزو أفغانستان وقفت مصر ضد تلك الخطوة، مما اغضب موسكو وانتهى الأمر إلى قطع العلاقة بين البلدين في سبتمبر 1981 ثم اغتيل السادات في أكتوبر 1981. ويوجه الباحث أصابع الاتهام في اغتياله إلى كل من الموساد الإسرائيلي وجهاز “كي. جي. بي” (المخابرات السوفييتية)، وباغتيال السادات انتهى الفصل الصعب في العلاقات بين البلدين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©